Share
  • Link copied

بعض أوجه القصور في التواصل الحزبي

تقديم:
يعد التواصل أو الفعل التواصلي بمعناه العام تعبيرا عن العقل في حالة فعل، وتشكل اللغة الأساس والمحتوى لكل سياق تداولي معين، غير أن الفيلسوف هابرماس صاحب نظرية التواصل تجاوز الأطروحة التقليدية القائمة على الوعي وفقط، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفعل التواصلي بين الأفراد والجماعات، بحيث لا يمكن أن يختزل هذا الفعل الى مجرد نقل وتبادل المعلومات والمعطيات بواسطة اللغة فقط، بل يقوم كذلك بتأويل ما يحدث، لأنه يسهم كذلك في بناء العالم المعاش. كما أن الفعل التواصلي لديه يتطلب المحاججة والمناقشة النقدية مع حق المتلقي في القبول أو الرفض لمجمل الأفكار المتداولة في هذا السياق أو ذاك.

والفعل التواصلي الحزبي يعد جزء من العملية التواصلية العامة يهدف إلى التعبير عن مجمل الأفكار والبرامج والتصورات التي تؤمن بها الذات الحزبية وتود تقاسمها وايصالها الى الغير المتلقي.

خطاب الفاعل الحزبي وأشباه القضايا:

إن المتمعن لراهن الخطاب الحزبي في الفعل التواصلي اليوم من خلال ما تعكسه اللغة المستعملة، وهي لغة بعيدة عن الحقل السياسي، سيسجل لا محالة الانزياح الخطير نحو الشعبوية بغرض اثارة انتباه المتلقي، وخلق نوع من “الفرجة السياسية” ضانا منه أنه بهكذا أسلوب سيكسب تجاوب وتفاعل وتعاطف المتلقي. خطاب يستبعد القضايا الأساسية والجوهرية في النقاش السياسي ، وبعيد عن انتظارات المواطنات والمواطنين وعن كل ما يرتبط بمعيشهم اليومي.

بهذا المعنى تجد الفاعل الحزبي غالبا ما يخوض في أشباه القضايا بانفعال شديد، خطاب كله ردود وموجه تارة نحو الأشخاص والخصوم السياسيين، وتارة أخرى نحو السلطات كما يعمد في نفس الوقت الى وصف نفسه بالملائكة والآخرون شياطين، ما يعكس بشكل واضح حقيقة تدني رؤية الفاعل الحزبي ومدى تدني خطابه أيضا.

إن هذا القصور وهذا التدني يجد أساسه في تدني النخب المتربعة على المشهد الحزبي مع بعض الإستثناءات طبعا، والتي لم يعد يهمها الجدال الفكري والسياسي القائم على الحجة والإقناع في التعاطي مع قضايا الشأن العام، الامر الذي ينعكس سلبا على كل المشهد برمته، ويجعل المتلقي في حيرة من أمره، في ضل التشابه والتطابق في المنهجية والأسلوب ما يتعذر عليه التميز بين هذا الخطاب أو ذاك.

بعض أوجه القصور في التواصل الحزبي

غالبا ما يكون للفعل التواصلي قصدية معينة، ويتوجه الى الأخر الغير بغايات وأهداف محددة ،إما توجيه الرأي العام أو شرح موقف أو التأثير في المتلقي من أجل تبني موقف ما أو العدول عنه الى غير ذاك، والفاعل الحزبي نظريا على الأقل بدوره لا يخرج عن هذه القاعدة العامة، بل يعتمد أكثر من غيره على هذه الآلية في إطار سعيه للتواصل المباشر أو غير المباشر مع مختلف الفئات داخل المجتمع عبر(ندوات ،مهرجانات خطابيىة، برامج تلفزية ،التناظر عن بعد التي أصبحت إحدى وسائل التواصل كذلك ) بغية التعريف بهوية حزبه، شرح برنامجه الانتخابي، تصوره للمستقبل، أو تقديم حصيلة انجازاته عندما يتعلق الأمر بالتدبير العمومي، معتمدا في ذلك على رصيده المعرفي وما راكمه من تجارب، وذلك بأسلوب وخطاب قابلين للفهم والتفاعل.

التوظيف البركماتي لمسألة النساء والشباب:

لا يكاد يمر أي لقاء تواصلي حزبي دون حضو واثارة مسألة النساء والشباب، باعتبارهما موضوعان يحظيان باهتمام بالغ من طرف الفاعل الحزبي، لكن ما طبيعة هذا الحضور؟

شكل ويشكل موضوع النساء والشباب مادة دسمة لدى الفاعل الحزبي، ويعتبر موضوعا رئيسيا في الخطاب المتداول، لكن للأسف ليس بالمعمق الواجب طرحه ومناقشته للإشكالات المرتبطة به، والبحث عن الحلول الحقيقية له.

  • فالحديث عن تمكين النساء مثلا لا يكاد يتجاوز مسالة القول بتخصيصهن بعض المقاعد هنا أو هناك، أو ضمان وجود عدد قليل جدا منهن في مواقع صنع القرار، بعيدا عن الدمج الحقيقي لقضايا النساء في السياسات العمومية، من اجل انتشالهن من الهشاشة التي أصبحت مزمنة، وذلك بالنظر الى واقعهن الاقتصادي ، الاجتماعي، والثقافي، الذي يعيق مشاركتهن الحقيقية في العمل السياسي( واقع المرأة في العالم القروي والشبه الحضري وحتى الحضري كذلك).
  • نفس الشيء ينطبق على موضوع الشباب فبدل إثارة الموضوع في شموليته ، والحديث عن واقع الشباب المرير واليومي مع البطالة والتهميش ، وجعل قضاياه في صدارة الاولويات، يعمد الفاعل الحزبي في تواصله إلى استدعاء هذا الموضوع الشائك جدا بكثير من النزعة التمجيدية باعتبار الشباب مستقبل البلاد، مع التركيز فقط على الدعوة الى التسجيل في اللوائح الانتخابية، والمشاركة بكثافة في العملية الانتخابية، بدءا بالحملات والتي تتم تارة بمقابل وأخرى بدونه.

    مع تكرار هذا النهج أصبح أغلب الشباب واعين بهذا الخطاب وأبعاده، وبالدور المسنود إليهم خلال مرحلة الاستحقاقات الانتخابية، ما ادى بهم الى فقدان الثقة في الساسة وأحزابهم وأصبح العزوف سيد الموقف.

    أمام هذه الوضعية الخطيرة والمعروفة لدى المهتمين وغير المهتمين، يمكن أن نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لمراجعة الفاعل الحزبي لخطابه وأسلوبه ومنهجية اشتغاله في التواصل الحزبي الداخلي والخارجي؟

    لماذا كل هذا التأخير في إعطاء النموذج والدليل على نبل العمل السياسي؟ إن الأخلاق السياسية التي يتشدق بها الجميع تفتظي في المقام الاول والأخير الإرادة الصادقة في بناء الوطن الذي يسع لجميع أبنائه، على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم، من أجل العيش المشترك قوامه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
Share
  • Link copied
المقال التالي