باتت العلاقات الجزائرية- المالية تطرح استفهامات كبيرة في المنطقة ودولياً بعد أن انتقل الاحتقان بين البلدين إلى جلسات الأمم المتحدة، في تحوّل يثير المخاوف من احتمال خروج التوتر بين البلدين عن السيطرة ما لم تتحرك آلة الحوار والتفاهم الهادئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأمور إلى طبيعتها.
وقد عرف مسار الجزائر- باماكو تصعيداً جديداً يمكن وصفه بالخطير، حيث تبادل وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، والمتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد اللاي مايغا، تصريحات في منتهى الحدة، ليس عبر بيانات أو تصريحات متفرقة، ولكن أمام مسؤولي دول العالم بمناسبة أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
اتهامات وردود
وانتقد وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة المالية، عبد اللاي مايغا، المسؤولين الجزائريين بشدة، مستهدفاً بشكل محدد وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، وسفيرها لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، واتهم بلديهما بإيواء إرهابيين، في إشارة إلى المعارضين الماليين، وأضاف أن بلاده تتعرض لتدخل خطير في شؤونها الداخلية، منذ انتهاء العمل باتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في 25 يناير الماضي.
وخاطب مايغا، المسؤول الجزائري عطاف مباشرة: “أيها الوزير، الاتفاق قد مات بالفعل، وتعويذاتكم لن تعيد له الحياة، وكل رصاصة تطلق ضدنا سنرد بالمثل، وكل كلمة تستخدم بشكل غير لائق، سنرد بالمثل”، مضيفاً: “أما الممثلون الدائمون الجزائريون، فإلى جانب تقديم المأوى والطعام، بالتأكيد مع أطباق لذيذة للإرهابيين والمارقين، فإن دورهم كرسول مضطرب لا يسهم في تعزيز علاقات الجوار الطيبة”. وقال إن الجزائر “تلعب دور المشوش ولا تحترم حسن الجوار والجغرافيا المشتركة بين الشعوب، وعليها أن تعلم أن مالي ليست ولاية جزائرية”.
تصريحات المسؤول المالي رد عليها وزير خارجية الجزائر في كلمة بالأمم المتحدة، قائلاً “قد تفوّه ممثل دولة من هذا الفضاء، وتجرّأ على بلدي بكلام وضيع لا يليق البتة بوقار مقام كهذا، ولا يصح البتة مجاراته في الاندفاع اللفظي التافه…”. وتابع “مثل هذه اللغة قليلة الأدب، لن يرد عليها بلدي إلا بلغة مؤدبة وراقية، تعكس بصدق وفاءه وإخلاصه لما يجمعه بدول وشعوب المنطقة من روابط متجذرة، لا تتأثر ولا تهتز بالعوامل الظرفية العابرة، على سوئها وعلى رداءة من يقفون وراء إذكائها”.
من تصريحات معزولة إلى مواجهة مباشرة أمام العالم
انتقال التوتر من البيانات الصحافية والتصريحات المعزولة إلى المواجهة المباشرة أمام العالم، يوحي بدخول العلاقات الجزائرية – المالية مرحلة التنافر “المفاجئ” بالنظر إلى التقارب “القوي” الذي كان يربط البلدين. ويبدو أن هذا الاحتقان الحاد طفى على السطح منذ إلغاء باماكو اتفاق السلم والمصالحة الذي وقعته مع المعارضة المالية عام 2015، بوساطة ورعاية من الجزائر.
وسبق هذه المواجهة اللفظية الحادة، تراشق لفظي بين ممثلي البلدين في مقرات الأمم المتحدة بجنيف مطلع الشهر الماضي، بعد مطالبة الجزائر مجلس الأمن بفرض عقوبات على مالي التي شنت قواتها الحكومية هجوماً بدعم من عناصر “فاغنر” الروسية، على مدينة تين زاواتين الحدودية في 25 غشت الماضي، اعتبرته الجزائر أنه يمس بأمنها القومي.
حالة من عدم اليقين بمآلات الأزمة
وأمام هذا الاحتقان يتساءل المتابعون إلى أين يمكن أن تصل التوترات بين البلدين الجارين، وإلى أي مدى يمكن أن تتأزم العلاقات الثنائية، حيث يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري عبدالوهاب حفيان، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، إن التراشق الدبلوماسي بين البلدين بلغ مستوى لم تعرفه العلاقات الثنائية عبر تاريخ، وهذا راجع لعديد الأسباب والعوامل، أولها موقف الجزائر من الفرقة العسكرية الحاكمة في مالي التي أتت عبر الانقلاب الذي ربما كان بداية الأزمة. وأما ثانيها فهو تنصل المجلس العسكري في باماكو من اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، واستعمال السلاح من أجل “تحرير الشمال” كما يسميه عسكريي باماكو، وهنا كان المنعرج.
وأضاف حفيان “ما زاد الطين بلة الحشود العسكرية غير النظامية والضربات الجوية على حدودنا”، وهو ما أثاره السفير عمار بن جامع لدى الأمم المتحدة، و”حرّك المجلس العسكري في باماكو لكيل الاتهامات للجزائر بالصورة التي رأينا”، موضحاً أن هذه الحزمة من التراكمات ربما هي ما جعلت العلاقة بين الجزائر ومالي تتجه نحو أفق مسدود في القريب المنظور. ورجح أن تكون الجزائر قد لجأت لسياسة ضبط النفس على الأقل في الوقت الراهن، لعدم رغبتها في فتح جبهة جديدة في مستوى محيطها المتوتر حالياً، “ما قد يجعلنا أمام حالة من عدم اليقين بمآلات هذه الأزمة التي يمكن أن تصل إلى بحث الجزائر عن شركاء جدد في باماكو غير المجلس العسكري، للحفاظ على أمنها الاستراتيجي، نظراً لما يتم تداوله في مالي الرسمية بأن حدودنا تحولت إلى مراكز لإيواء المتمردين والإرهابيين”، وهذا ما قد يحول العلاقات بين البلدين إلى منطق اللعبة السياسية الصفرية في منطقة الساحل.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن “الواقع المتأزم بين الشريكين التقليديين في الساحل سيؤول إلى أزمة معقدة بخاصة في ظل الحلف بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي قد يرهن العلاقات بين الشركاء في المنطقة أولاً نتيجة الأزمات الشرعية في هذه البلدان، ثم نتيجة فشل الشركاء الجادين الذين عادة ما أصبحوا يبحثون على الحلول الظرفية المستوردة من خارج القارة، وهو ما تعتبره الدبلوماسية الجزائرية تدخلاً في مشكلات المنطقة، والذي لا يجدي نفعاً”.
مستقبل التوتر مرتبط بمزاج المسؤولين؟
في المقابل، يرى الوزير المالي السابق للشغل والوظيف العمومي، حاما أغ محمود، في تصريح خاص، أن مستقبل الأزمة المتصاعدة بين الجزائر وباماكو مرتبط بمزاج المسؤولين الحاليين في البلدين، ولا تخص الشعبين الجزائري والمالي، و”اسألوا الشعب، فإنه سيقول لكم ألا مشكلات لنا مع الجزائر”، مشدداً على أن ما يحدث من معارك لفظية إنما هي ردود فعل متبادلة لسوء فهم. وانتقد الإشاعات المتداولة حول حرب مرتقبة بين البلدين وهي لجهات لها مصالح شخصية ضيقة، وقال إنها “مجرد سحابة عابرة وستعود المياه إلى مجاريها الطبيعية”.
ويواصل الوزير المالي، أن العالم يتغير ويتطور ويجب على البلدين السير إلى الأمام ومسايرة التطورات الدولية الحاصلة، لأن من يتأخر سيتدفع الثمن، مبرزاً أن “مالي الحالي ليس هو السابق، وهو يشعر إلى جانب دول الساحل بخاصة النيجر وتشاد، بالانتماء إلى منطقة المغرب العربي لاعتبارات عدة أهمها التاريخ المشترك والارتباط القوي مع هذا الفضاء، على رغم العراقيل الاستعمارية”، وختم أن الواقع والحقيقة والشعوب تمنع أي تصادم.
(إندبندنت عربية)
تعليقات الزوار ( 0 )