Share
  • Link copied

بعد منعه.. كيف تعيش المناطق الحدودية المغربية من دون “التهريب المعيشي”؟

قبل نحو سبع سنوات، كانت المحلات التجارية في أسواق منطقة “باب سيدي عبد الوهاب” والأسواق المجاورة، وسط مدينة وجدة، تعج بسلع “مُهربة” قادمة من الجارة الجزائر. هذه السلع كانت تلج الأسواق المحلية عبر نشاط تجاري غير قانوني مُعروف بـ”التهريب المعيشي”.

ومن الجزائر إلى المغرب كان يتم تهريب وقود، وخاصة مادة المازوت، وفي الاتجاه المعاكس كانت تتدفق سلع عديدة أبرزها الخضراوات والفواكه.

وشكل هذا النشاط، منذ عقود، شريان حياة تدفقت عبره الدماء في اقتصاد المناطق الحدودية المغربية والجزائرية.

لكن في السنوات السبع الأخيرة تغير الوضع تماما، إذ أوصدت الدولتان المنافذ غير الرسمية التي كانت تمر منها السلع في الاتجاهين، أما الرسمية منها فهي موصدة بإحكام منذ عام 1994، على خلفية هجوم مسلح بمدينة مراكش.

وعزّزت الجزائر حدودها بخنادق على طول الشريط الحدودي، وفي الجانب الآخر شّيد المغرب سياجا بالأسلاك.

ومع بروز هذه التجهيزات الهندسية على طول الحدود، تيقن العاملون في “التهريب المعيشي” أن سنوات “الوفرة” انتهت، وبدأت السنوات “العجاف”.

ورغم انسداد علاقات الجارتين، فإن الشعبين يتبادلان رسائل إيجابية عبر مجالات عديدة، منها الرياضة والفن والثقافة ومنصات التواصل الاجتماعي.

صدمة الإغلاق

الواقع أن الكثير من المراقبين كانوا يتوقعون إغلاق الحدود في وجه “التهريب المعيشي” في أي لحظة، نظرا إلى التوتر الدائم في العلاقات بين المغرب والجزائر.

وعندما أصبح الإغلاق واقعا شكل ذلك صدمة لآلاف العاملين في هذا التهريب بالمناطق الحدودية، وبدأ الجميع يبحث عن بديل.

بعضهم غيروا الوجهة نحو ممارسة النشاط نفسه، لكن عبر بوابة مدينة مليلية، بينما وقعت الأغلبية في براثن البطالة.

وقال إبراهيم عزيزي، عضو غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الشرق، إن “معظم النشاط التجاري في وجدة وباقي المناطق على الحدود كان يعتمد على التهريب المعيشي وبتوقفه توقف الآلاف عن العمل”.

وأضاف عزيزي، وهو أيضا رئيس المجلس الجهوي لفعاليات المجتمع المدني بالشرق (غير حكومي)، أن “الحكومات المتعاقبة، وبخاصة حكومات ما بعد إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر، لم تعمل على تنزيل (وضع) برامج برؤية استشرافية قابلة للتطبيق”.
وتابع: “لو كان هناك محفزات للمستثمرين، أو عملت الحكومات المتعاقبة نفسها على الاستثمار الأمثل في المنطقة لاختلف الوضع”.

وبسبب العاطلين القادمين من هذا المجال، ارتفعت البطالة في جهة الشرق، التي تنتمي إليها كل المناطق الواقعة على الحدود الشرقية مع الجزائر، وأضحت اليوم ثاني جهة من حيث نسبة البطالة بـ17.4 بالمئة.

وبلغت نسبة البطالة على المستوى الوطني في المغرب 11.8 بالمئة، خلال الربع الثالث من 2021، بحسب إحصاءات رسمية.

 غياب الاستثمارات الخاصة

العديد من المختصين يتفقون على أن الاستثمار الخاص هو القطار الذي يعول عليه لجر عربة البديل الاقتصادي في المناطق الحدودية.

ولفت سفيان بوشكور، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الأول بوجدة، إلى أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، أطلق عام 2003 مبادرة لتنمية المنطقة الشرقية وبناء اقتصاد مندمج يعتمد على الإمكانيات المحلية.

وأردف بوشكور: “وبفضل هذه الرؤية، استثمرت الدولة أزيد من 110 مليارات درهم (نحو 12 مليار دولار) في البنية التحتية وإدماج الاقتصاد غير المهيكل”.

واستدرك: “لكن تدخل الدولة على مستوى تعزيز البنية التحتية، لم تواكبه استثمارات خاصة، وهو ما يفسر حتى اليوم ضعف مساهمة النسيج الصناعي في الناتج الداخلي الجهوي”.

وأضاف أن معطيات آخر دراسة للمركز الجهوي للاستثمار في جهة الشرق (حكومي) تفيد بأن القطاع الصناعي يساهم بـ14 بالمئة في الناتج الداخلي، فيما قطاع التجارة يساهم بـ45 بالمئة.

واعتبر أن هذا يبرز مكانة النشاط التجاري في المناطق الحدودية، بالرغم من إغلاق الحدود في وجه التهريب، وأنه لا بد أن تؤخذ هذه المعطيات في الحسبان عند إعداد وتنفيذ البدائل.

مبادرات رسمية

بعد عامين تقريبا من إحكام الإغلاق على نشاط “التهريب المعيشي”، تحركت الدولة ومجلس جهة الشرق في اتجاه تنفيذ برامج ومشاريع تنموية في سياق البحث عن بديل.
أول هذه البرامج هو برنامج مخطط تنمية وجدة الكبرى، الذي سعى إلى تعزيز النشاط الفلاحي في المناطق التابعة لوجدة انجاد، كبرى المدن من حيث السكان في الجهة.

والفلاحة هي النشاط الأول الذي كان يمارسه سكان هذه المناطق قبل أن يتراجع ويفسح المجال لـ”التهريب المعيشي”.

هذا المخطط الرسمي جاء بديلا اقتصاديا تضمن حوالي 40 مشروعا بقيمة إجمالية ناهزت 800 مليون درهم.

بعدها وضع مجلس الجهة، بمعية شركائه، البرنامج الاستعجالي لتأهيل المناطق الحدودية بجهة الشرق بين 2016 و2019 بكلفة مليار و471 مليون درهم.

وتضمن هذا البرنامج مجموعة من مشاريع تنمية تهدف لتوفير الخدمات الأساسية لكل الفئات الاجتماعية، لا سيما المياه الصالحة للشرب والكهرباء وفك عزلة هذه المناطق عبر تعزيز شبكة الطرق، وكذا تأهيل القطاع الفلاحي وتوفير فرص عمل.

ووفق بوشكور فإن “حجم المداخيل التي كان يتحصل عليها العاملون في التهريب المعيشي كان عائقا في وجه نجاح بعض البرامج التي وضعت كبدائل، وبالخصوص المشاريع الصغيرة التي تسمى بالمشاريع المدرة للدخل، وهو ما يتطلب نموذجا اقتصاديا جهويا”.

هذا النموذج يسعى إلى إيجاد ثروة محلية من الإمكانيات المتوفرة، خاصة مع تقدم الأشغال في ميناء الناظور، والذي سيكون بوسعه استقبال أكبر سفن الحاويات في العالم.

ومن ركائز هذا النموذج تعزيز الاستثمار في المنطقة، وهي الاستراتيجية التي بدأت في الواقع تعطي ثمارها، إذ ستشرع في الأيام القادمة شركة APTIV، المتخصصة في صناعة أجزاء السيارات بالاستقرار في المنطقة الصناعية التكنولوجية بوجدة وتوفر نحو 3500 فرصة عمل.

وقبل نحو ثلاثة أشهر، قال معاذ الجامعي، والي المنطقة الشرقية، في اجتماع لمجلس جهة الشرق، إن توطين هذه الشركة سيحفز شركات أخرى على توطين أنشطتها في المنطقة.

وشدد عزيزي على أن “مشاريع من هذا النوع ستمكن من استيعاب العاطلين، وتعيد الروح للنشاط التجاري أيضا، وتنشط الدورة الاقتصادية من جديد”.

Share
  • Link copied
المقال التالي