أوضح كوفيد 19 وضع الهشاشة العميق والمزمن على مستوى مفاصل الإستقرار بمفهومه الشامل . كما أقرت ببعضه وثيقة النموذج التنموي بما يتناسب مع محاولاتها في ” فك الألسن “. مما يشكل تطورا يؤسس لمرحلة الانتقال من وضع الإنكار و المراوغة إلى السير نحو إدراك عمق الأزمة و استعجالية الحلول قبل الإرتطام المحتوم . هذا الوضع الجديد يستلزم مناخا من حرية التعبير قادرا على استيعاب نقاش عمومي و مؤسساتي جريئ وموضوعي.
كما أن الدينامية السياسية التي أسس لها الحراك الشعبي بالجزائر ستدفع نحو فتح الحدود مع المغرب و ضمان و احترام حق التنقل بين الشعبين الشقيقين , بعيدا عن هذه التشنجات المرضية و النفسية التي تعكس القلق و الإمتعاض من إصرار مكونات الشعب الجزائري نحو التحول إلى الديمقراطية … ولكن أساسا ان هذه الدينامية لا شك و أنها ستحرر جبهة الساقية الحمراء ووادي الذهب من هيمنة المخزن الجمهوري الجزائري.
كذلك التطورات التي تعرفها قضية الصحراء الغربية .. تصب في اتجاه الحل السياسي و التأسيس للحكم الذاتي كحجر الزاوية في بناء الاتحاد المغاربي بدوله الخمس.
إلى العديد من التحديات التي تفرضها التحولات العالمية … و التي لا يمكن مجابهتها إلا في إطار الدولة الديمقراطية .. كما نفهم ان ” الدولة القوية ” , بخصوصية و طبيعة وضعنا السياسي لا يمكن إلا ان تكون ديمقراطية . بل و كذلك قطعا لا يمكن تحقيق اي تنمية أو إقلاع اقتصادي بدون الحسم مع الإشكال السياسي بالتوازي مع إشكال الثروة و الريع.. على اعتبار التداخل و التقاطع بين العديد من العناصر التي تكبح التنمية هي في الان ستمنع العبور نحو الديمقراطية . أو اكثر تدقيقا مرتكزات تعرقل تشكل (بضم الكاف)أرضية صلبة للإنتقال الديمقراطي و منها :
1- البنية المخزنية الفوق دستورية و الفوق المؤسساسية , بحيث يتأسس اليوم الوجود القانوني للمواطن المغربي على إفادة إرادية من طرف أعوان السلطة كبنية غير دستورية و غير قانونية … تستمد سلطتها الغيرالقانونية و الغير الدستورية بناءا على الإمتثال التام لمزاجية و تعليمات مكونات السلطة الإدارية ..و بالنتيجة الخلط بين مؤسسات الدولة و الافراد . و لاحظنا جميعا وفي القرن الواحد و العشرين أثناء الجائحة كيف أمكن للعون المراقب بناء على سلطته التقديرية التي هي بالضرورة مزاجه أن يمنح أو لا لمواطنين كاملي الأهلية …شهادة التنقل من أجل غاية ملحة و من بينهم الفقيه الدستوري و القاضي المتقاعد.
و الأدهى بالنظر للصلاحيات والسلط المفوضة لهذه البنية , تفوت على ميزانية الدولة أموالا طائلة مستحقة من الضرائب ..و تعقيد السير العادي للمحاكم بالنظر الى حجم القضايا التي تنبني على الوثائق االتي تمنحها وتعقيد تبليغ الاحكام … و البناء العشوائي و مدن الصفيح وقاعدة بيانات راميد و السجل الاجتماعي و الحماية الإجتماعية مستقبلا .. .و احتلال الملك العمومي .. و تشويه المعمار.. و المعطيات الشخصية و التأثير في الانتخابات …و الإقتصاد الغير المهيكل … و عامل مهدد للسلم الإجتماعي بالنظر إلى دور هذه البنية في تفجير العديد من الإحتجاجات فجائيا …. لكن كذلك ﻷن هذه البنية تتواجد على مستوى العديد من القوانين و منهجية في تدبير الشأن العام ..فمثلا لن يتم حل مشكل استنزاف بعض الزراعات للفرشة المائية رغم البيانات و الدراسات و مسيرات العطش .…و الجفاف .. و الهجرة القروية … فقط (لأن الحركة تدور ) …و يبدو ان البعض أفقه الاستراتيجي هو تحلية مياه البحر …
2- تدهور الوضع الحقوقي لعدة أسباب منها تراجع و ضعف الحركة الحقوقية و المسؤولية السياسية للبجيدي ..لكن المقلق هو محاولة الفصل التام بين التحول الديمقراطي و حقوق الإنسان , بل هناك من يذهب إلى اختزال الإشكال في تغيير بعض المسؤولين و ليس المؤسسات و القضاء …وربط المسؤولية بالمحاسبة و مشكل الإعتقال الإحتياطي وتحيين عقيدة جميع المؤسسات بما ينسجم مع دستور 2011. ما أود الوصول إليه هنا أن هذه الاستراتيجية أدت إلى استنزاف الحركة الحقوقية و الجماهيرية وإعادة ترتيب أولوليات الأجندة السياسية .و من نتائجها المباشرة تمرير العديد من القوانين الأساسية و المركزية و التي ستنتج واقعا جديدا كقانون الأراضي السلالية . لذلك هناك ضرورة لمعالجة هذه التداخل بين الحقوقي و الأجندات السياسيات و العمل أولا على الطي النهائي لهذا الملف.
لقد انتبهت مؤخرا العديد من الجمعيات الحقوقية في الاتحاد الأوروبي ضمنيا من خلال بياناتها ان تجندها و تعاطيها الأولي مع أحداث سبتة كان مرتكزه سياسي .. لأنه في جميع الاحوال يفترض أن مؤسسات الاتحاد الاوروبي لن تقبل خرق حقوق الانسان و المواثيق الدولية و الممارسات المهينة … فقط لأنها وقعت على أراضي في القارة الإفريقية ومشمولة باتفاقية شينغن و غير خاضعة للناتو . وهو مايؤسس كذلك للنقاش الحقوقي و السياسي حول أسباب الهجرة .
في نفس الإتجاه يأتي تعامل دول الاتحاد الأوربي مع حق تقرير المصيرعن طريق الاستفتاء ..كأحد الإختيارات لحل مشكل السلطة السياسية . و الشعوب المستعمرة لا تلجأ و لا تقبل خيارات من ضمنها الانضمام إلى الدولة المحتلة . و الصحراء الغربية مدرجة في قوائم الامم المتحدة بناءا على إحالتها من طرف إسبانيا كدولة احتلال وحيدة ,فاشية و ديكتاتورية حيث كان الجنرال فرانكو حاكمها وقبلها نفذ أحد أهم جرائم الحرب و إلإبادة في التاريخ المعاصر بإلقاء الغازات السامة و الكيميائية على شمال المغرب و ممارسات وحشية ببتر الأعضاء و التطهير العرقي . و جبهة البوليساريا لازالت تتشبث إلى حدود اليوم بمقترح فرانكو وبناءا على الاحصاء الذي قدمه فرانكو … وهو مايتناقض مع الحق في ممارسة تقرير المصير هذا إذا اتفقنا حول مفهوم الساكنة في الصحراء و الشروط المرافقة لحق تقرير المصير.
والسؤال الان لماذا لا تعترف دول الاتحاد الاوروبي بنتائج استفتاء كاتالونيا و تضغط ف اتجاه الحل السياسي , و خجولة في تبني نفس المواقف لحل مشكل الصحراء خصوصا و أن الوضع الانساني كارثي في المخيمات مع العلم ان قرار الولايات المتحدة الأمريكية يتعلق مركزيا بالوحدة الترابية ويدفع كذلك في اتجاه الحل السياسي. هذا في الوقت الذي رفضت فيه اسبانيا الديمقراطية التفاوض مع حركة ايتا الباسكية بعد اختيارها الحل السياسي . بل حتى ترفض تقريب العديد من سجناء الحركة إلى مدن عائلاتهم ومنهم المرضى ومنهم من أكمل مدة محكوميته و لا زال قابعا في السجون .… وماذا عن حزب الشعوب الديمقراطي بتركيا , وماذا عن تصنيف السلطات الامنية بدون قرار قضائي الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل حركة إرهابية .
3- إن احتمال تشكل قوى سياسية يمينية متطرفة على منوال ما يعرفه العالم يبقى محتملا , في حالة تأخر الإنتقال الديمقراطي وتحقيق العدالة الإجتماعية وللعديد من الأسباب . لكن نشوءه كرد فعل للعوامل الخارجية يبقى حاضرا و بقوة . كالتأثير السياسي الذي يمكن ان يمارسه اليمين المتطرف الإسرائيلي على اعتبار أن دولة اسرائيل ملزمة باحترام العناصر المتضمنة في الاعلان المشترك فيما يتصل برئاسة المغرب للجنة القدس . و بموجب القانون الدولي الذي يعرفها كقوة احتلال استيطاني.
ويطرح حزب فوكس الإسباني الذي يطمح الى اللهو بالدبابات في إفريقيا و امريكا اللاثينية تحديا حقيقيا , خصوصا و أن دولة اسبانيا لم يكتمل مسارها الديمقراطي بعد أزيد من أربعة عقود . ووجود قوى سياسية ديمقراطية قوية و مؤسسات قوية . ولا زالت تتأرجح في تحقيق التوازن بين القوى الفاشية ذات المشروع الاستعماري وإلتزاماتها الدولية . و قرار الاتحاد الأوروبي بإعادة الحصانة البرلمانية لرئيس كاتالونيا السابق لعدم وجود ضمانات قضائية يؤكد هذه الحقيقة و ينضاف إلى قرارات أدانة أممية و أوروبية سابقة .
4- يمكن النظر إلى وثيقة النموذج التنموي كخزان للأفكار و الاقتراحات المهمة للعديد من السياسات و القطاعات و تقاطعها مع العديد من التجارب العالمية و توصيات المؤسسات الدولية و أجند الامم المتحدة و كذلك استبيانا للعديد من التطلعات و مادة خام لبلورة الاجابات .
لكن بالنظر الى الوثيقة ككل يقع هناك تداخل بين المشروع التنموي ودراسات الجدوى و بنية المشاريع التي تقدم للمؤسسات الدولية و التدبير المفوض و الماركوتينغ ….
مبدئيا يستحيل تنفيد هذا المشروع بالنظر إلى أولا إلى أن مسألة الميثاق غير ممكنة على اعتبار أن الدستور يبقى ميثاقا و تعاقدا طنيا و العديد من فصوله تؤسس لسقف أعلى مما تتطرحه الوثيقة فيما يتعلق بقضايا التنمية . على أن جوهر فكرة الميثاق بين القوى السياسية يبقى أساسيا و ملحا فيما يتعلق بالعديد من القضايا كما هو معمول به في مجموع من الدول من أجل تحديد الاختيارات الاستراتيجية مثلا أي اختيارات كبرى و استراتيجيات في التعليم . الرهان على التعليم العمومي يعني الحسم نهائيا و أبديا مع مسألة الخوصصة … التعاقد او ما يسمى أطر الأكاديمية ليس خيارا استراتيجيا .. الخيار الاستراتيجي على مستوى الجهات يتطلب على الأقل شرطين التشريع أي برلمان جهوي ثانيا المالية .
و القرارات الاستراتيجية لا تمرر في العطل التشريعية . وأي خيارات استراتيجية في مجال الاقتصاد هل سيتم التركيز على لائحة الواردات ؟ علما أن الجائحة عرت العديد من الشركات و مؤسسة الباطرونا خلال الجائحةكان اول اقتراحاتها التنصل من اتفاقية الزيادة البئيسة في الأجر و المطالبة بمزيد من الأموال العمومية , حتى أنها لم تضع على الطاولة إشكال التمويل البنكي.
الالية الثانية التي يقترحها النمودج التنموي هي موجودة أصلا و دستورية من خلال صلاحيات المجلس الوزاري . لكن من خلال تمحيص هذه الالية من داخل مدخلات و مخرجات الوثيقة يتبين انها تطرح هيكلة إدارية جديدة بالموزاة مع الإدارة العمومية وبالتالي الانزلاق نحو متاهة مؤسساتية حقيقية .كمثال إحداث سلطة علمية مستقلة غير تابعة لوزارة الصحة .
تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من القضايا التي عبرت عنها الوثيقة بقوة لكنها لم تترجم إلى توصيات أو ربما لم انتبه إليها إلى حين القراءة الثانية للوثيقة .
ومنها أن الجوهر الديمقراطي للوثيقة هو الانصات للعديد من المكونات لكنها في المقابل لم تطرح تفعيل هده المممارسة مستقبلا و في العادة تتم من خلال اليتين أولا المؤسسة الوطنية لإستطلاع الرأي . و الثانية الاستشارات المحلية للمواطنين في اتخاذ القرارات جول بعض قضايا التدبير حتى تكون مسنودة ديمقراطيا .
5- لم تدرج لجنة النموذج التنموي للأسف مسرد , كما هو جاري به العمل في مثل هذه التقارير . وذلك لرفع اللبس عن العديد من القضايا . والأهم التأكد من أن الجميع يتحدث نفس الموضوع و يقصد نفس المعنى , حيث لايكفي القول اننا سنقطف الفاكهة , بل يجب تحديد نوعها الذي يحدد بالضرورة التوافق على أن امكانية قطفها لتشارك الجميع في المعارف و المعلومات حول التربة و الأجواء المناخية.
فعلى سبيل المثال الخلط بين الريع و الامتيازات و الاقتصاد الغيرالمهيكل .. فهل يمكن إدراج شركة نسيج لا تصرح بالعمال ولا تؤدي واجباتها الجبائية …. ضمن الاقتصاد الغيرالمهيكل . علما ان قطاع النسيج هو قطاع اقتصادي مهيكل ومؤطر قانونا.
هذا التحديد مهم كذلك سياسا لمعرفة خطة و مضاعفات تحول هذه القوى إلى الاقتصاد المهيكل وإلى دولة الحق و القانون .
6- لم تتمكن القوى السياسية و المجتمعية .. من بلورة تصور مشترك حول المرتكزات الأساسية للديمقراطية … و التوافق النظري على الأقل حول الممارسة الديمقراطية كمفاهيم .
اتضح ذلك من خلال ثلاث قضايا نتاقش مسألة قضية الأغلبية العددية كإنتخاب رئيس مجلس النواب و ماسمي بالبلوكاج والقاسم الإنتخابي … فيما يتعلق بهذا الأخير انصب النقاش حول هل هي الية ديمقراطية أم لا ؟ بالموازاة مع النقاش الدستوري .
و الحال أن هناك معايير دولية لتحديد نزاهة و ديمقراطية العملية الانتخابية , وليس الية احتساب الأصوات هي التي تحدد نزاهة وشفافية العملية الديمقراطية .
و المعيار الدولي هنا أن يشارك كافة المواطنين في عملية الاقتراع مع ضمان مساواة جميع الناخبين في التأثير في العملية الانتخابية .
الان النقاش حول هذه الالية هل ستزيد من بلقنة المشهد الحزبي أو التكهن بعدد المقاعد التي ستفقدها بعض الأحزاب هونقاش سياسي منفصل تماما عن ديمقراطية الالية و لكل تقديره السياسي فيما يتعلق بما تتطلبه المرحلة هل تستوجب قطبية حزبية,أغلبية مطلقة , تكتلات حزبية , اغلبيات غيرمستقرة..
كما ان جوهرالنقاش فيما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب و البلوكاج مع التنصيص على أن تعيين رئيس الحكومة مقرون بالشرط الدستوري ذهب في نفس الإتجاه . بمعنى أن الحزب الأغلبي لم يتمكن من تشكيل اغلبية برلمانية أو حكومية . كيف يتأسس الممارسة الديمقراطية هنا , هل من خلال أن تتدخل سلطة ما لتفرض على الأغلبية الرضوخ للحزب الأغلبي ؟
و ماذا عن الممارسة الديمقراطية في رفض البيجيدي لقانون الكيف و بإمكانه مستقبلا تقديم تعديلات لتصحيح الاختلالات التي يمكن ان تشوب تطبيق هذا القانون , كما كان بإمكانه مطالبة رئيس الحكومة تأجيل عرض المشروع لمدة معينة .سؤال الممارسة الديمقراطية يبقى أساسيا و كذلك داخل القوى التي ستقود الإنتقال الديمقراطي , علينا ان نتعلم دائما ان العديد من احزاب الحركة الوطنية فقدت زخمها ووزنها الجماهيري لإرتكازه على أفراد و أدوارها التاريخية بدل الإرتكاز على أفكار .
تعليقات الزوار ( 0 )