تتسعد المئات من الشركات الأوروبية، إلى البحث عن موطئ قدم في المغرب، من أجل تخفيف آثار زيادة الولايات المتحدة الأمريكية للرسوم الجمركية على الصادرات القادمة من “القارة العجوز”.
واتضح هذا التوجه جليا، في مقال رأي كتبه دانييل بايس، مدير المنطقة المؤسسية لشركة “أندرسن” في برشلونة، ونشره على موقع “vozpopuli” الإسباني، يدعو فيه الشركات الأوروبية، إلى النظر نحو المغرب.
وقال بايس، إن الزيادات الأخيرة في الرسوم الجمركية التي أصدرها رئيس الولايات المتحدة، تشكل سببا خطيرا للقلق بالنسبة للشركات المصدرة إلى هذا البلد، وخاصة تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، لأنها باتت في دائرة الضوء.
ولم يستبعد رجل الأعمال الإسباني، “فرض شروط أكثر صرامة على هذه الشركات”، الأمر الذي قد “يؤدي إلى زيادة دفاعية في الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية القادمة نحو أوروبا”، بالرغم من أنه أكد أنه “من المبكر للغاية القول إن التدابير المعلنة قد لا تحدث في نهاية المطاف”.
ورغم ذلك، أكد بايس، أن الحكمة، تدعو الشركات المصدرة المتضررة في أوروبا، إلى تحليل السبل الممكنة لمحاولة التخفيف من الآثار السلبية التي قد يخلفها تنفيذ هذه التدابير على حسابات الأرباح والخسائر لديها”، متابعاً أنه في هذا السياق، “ربما يكون من المفيد أن ننظر إلى المغرب”.
النظر إلى المغرب
وأوضح بايس في هذا السياق، أن المغرب، كان له، تاريخيا، علاقة وثيقة للغاية مع الولايات المتحدة، وهو ما تأكد خلال الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، من خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهيم، من ضمن أمور أخرى، مردفاً أن المملكة، “تعتبر أيضا شريكا استراتيجية للاتحاد الأوروبي، حيث تربطه به روابط تجارية قوية وتعاون أمني ومراقبة الهجرة”.
وتنعكس العلاقة الخاصة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بشكل رئيسي، حسب بايس، في اتفاقيتين، الأولى هي الاتفاق الأورومتوسطي الذي ينشئ شراكة بين الجماعات الأوروبية ودولها الأعضاء من جهة، والمملكة المغربية من جهة أخرى، والذي تم توقيعه في فبراير 1996 ودخل حيز التنفيذ في مارس 2000 (اتفاقية الشراكة)، والثانية، هي اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب والتي تم توقيعها في يونيو 2004، ودخلت حيز التنفيذ في يناير 2006 (اتفاقية التجارة الحرة).
واستطرد رجل الأعمال الإسباني، أنه بالرغم من أن “الاتفاقيتين كانتا ساريتين منذ عدة سنوات، بل وحتى أن الفترات الانتقالية المنصوص عليها فيهما قد انتهت، فإن الوضع الحالي يستدعي إعادة النظر. وفي الواقع، بموجب هذه الاتفاقيات، يتم إنشاء مناطق تجارة حرة للسلع بشكل عام (مع بعض الاستثناءات) بين المغرب والاتحاد الأوروبي من جهة، والمغرب والولايات المتحدة من جهة أخرى، مع الإعفاءات الجمركية المقابلة وتبسيط الإجراءات فيما يتصل بمجموعة واسعة للغاية من السلع”.
التثليث عبر المغرب “سبيل الخلاص”
وأردف، أنه “لكي تستفيد هذه السلع من هذه المعاملة المفضلة، يتعين عليها أن يكون منشأها إحدى الدول المتعاقدة، وتشكل مسألة “المنشأ” إحدى النقاط الرئيسية”، متسرسلاً أنه “تم تحديد قواعد المنشأ المقابلة بشكل رئيسي في البروتوكول الرابع فيما يتعلق باتفاقية الشراكة، وفي الفصلين الرابع والخامس فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة”، مبرزاً أن “هذه القواعد معقدة بشكل خاص وتتطلب تحليلاً مفصلاً، على الرغم من أنه يمكننا بشكل عام تعريف السلع الأصلية على أنها (أ) تلك التي يتم إنتاجها أو تصنيعها أو الحصول عليها بالكامل في دولة طرف، أو في حالة عدم ذلك (ب) تلك التي خضعت لعملية تحويل كبيرة كافية في نفس الدولة”.
وبالتالي، يقول رجل الأعمال نفسه، “فإن السلع التي تنتجها أو تعالجها شركة مغربية تابعة لشركة أوروبية، على سبيل المثال شركة إسبانية، سوف تستفيد من الإعفاءات الجمركية المنصوص عليها في اتفاقية التجارة الحرة عند الوصول إلى السوق الأمريكية الشمالية، والعكس صحيح، حيث يمكن للشركات الأمريكية الشمالية أيضا أن تتمتع بامتياز الوصول إلى السوق الأوروبية من خلال تأسيسها في المغرب”. وبهذه الطريقة، يخلص بايس: “إن التثليث عبر المغرب قد يسمح بالوصول بشكل أفضل إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية مقارنة بالتصدير المباشر من وجهة نظر التعريفة الجمركية”.
وأشار بايس في هذا السياق، إلى أن هذه المسألة ليست بسيطة، “لأنه بالإضافة إلى تحليل الفوائد المستمدة من هذا التثليث، والذي يتطلب دراسة متأنية لقواعد المنشأ الصارمة، يجب أيضًا أخذ تكاليف الإنشاء والتشغيل من المغرب في الاعتبار، من بين شروط أخرى قد تؤثر، مثل إمكانية قيام الدول المتعاقدة بتبني تدابير وقائية تسمح لها، على سبيل المثال، بتعليق تطبيق المعاهدات فيما يتعلق بسلع معينة في حالة حدوث زيادة كبيرة في الواردات التي قد تعرض الصناعة الوطنية للخطر”.
وأبرز رجل الأعمال الإسباني، أنه “ورغم أن مثل هذه المعاملة الأكثر فائدة ليست جديدة، فإنها تشكل طريقاً يستحق الدراسة، وخاصة من جانب الشركات الأوروبية التي لديها حجم كبير من الصادرات إلى الولايات المتحدة (والعكس صحيح بالنسبة للشركات الأميركية التي لديها حجم كبير من الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي)”، منبهاً: “في النهاية هذا تحليل اقتصادي بحت وربما هذا هو الوقت المناسب لطرحه”.
وذكّر بأن “هناك عوامل قد تميل إلى تسهيل مثل هذا التثليث من خلال المغرب، مثل القرب الجغرافي، والبنية التحتية القوية للموانئ، وخاصة ميناء طنجة المتوسط (يجدر بنا أن نتذكر القرار الأخير لشركة الشحن ميرسك بنقل توقفها في مضيق جبل طارق على طريق الشرق الأوسط – الهند / الولايات المتحدة إلى الميناء المغربي) أو التزام الحكومة المغربية بتعزيز الاستثمار الأجنبي (الحوافز الضريبية، وإعادة الأرباح مجانًا طالما تم الاستثمار من خلال مكتب الصرف، ووجود وكالات وتدابير لدعم الاستثمار، من بين أمور أخرى)”.
وفي ختام مقاله، خلص بايس، إلى أنه بالرغم من أن الاستثمار في دولة خارج الاتحاد الأوروبي تتمتع ببيئة قانونية مختلفة (وإن لم يكن الأمر كذلك من منظور تجاري نظراً لتأثير القانون الفرنسي في هذا الشأن)، ليس خالياً من المخاطر، “إلا أن التخطيط المناسب من شأنه أن يسمح بتخفيف هذه المخاطر”، متابعاً أن المفتاح يتمثل “في تحديد ما إذا كانت استراتيجية التثليث ستؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية للشركة المصدرة من خلال تحليل التكلفة/الفائدة المقابل، مع الأخذ في الاعتبار كل من الوضع الحالي والسيناريوهات المرتبطة بزيادة محتملة في التعريفات الجمركية بين أوروبا والولايات المتحدة في الأمد القريب/المتوسط”.
تعليقات الزوار ( 0 )