Share
  • Link copied

بعد “البدعة المسطرية”.. لماذا يُستهدف الأساتذةُ الباحثون الملحقون بالخارج؟ (2/2)

سبق أن أثرنا موضوع إقدام الوزارة المكلفة بالتعليم العالي على إنهاء إلحاق بعض الأساتذة الباحثين الملحقين بالخارج وإرجاعهم عنوة إلى المغرب، بعد تطبيق مسطرة جديدة تقضي بعرض تجديد إلحاق المعنيين على رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والشعب، وبالنظر لخطورة الموضوع من جهة ولكونه لازال مطروحا لحد الآن، نعود له باعتبار أنه لا يهم فقط بعض الأساتذة الباحثين الملحقين بالخارج والذين تم إرجاعهم بشكل تعسفي، بل يهم هيئة الأساتذة الباحثين كلها، بل ويهم المصلحة الوطنية.

تدمير نفسي واجتماعي للأستاذ الباحث

لا شك أن الأستاذ الباحث الملحق بالخارج يرتب حياته المهنية والاجتماعية وفق ظروفه الجديدة بمقر عمله في الدولة التي يقيم بها، سواء من حيث تمدرس الأطفال أو السكن أو الالتزامات الشخصية والعائلية المادية منها والمعنوية. فماذا يعني إنهاء إلحاق أستاذ بدون طلبه ولا موافقته، إلا تهديد استقراره المهني والاجتماعي وضرب كل ظروفه وأوضاعه عرض الحائط، بدون أي مبرر إلا الخضوع لأهواء رئيس جامعة أو عميد أو زملاء في الشعبة.

وماذا يعني إرجاع أساتذة باحثين يعملون في دولة معينة أو بمنظمة دولية بالخارج، بعد سنوات من الإلحاق، قد تتجاوز 8 أو 10 سنوات، غير التدمير النفسي والمعنوي لهؤلاء، كيف يمكن لهم أن يقوموا بمهام التدريس والتأطير والبحث وهم قد أرجعوا غصبا عنهم، لمجرد أن رئيس جامعة أو عميد كلية أو زملاء في المهنة لهم خلافات شخصية مع الأستاذ المعني، أو يمارسون هواية السلطة والتسلط، هدفهم الوحيد هو تصفية حسابات أو الانتقام، أو الخضوع لرغبات بعض الزملاء.

إهانة لهيئة الأساتذة الباحثين

أن تكون هيئة الأساتذة الباحثين أول هيئة من هيئات الوظيفة العمومية التي يبلغ عددها 39 هيئة، يتم إنهاء الإلحاق بالنسبة لبعض المنتمين إليها، فذلك يدعو بالفعل إلى طرح أكثر من سؤال، لماذا لم يطبق الإجراء على القضاة مثلا؟ أو على أطر وزارة الصحة؟ أو وزارات أخرى؟ لا يمكن إطلاقا تبرير ذلك بالخصاص، لأن الخصاص الذي تعرفه وزارة الصحة مثلا أو جهاز القضاء لا يمكن أن يقارن بما تعرفه هيئة الأساتذة الباحثين. علما أن عدد الأساتذة الباحثين المغاربة بالخارج محدود للغاية.

أهواء ومصالح شخصية وتجاهل للمصلحة الوطنية

إن إجراء إنهاء الحاق بعض الأساتذة الباحثين العاملين بالخارج، الذي أقدمت عليه الوزارة المكلفة بالتعليم العالي أبعد ما يكون عن خدمة المصلحة العامة، ليس فقط على مستوى قطاع التعليم العالي، بل كذلك على مستوى المصلحة العامة الوطنية برمتها. فمن المؤسف حقا أن يخضع اتخاذ القرار في الإدارة العمومية لمجرد نظرة شخصية تستجيب لرغبات ونزوات مرضية، ويتم تجاهل المصلحة العامة.ّ

إن وجود أساتذة باحثين مغاربة بالجامعات والمعاهد الأجنبية يتماشى تماما مع متطلبات المصلحة العامة والتي تتجسد في بعض جوانبها فيما يلي:

أ-أن حضور أساتذة بالجامعات والمعاهد الأجنبية هو إشعاع لصورة المغرب، علما أن بعض الدول العربية مثل تونس والأردن ومصر تتنافس بقوة من أجل حجز أماكن لأساتذتها الجامعيين بالخارج، لاسيما في الجامعات والمعاهد بدول الخليج العربي.

ب-أن إلحاق أستاذ باحث بالخارج يعني شغور منصب مالي في الميزانية العامة، يمكن استغلاله بالشكل المناسب.

ج-أن الأستاذ الباحث الملحق بالخارج لا يتحمل فقط الاقتطاعات الشهرية للتقاعد من أجل الاستفادة من معاش التقاعد، بل يؤدي كذلك مساهمة الدولة، وهذا يعني أن الأستاذ الباحث الملحق يساهم في الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يشهد أزمة مالية، بشكل مضاعف بالمقارنة مع الموظف الذي يزاول مهامه داخل الوطن.

د-أن التحويلات المالية التي يقوم بها الأساتذة الباحثون الملحقون بالخارج لا شك أنها تساهم في الاقتصاد الوطني.

تسميم للأجواء المهنية داخل هيئة الأساتذة الباحثين وبالجامعة المغربية

من المؤكد، بالنظر لواقع الحال في الجامعات المغربية، أن تطبيق الإجراء الجديد ستحكمه الاعتبارات الشخصية والضيقة، فعلى أي أساس يوافق أو يرفض رئيس جامعة أو عميد أو شعبة تجديد الإلحاق؟ ولعل هذا ما أكده بالفعل التطبيق العملي للإجراء خلال خمسة شهور الماضية، حيث أن الآراء في بعض الحالات اختلفت حتى داخل الجامعة الواحدة بين رئيس الجامعة والعميد والشعبة بين الموافقة والرفض، وهذا قمة التخبط، إن لم يكن التلاعب. وانطلاقا مما سلف فإن تطبيق هذا الإجراء، قد يكون بمنطق تصفية الحسابات ليس إلا، لاسيما في ظل العلاقات السيئة التي تسود، وللأسف، بين أعضاء هيئة الأساتذة الباحثين.

شرود عن منطق التدبير الحديث للموارد البشرية

في الوقت الذي يشتكي فيه الأساتذة من سوء تدبير الموارد البشرية بقطاع التعليم العالي وبالجامعات، يأبى مسؤولو القطاع إلا أن يخرجوا بهذه البدعة الإجرائية، فبدل أن يكون الحرص على التفكير في تحديث منظومة تدبير الموارد البشرية، وأن يكون قطاع التعليم العالي سباقا إلى إبداع اليات لحسن التدبير، ها هو يحرص على أن يكون سباقا إلى اكتشاف إجراء إنهاء الإلحاق، كأول قطاع في تاريخ الإدارة العمومية يقدم على ذلك، ويا له من اكتشاف؟؟!!!

إن المدبرين بالقطاع يتناسون أن الموظف الملحق بمجرد إلحاقه، يكون خارج حسابات الإدارة الأصلية على مستوى تدبير الموارد البشرية، لاسيما من حيث تقدير الحاجيات من هذه الموارد. ثم أنه لا يمكن إنهاء أستاذ باحث بجرة قلم، بدون أخذ بعين الاعتبار رغبته وظروفه، وكأن الأمر لا يتعلق بالتعامل مع إنسان. فهذا الإجراء لم يكن ليطبق في الإدارة العمومية المغربية حتى في سنوات الرصاص حيث كانت الإدارة تنعت بكونها موغلة في التسلط، ولم يكن الحديث أصلا عن مصطلح ومفهوم تدبير الموارد البشرية. أما أن ينام المسؤولون عن قطاع التعليم العالي نوما عميقا ويستيقظوا على فرض إجراء تعسفي ضد هيئة الأساتذة الباحثين، فذلك يعني ببساطة أنهم خارج سياق التدبير الحديث للموارد البشرية بالمعنى الفعلي، وليس كمجرد تسمية للمديرية التي تتولي تدبير شؤون الموظفين، أو كشعارات جوفاء.

Share
  • Link copied
المقال التالي