بصوت شجي وعين لامعة، يبتسم الوالد السبعيني وليد ويس حين يسمع اسم “كوثر” ابنته التي وجدته بعد أكثر من ٣٥ سنة من الفراق والبحث اليائس، يردد بين كل كلمة وأخرى “أنا من أسميتها كوثر”، ويسرد لنا حكايته مع ابنته التي لم يتمكن من رؤيتها واحتضانها حتى يومنا هذا.
يقول ويس -للجزيرة نت- “لم أفكر بتركها يوما ما، لقد منعتني الحياة عنها فقط، وأسهمت الحروب في تضييق الخناق على روحي، فبعد عودتي إلى العراق، أنجبت زوجتي المغربية ابنتي “كوثر”، وبعدها مباشرة وقعت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وصار السفر صعبا بل مستحيلا، وكنت أتواصل مع أمها عن طريق البريد، حتى بدأت تكبر كوثر شيئا فشيئا، ثم انقطع الاتصال كليا بسبب الظروف العراقية”.
بحث لا ينتهي
حاول وليد ويس، الذي يبلغ من العمر أكثر من 75 عاما، أن يصل إلى كوثر عن طريق أصدقاء ومعارف في المغرب، لكن النتيجة كانت مخيبة دائما حتى استسلم. ويؤكد للجزيرة نت: “كنت أتخيل وجهها وأتساءل إذا كانت ستصبح شبيهة بي أو بأحد أخوتها، وهل ستقول كلمة بابا لشخص آخر؟”
ولدى ويس 5 بنات (اثنان متوفيات) وولد من زوجته العراقية المتوفاة، ويوضح أنها كانت تحثه دائما على البحث عن كوثر، كما أنها كانت حريصة على تذكير أبنائها بوجود أخت لهم في بلد بعيد وعليهم إيجادها، ويكمل: “كنت دوما أشعر أني سأجدها يوما ما، حاولت البحث عنها في مواقع التواصل، كما فعل ذلك أولادي لأكثر من سنتين لكنهم ليس لديهم أي صورة لها، دخلوا الصفحات المغربية والمجموعات المعنية بهم، ولكن بدون نتيجة”.
ويسترجع الأب اللحظة الأولى التي علم بها أن كوثر قد وصلت إليه، قائلا “اتصل بي أحد أقاربي المقيمين في الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق، وأخبرني أن فتاة ما تدعي أنها ابنتك، وتسأل عنك من المغرب، صرخت وقلت له: إنها ابنتي شرعا وقانونا، ثم بكيت”.
بدموع غزيرة وقبلات افتراضية طبعها على شاشة الهاتف، رحب الوالد بابنته كوثر، ويقول “إنه مشتاق لها جدا وكان يتمنى ألا تنتهي مكالمته الهاتفية الأولى معها” التي كانت خزينا من البكاء والذكريات والأسئلة. يقول إنها كانت تجيد كثيرا من المفردات العراقية، وتتحدث بها بطلاقة، وتعرف جميع الأكلات الشعبية العراقية وتحلم بتناولها، وتتابع الوضع في العراق، وترى نفسها جزءا من هذا الوطن، ويكمل بقوله “أنا اليوم مثل طير سعيد يحلم بعودة صغيره”.
تذكرة سفر
ويحلم ويس برؤية ابنته بعد فراق امتد إلى 4 عقود، لكن شيئا واحدا يقف عائقا بينهم وهو “تذكرة سفر”، كما يؤكد شقيقها الأصغر محمد وليد، الذي يصف لحظة إيجاد أخته بوجود الكنز المخفي عنهم لسنوات، حتى أنه وبدون تردد قام بتوكيل محام لها من أجل إحضارها الى العراق.
ويؤكد محمد -للجزيرة نت- “حينما شاهدتها للمرة الأولى، وجدت تشابها كبيرا مع أختي وأبي، وشعرت بالحزن لأننا لم نتمكن من إيجادها ومساعدتها في الحياة كعائلة متماسكة طوال هذه السنين، وكأنك وجدت قطعة من قلبك بعد عمر طويل، فلم ينقطع الاتصال بيننا يوما منذ وجدتنا حتى اللحظة، نحن نتصل بها كل ساعتين أو أقل، ولم تصنع سنوات الفراق أي عائق أو فجوات، فالأمر يبدو وكأنها عادت من سفر قريب”.
وبدأ محمد ترتيبه لإحضار كوثر إلى العراق عن طريق تكليف محام، والحصول على تأشيرة لها من السفارة العراقية في المغرب، لكنه يؤكد أن عائق التذكرة يمنع اللقاء القريب. ويتحدث بنبرة حزينة -للجزيرة- “قمنا بتأجيل مرافعة إثبات النسب لأكثر من مرة لعدم توفر المال لشراء التذكرة”.
محمد يعمل بتنظيف السيارات وغسلها، في حين يبقى الأب في المنزل بدون عمل لعدم قدرته على العمل بهذا العمر، وتحاول العائلة إيجاد طريقة للحصول على تذكرة سفر تحقق حلمهم بلم شمل الأسرة للمرة الأولى في حياتهم. ويؤكد محمد أنه -بعد مجيء كوثر- سيستخرج لها جميع الوثائق الرسمية العراقية كالبطاقة المدنية وجواز السفر.
وكان موقع الجزيرة نت نشر أمس الأحد قصة كوثر المغربية التي ترعرعت وشبّت في طنجة، وولدت وكبرت من دون أن ترى والدها العراقي، وظنّت في بداية شبابها أنه ميت، لتكتشف عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه حي يرزق وأن لها إخوة، لا يفصلها عنهم حاليا سوى ثمن تذكرة السفر لتعانقهم ويعانقوها.
تأمين التذكرة والإقامة ببغداد
وفور نشر التقرير أكد المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف في اتصال هاتفي مع موقع الجزيرة نت تحمل دفع نفقات تذكرة وإقامة كوثر واستقبالها في مطار بغداد الدولي، معبرا عن سعادته بالمساعدة بلم شملها مع عائلتها في العراق.
تعليقات الزوار ( 0 )