صدر عن جمعية مجموعة التفكير الاستراتيجي، التقرير الاستراتيجي السنوي، الإصدار السادس، الحالة الجيو-استراتيجية للمنطقة العربية، الجزء الأول، بعنوان التقرير الاستراتيجي للمنطقة العربية، 2020. وهو تقرير يعرض المتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة العربية سنة 2020، بسبب جائحة «كورونا وتراجع الاقتصاد العالمي، ويتضمن إشارات للتوقعات المستقبلية للمشهد السياسي في المنطقة العربية.
فيما يتعلق بالحالة المغربية، من إعداد مصطفى العلوي، باحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة – المغرب، يعرض التقرير خلاصة تركيبية لأهم الأحداث والتفاعلات التي ميزت الحالة المغربية سنة 2020.
تطرق التقرير لأنشطة المؤسسة الملكية، حيث ألقى الملك محمد السادس خطابا بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لاعتلائه العرش، أبرز فيه رؤية المؤسسة الملكية للحد من الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية لجائحة فيروس كورونا )كوفيد 19 )، حيث أكد على ضخ 120 مليار درهم في الاقتصاد المغربي من أجل إنعاشه عبر دعم ومواكبة الشركات الخاصة الصغرى والمتوسطة، ومواكبة الميزانية لخطط التعافي القطاعية المقررة في قانون المالية المعدل، إلى جانب إحداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي لدعم الأنشطة الإنتاجية ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى. كما دعا الملك لإطلاق إصلاح جوهري للقطاع العام، وتعزيز حكامته، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، وإنشاء إدارة عمومية حديثة وفعالة ومواطنة، التي ينبغي أن تكون بمثابة أداة فعالة للتنمية الاقتصادية من جهة، وتلبية احتياجات الساكنة من جهة ثانية. وهي الغاية التي دعا الملك من أجل تحقيقها إلى إحداث وكالة وطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية. وفي الأخير، أعلن الملك عن قرار يتعلق بتسريع تنفيذ مشروع تعميم التغطية الصحية والاجتماعية الإجبارية.
أيضا، ألقى الملك بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب، خطابا في 20 غشت2020، دعا فيه استلهام قيم ومبادئ هذه الذكرى في جهود التصدي لفيروس جائحة كورونا )كوفيد 19 ( من خلال انخراط كافة أطياف المجتمع في التعبئة واليقظة والمساهمة في التأطير وغرس روح التحدي والالتزام في نفوس المواطنين، وذلك في سياق شهد نوعا من التراخي العام في التقيد بالإجراءات الصحية التي قررتها الحكومة المغربية. كما حث على الإسراع في تنزيل خطة الإنعاش الاقتصادي، وتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، التي أعلن عنها في خطاب العرش، في إطار استراتيجية متكاملة لمواجهة الجائحة.
كما وجه الملك بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء خطابا ركز فيه على تطورات قضية الصحراء والتقدم الذي أحرزه المغرب في هذا الملف. فعلى مستوى الأمم المتحدة، أكد الملك أن القرارات الأخيرة لمجلس الأمن أقبرت المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية، في إشارة إلى أطروحة الانفصال التي تتبناها جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر. وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي، أبرز الملك أن هذه المنظمة تخلصت، بفضل استعادة المغرب عضويته فيها، من المناورات التي كانت ضحيتها لسنوات. وعلى المستوى القانوني والدبلوماسي، احتفى الملك في خطابه بفتح عدة دول، قنصليات عامة لها في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف واضح بمغربية الصحراء.
على المستوى الحزبي، أطلق بعض شباب حزب العدالة والتنمية مبادرة باسم “النقد والتقييم”، انتقدوا فيها الأداء السياسي للحزب ومنهجية تدبير القيادة الحالية، داعين إلى ضرورة عقد مؤتمر استثنائي كشرط لخروج الحزب من الأزمة التي يعيشها منذ قبوله بشروط تشكيل الحكومة الحالية قبل أربع سنوات، وتعمقت على خلفية توقيع سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة على الاتفاق الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل القاضي باستئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب. ذكر التقرير أن هذا التوقيع أدى لانعكاسات سلبية على البيت الداخلي للحزب الذي عمل على تطويق أزمته واستيعاب ارتداداتها ضمن الإطار المؤسساتي. أما وضع حزب الأصالة والمعاصرة، فلم يختلف كثيرا سنة2020، فبعد مخاض عسير اتسم بخلافات شديدة وانسحاب لخمسة مرشحين، انتخب الحزب القيادي عبد اللطيف وهبي أمينا عاما جديدا، فيما أعيد انتخاب فاطمة المنصوري، رئيسةً للمجلس الوطني، في مؤشر على انتصار تيار “المستقبل” في صراعه المحموم مع تيار “المشروعية “بزعامة الأمين العام المنتهية ولايته، عبد الحكيم بنشماس.
حرص وهبي بعد انتخابه أمينا عاما على بعث رسائل طمأنة إلى معارضيه في تيار “المشروعية”، بعد أن دعا في كلمته أمام مؤتمري الحزب وأعضاء مجلسه الوطني، إلى طي صفحة الخلافات وتجاوزها، والعمل معه من أجل الحزب، داعيا قيادة الحزب الجديدة لدعمه. ولم يختلف كثيرا حال حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث لم يتجاوز ثاني أكبر أحزاب التحالف الحكومي، ارتدادات حملة المقاطعة الشعبية.
ذكر التقرير أنه خارج هذا الثلاثي الذي من المنتظر أن تشتد المنافسة بينه خلال الاستحقاقات الانتخابية ل 2021،ايختلف المشهد بشكل كبير داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي عاش خلافات بسبب مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الذي قدمه وزير العدل المنتمي لذات الحزب، وأثار جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا إثر تضمنه لمواد من شأنها المس بحرية الرأي والتعبير، وأضر بإرث الاتحاديين في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات. 0
تطرق التقرير أيضا إلى التعديل الحكومي الجزئي، حيث أجرى الملك محمد السادس تعديلا جزئيا على تركيبة الحكومة المغربية، إذ استقبل يوم 07 أبريل 2020 ، كلا من عثمان الفردوس وسعيد أمزازي، بحضور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة. وجرى هذا الاستقبال طبقا للفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011 ، وتم خلاله، وباقتراح من رئيس الحكومة، تعيين عثمان الفردوس وزيرا للثقافة والشباب والرياضة، وتكليف سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بمهام الناطق الرسمي باسم الحكومة.
كما فتحت الحكومة المغربية مشاورات بشأن القوانين الانتخابية، مع الأحزاب السياسية، انطلق بالحوار المباشر لوزارة الداخلية مع الأحزاب، منتصف يونيو2020 ، حول مشاريع القوانين المؤطرة للعمليات الانتخابية، والمتعلقة أساسا بالحقوق السياسية وطريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية، على أن تُحال هذه القوانين على البرلمان من أجل المصادقة عليها. كما أجرت رئاسة الحكومة في شخص رئيسها سعد الدين العثماني مشاورات مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، أواخر شتنبر، لم تفض إلى جسر الهوة الحاصلة في وجهات النظر بين الأحزاب. ودار الخلاف بين الأحزاب السياسية حول القاسم الانتخابي الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية، حيث دافع حزب العدالة والتنمية على الإبقاء على الطريقة المعتمدة في حساب القاسم الانتخابي التي تقوم على قسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد، بينما اقترحت باقي الأحزاب تعديل القاسم الانتخابي بما يؤدي إلى قسمة مجموع المسجلين في اللوائح الانتخابية على مجموع المقاعد في الدائرة الانتخابية الواحدة. كما انقسمت آراء الأحزاب بين مؤيد ومعارض لبقاء اللائحة الوطنية للشباب )الكوطا(، واختلفت حول العتبة الانتخابية، حيث اقترح حزب العدالة والتنمية رفع العتبة إلى 6 بالمائة، وعارضت الأحزاب المتوسطة والصغيرة هذه النسبة، فيما تدعو أحزاب أخرى إلى إلغاء العتبة الانتخابية بشكل نهائي.
فيما يتعلق بتدبير جائحة كورونا، ذكر التقرير أنه منذ المراحل الأولى لظهور فيروس كورونا )كوفيد 19)، اتخذ المغرب تدابير صارمة لاحتواء هذه الجائحة. ففي 2 فبراير2020 ، أجْلَت المملكة أزيد من 100 مواطن مغربي معظمهم من الطلاب، من مدينة ووهان الصينية التي توصف بأنها بؤرة تفشي الفيروس. ومع ظهور حالات الإصابة الأولى بفيروس كورونا بالمغرب، اتخذت الحكومة جُملة من القرارات من قبيل تعليق الرحلات الدولية ومنع استعمال وسائل التنقل الخاصة والعمومية بين المدن إلا لضرورات مُحددة، وإلغاء جميع المواسم الدينية، وتعليق إصدار الطبعات الورقية للصحف. وعندما بلغ عدد المُصابين بفيروس كورونا زهاء 80 شخصا، أعلنت الحكومة عن حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة بالمغرب ابتداء من 20 مارس2020. وبالموازاة مع إجراءات تقييد الحركة والعمل والسفر التي فرضتها جائحة كورونا، قررت الحكومة مجموعة من التدابير للدعم الاجتماعي للمواطنين بمساهمة من مختلف الفئات الاجتماعية، ومن الميزانية التي لجأت الحكومة للاستدانة من الخارج لتغطية عجزها، وذلك بالإضافة لدعم مالي من الاتحاد الأوروبي قدره 450 مليون أورو، منها 150 مليون أورو خُصصت بشكل فوري للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، ودعم مالي رمزي من الولايات المتحدة الأمريكية قدره 600 ألف دولار.
صحيا، سارع المغرب لاقتناء المستلزمات الصحية التي تحتاجها منظومته من أجل محاصرة انتشار فيروس كورونا، كما تلقى مساعدة من الصين التي منحته 5000 كاشف لفيروس كورونا وطائرة شحن محملة بالمعدات الطبية، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى حققت الرباط الاكتفاء الذاتي في إنتاج الكمامات، وتكلف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني بمكافحة فيروس كورونا كما ذكر التقرير.
من أجل الحد من التأثير السلبي للأخبار الزائفة المتعلقة بفيروس كورونا على الاستقرار الاجتماعي والصحة النفسية للمواطنين، أخضعت النيابة العامة عشرات الأشخاص لأبحاث في قضايا نشر محتويات زائفة وتضليلية حول هذا الوباء، أدت إلى اعتقال اليوتوبرز الملقبة ب”مي نعيمة” والشيخ السلفي “أبو نعيم” بسبب بث إشاعات ومخالفة تدابير السلطات العمومية. كما تم توقيف أشخاص للاشتباه في تورطهم في التحريض على التجمهر والعصيان وتعريض حياة الأشخاص للخطر، وخرق إجراءات الطوارئ الصحية. وفي وقت لاحق، أعلنت الحكومة المغربية عن تخفيف إجراءات الحجر الصحي بمختلف مناطق البلاد، باستثناء بعض الأقاليم التي خصتها بإجراءات استثنائية حسب الوضعية الوبائية السائدة فيها.
على مستوى تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد المغربي، فقد تسببت الجائحة بصدمة للاقتصاد المغربي على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما يمكن أن يتسبب، بحسب التقرير، بركود عميق هو الأول منذ سنة1995، فقد توقف مسار ضبط الأوضاع المالية العامة مؤقتا نتيجة للضغوط على الإنفاق وتراجع النشاط الاقتصادي، وتأثر المركز الخارجي سلبا بالانخفاض في التحويلات المالية، والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر، إلى جانب الانخفاض الكبير في الصادرات. ومن المتوقع، بحسب التقرير، أن يتعافى النمو تدريجيا، لكن هناك حالة شديدة من عدم اليقين بشأن وتيرة التعافي والمدة التي سيستغرقها.
بحسب التقرير، ضربت جائحة كورونا اقتصاد المغرب في سياق من النمو الاقتصادي المنخفض الذي يقل عن إمكاناته الكامنة، مكبلا بانخفاض الإنتاجية وتجسدت الآثار الاقتصادية للأزمة في انخفاض إنتاج السلع والخدمات، وانخفاض الصادرات، وتعطل سلاسل القيمة العالمية، وتراجع السياحة، بما يمثل تحديات وخيمة غير مسبوقة لبلد يحاول التخفيف من حدة الآثار الصحية والاقتصادية للجائحة. ليستنتج التقرير أنه يحيط قدر كبير من الغموض بمعدل التعافي المتوقع، ولا تزال المخاطر تجنح إلى الجانب السلبي. وتوقعت مؤسسات دولية، من ضمنها البنك الدولي، أن ينكمش الاقتصاد المغربي بنسبة 6.3 % عام2020 ، وهي نسبة لا تختلف كثيرا عن التوقعات التي قدمها البنك المركزي المغربي، وهي6.6 %..
نتيجة لذلك، اعتمدت الحكومة قانون مالية معدل لسنة2020، طبقا للفصل 77 من الدستور التي تنيط مسؤولية السهر على الحفاظ على توازن مالية الدولة بالبرلمان والحكومة، ووفقا لمبدأ صدقية الميزانية المنصوص عليه في القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية والذي يتعين بموجبه ضرورة تقديم قوانين مالية معدلة في حالة حدوث تغييرات مهمة في أولويات وفرضيات قانون المالية. في هذا الجانب، يذكر التقرير أنه رغم هذه المؤشرات، فإن المغرب يقبل على السنة الجديدة 2021، بتفاؤل كبير في تحقيق نمو بنسبة %4.7 ، حسب أرقام بنك المغرب، وذلك استنادا إلى عوامل عديدة على رأسها ظهور لقاحات ضد كوفيد 19 ، وتسجيل موسم زراعي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية.
في ظل تَوجُّه الحكومة المغربية إلى الاقتراض الخارجي، حذر عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب من احتمال عودة المغرب إلى سياسة التقويم الهيكلي، منبها لخطورتها، وداعيا الحكومة إلى العمل بشكل جدي لتجنب الخضوع لها، حيث أكد أن المغرب عمل لأكثر من 25 عاماً من أجل تصحيح الخلل في التوازنات الماكرواقتصادية بسبب ذلك البرنامج. كما اعتبر الجواهري، خلال عرض حول السياسة النقدية وتأثير جائحة كورونا على الاقتصاد المغربي في مجلس النواب، أن سياسة التقويم الهيكلي تعد إحدى أخطر السياسات على الدول، إذ تفقدها حرية التدبير الذاتي، وتجعلها خاضعة لقرارات المؤسسات المالية العالمية، كما تبرز خطورتها في اتجاه الدولة إلى الاستثمارات ذات المدى القريب والمرتكزة أساساً على قطاع الخدمات، في مقابل إهمال القطاعين الزراعي والإنتاجي، وإهدار كبير للثروات البشرية، بخاصة في قطاعي الصحة والتعليم. ومن أجل إنعاش الاقتصاد المغربي، كان القطاع البنكي، مطلع سنة 2020، قد استجاب لرغبة الملك محمد السادس، بتحديد 2 في المائة، معدلا للفائدة التي ستطبق على المستفيدين من البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات، وهو ما يمثل أدنى معدل يتم تطبيقه في المغرب.
بالنسبة لوضعية الحقوق والحريات، فقد ذكر التقرير أن ما ميز سنة2020، هو إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا عن حراك الريف بعنوان “احتجاجات الحسيمة”. وتبنى المجلس في تقريره، الذي أثار جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا، الرواية الرسمية لتطورات الحراك، محملا نشطاء الحراك مسؤولية العنف وعرقلة العبادة وعرقلة التنمية وإثارة البغضاء والكراهية، وهي التهم التي وجهتها السلطات للنشطاء وحكم على المئات منهم بالسجن النافذ لمُدد وصلت بحق بعض قادة الحراك إلى 20 سنة نافذة. كما قبلت السلطات الهولندية طلب اللجوء السياسي الذي تقدمت به القيادية بحراك الريف نوال بنعيسى، التي تولت قيادة الحراك لمدة محدودة بعد اعتقال قائده ناصر الزفزافي.
في علاقة بحراك الريف، أفرجت السلطات المغربية على الصحفي حميد المهداوي، في 20 يوليوز، بعد أن قضى محكوميته المحددة في ثلاث سنوات سجنا نافذا، بتهمة “عدم التبليغ عن جريمة المس بسلامة الدولة” في منطقة الريف. كما تميزت هذه السنة بإطلاق عدد من النشطاء الحقوقيين والسياسيين والمثقفين والفنانين والصحافيين “نداء الأمل “إلى الملك محمد السادس لإطلاق سراح معتقلي الريف والصحافيين المحكومين سابقا، في سياق الظرفية الاستثنائية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا. وعندما لم تتعاطى الدولة مع هذا النداء بالإفراج على معتقلي الحراك أو بعضهم، دخل هؤلاء في إضراب عن الطعام منتصف شهر غشت. وقد تفاعل مع هذا الإضراب بعض أعضاء البرلمان الأوروبي بتوجيه رسالة لرئيس الحكومة المغربية، عبروا فيها عن قلقهم بشأن وضعية معتقلي حراك الريف بالسجون المغربية، على ضوء انتشار فيروس كورونا، وإضرابهم عن الطعام، لافتين إلى أن العديد من معتقلي الحراك، ما زالوا في سجون مغلقة ومكتظة في زمن كورونا، ولا يحصلون على رعاية صحية كافية.
كما دعا البرلمانيون الأوروبيون الحكومة المغربية إلى إعطاء الأولوية للاعتبارات الإنسانية والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في الحراك، وفقاً لتوصيات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والنداءات المتكررة من العديد من المنظمات الحقوقية. وبالتزامن مع رسالة البرلمانيين الأوروبيين، أصدر الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان بالمغرب بيانا جدد فيه المطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف، داعيا المسؤولين إلى التحرك العاجل قبل فوات الأوان لإنقاذ حياة المضربين عن الطعام وفتح حوار معهم. كما أكد الائتلاف لجوءه للهيئات المعنية بحقوق الإنسان وطنيا ودوليا من أجل حمل السلطات المغربية على طي ملف حراك الريف نهائيا وإنصاف المضربين ومنطقة الريف بكاملها.
في نفس السياق، طالب فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، في سؤال وجهه إلى رئيس الحكومة، بالتدخل العاجل للحيلولة دون وقوع الأسوأ، حرصا على سلامة المواطنين داخل السجون. كما أبدى الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في سؤال وجهه لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، قلقه الكبير تجاه تطورات الإضراب المفتوح عن الطعام، منبها إلى ما يشكله ذلك من خطر كبير على حياتهم، ويضر بالرصيد الحقوقي المهم الذي راكمه المغرب . بعد ذلك، وافقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على جميع مطالب معتقلي حراك الريف التي تمثلت في تمديد مدة الفسحة، والحق في التبضع من متجر السجن كلما دعت الضرورة، وتجويد الأكل والخدمات الأساسية، وتمديد مدة المكالمات الهاتفية والزيارات، إضافة إلى السماح بإدخال الكتب والجرائد والمجلات. على إثر ذلك، علق معتقلو الحراك إضرابهم عن الطعام.
خلال سنة 2020، تراجعت حرية الصحافة وحرية الرأي، وقد تجلى ذلك في اعتقال عدد من الصحافيين والحقوقيين حيث أوقفت السلطات سليمان الريسوني الصحافي وكاتب الرأي بجريدة أخبار اليوم من أجل التحقيق معه حول تهمة هتك العرض بالعنف والاحتجاز في حق شاب مغربي مثلي. كما تم اعتقال الصحافي عمر الراضي بتهم منها الاغتصاب، والذي سبق أن اعتقل وأطلق سراحه عدة مرات على خلفية تهم حددتها النيابة العامة في الاشتباه في تلقيه أموالا من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة الداخلية ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية بغاية الإضرار بالوضع الدبلوماسي للمغرب . وفي أواخر سنة 2020 ، قرر الجهاز القضائي المغربي إيداع المؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب، السجن رهن الاعتقال الاحتياطي على خلفية قضية غسيل أموال.
كما خلق مشروع القانون 22.20 المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، جدلا سياسيا وحقوقيا كبيرا على إثر تضمنه لمقتضيات تنص على إجراءات تقييدية للحق في التعبير عن الرأي والنشر، مما جعل الرأي العام المغربي يطلق عليه “قانون تكميم الأفواه “. ومن بين مواد مشروع هذا القانون، نصت المادة 14 على عقوبة السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات و/ أو غرامة مالية بحق من يدعو إلى مقاطعة بعض المنتجات أو البضائع أو الخدمات، بينما نصت المادة 16 على عقوبة السجن من 3 أشهر إلى سنتين و/أو غرامة مالية بحق كل من قام عمدا بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائفا. وقد عزى الكثير من المغاربة محاولة تشريع هذا القانون إلى خشية الشركات الكبرى من تجدد حملة مقاطعة المنتجات الاستهلاكية التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2018، وكبدت شركتين مغربيتين وشركة فرنسية خسائر مالية كبيرة. وإذا كان مشروع القانون 22.20 يرمي إلى تقييد حرية التعبير بمواقع التواصل الاجتماعي، كما ذكر التقرير، فإن الضغط الذي شكلته الحملة الشعبية المعارضة للمشروع عبر هذه المواقع دفع الحكومة إلى تأجيل البت فيه وتشكيل لجنة لتعديله قبل استكمال باقي مراحل تشريعه.
على مستوى العلاقات الخارجية، ذكر التقرير أنه يبدو من خلال سلوك الدبلوماسية المغربية التي يقودها ملك البلاد محمد السادس، أنها حاولت خلال سنة 2020، الحفاظ على الثوابت، المتمثلة في استقلالية قراره السياسي، وعدم التدخل في شؤون الدول، مع نهج استراتيجية الحياد البناء تجاه القضايا الدولية التي تتقاطع مصالح أطرافها مع مصالحه في ظل توازنات دولية وإقليمية معقدة، مع ترجيح أولوية المصالح المغربية.
على المستوى الأوروبي، قال التقرير أنه، ولئن كان المغرب شريكا هاما لدول الاتحاد الأوروبي، فإنه يُعد بالنسبة لإسبانيا، الجار والشريك الذي يرتبط بشكل أساسي بالأمن القومي الإسباني. يعكس هذه الأهمية خلال سنة 2020، زيارة أرانشا غونزاليز لايا، وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بحكومة المملكة الإسبانية للمملكة المغربية 24يناير 2020 ، وهي الزيارة الأولى لها خارج الاتحاد الأوروبي منذ تعيينها على رأس الدبلوماسية الإسبانية، وذلك من أجل مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد يومين فقط من مصادقة البرلمان المغربي على القانون رقم 38.17 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، ومصادقته على القانون رقم 37.17 المتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية. وقد جدد الطرفان خلال الزيارة عزمهما على مواصلة التنسيق بينهما على مختلف الأصعدة لتطوير العلاقات الثنائية والتنموية والاجتماعية والسياسية ومواجهة التحديات المشتركة.
كما زار أوليفر فاريلي، مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع المملكة المغربية في دجنبر 2020، مؤكدا أنها شريك ذو مصداقية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأن الطرفان بصدد وضع خطة اقتصادية مفصلة من أجل شراكة أعمق بينهما، مشيرا إلى أن الأفكار والطرق والمسارات أصبحت واضحة ليتم طرح الخطة اعتبارا من ربيع2021 ، ومشيدا بتدبير المغرب النموذجي لتداعيات الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد )كوفيد 19 ) التي سيعمل الطرفان معا على تجاوز آثارها عبر التخطيط من أجل إنعاش اقتصاديهما ليخرجا أكثر قوة من الأزمة. في الأثناء، أكدت ييلفا يوهانسن، المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية في زيارتها للرباط، سعيا للتوصل إلى اتفاق يسمح لدول الاتحاد بإعادة المهاجرين إلى المغرب، أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو مواصلة الشراكة المتميزة مع المغرب، لأنه يُعتبر شريكا موثوقا للغاية، مشددة على رغبة الاتحاد الأوروبي في أن تتخطى الشراكة مع المملكة مجالي الأمن والهجرة لتشمل قضايا أخرى. وبعد زيارة المفوضة الأوروبية بأيام قليلة، أعلنت وزارة الداخلية المغربية أن المغرب رفض طلبا من الاتحاد الأوروبي لاستعادة رعايا دول أخرى يصلون إلى أوروبا من المملكة التي تصر على أن تتحمل كل دولة مسؤوليتها تجاه رعاياها.
على المستوى الإفريقي، عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، بموافقة أغلبية أعضاء الاتحاد على طلب عضويته، 39من أصل 54 ، وذلك بعد أن كان قد غادر منظمة الوحدة الإفريقية زهاء أربعة عقود، بسبب مناوئتها لأجندته ومصالحه الحيوية. وجاءت هذه العودة في إطار سعي المغرب إلى تعزيز شراكاته الاقتصادية وعلاقاته الدبلوماسية بالدول الإفريقية، وضمان دعمها له في حسم ملف الصحراء لصالحه. ولهذه الغاية، استمر المغرب سنة2020، في التوسع الدبلوماسي عبر تعزيز علاقاته بدول غرب إفريقيا وتحقيق اختراقات غير مسبوقة في العلاقة بالدول الإفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية، وهو ما يعكسه فتح 16 دولة إفريقية قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة في اعتراف صريح بالسيادة المغربية على الصحراء. يضيف التقرير، ومع تخليه عن سياسة المقعد الفارغ، أصبح المغرب يضطلع بدور هام كدولة إفريقية رائدة داخل الاتحاد الإفريقي وخارجه. وهي المكانة التي تستثمرها الرباط من أجل تضييق مساحة تحرك جبهة البوليساريو الانفصالية، من خلال مطالبتها في أروقة الاتحاد بضرورة احترام الشرعية الدولية وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومكافحة النزعات الانفصالية والترابط بين السلام والأمن والتنمية من أجل سلام دائم في أفريقيا، في إشارة إلى الجبهة الانفصالية ودولة الجزائر التي تدعمها.
على مستوى منطقة الخليج العربي، وفيما يخص العلاقة بين دولتي السعودية والإمارات، ذكر التقرير أن العقد الأخير كشف أن المغرب عصي على التماهي التام مع سياستهما بما لا يوافق رؤيته ومصالحه، وهو ما أكده وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريح له يوم 27مارس2020 ، لما أبرز أربعة شروط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية، أولها أن السياسة الخارجية مسألة سيادية بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية. وقد جاءت هذه الشروط بعدما شهدت العلاقات بين الطرفين توترات على خلفية تباين وجهات النظر بينهما بشأن الأزمة الخليجية والقضية الفلسطينية والأزمة الليبية، وقضايا إقليمية ودولية أخرى. بعد هذا التاريخ، عرفت العلاقات بين الطرفين انفراجا ملحوظا، حيث عاد السفير الإماراتي للرباط بعد أكثر من سنة على شغور المنصب، كما فتحت الإمارات قنصلية لها في مدينة العيون، وأيدت، شأنها في ذلك شأن جميع دول الخليج، عملية إعادة فتح معبر الكركرات الحدودي. أما على المستوى العلاقة بقطر، فقد جددت المملكة المغربية دعمها لدولة قطر وأكدت على استعدادها لتقديم كافة الإمكانات والوسائل البشرية واللوجستيكية من أجل إنجاح تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 2022.
فيما يخص العلاقة مع دول المغرب العربي، استضاف المغرب محادثات بين الفرقاء الليبيين خلال سنة 2020 بمدينتي بوزنيقة وطنجة، كما لعب دورا في تقريب وجهات نظر الأطراف المتصارعة بغية التوصل لحل سياسي ينهي الأزمة القائمة منذ سنوات، مؤكدا أن الليبيين ليسوا في حاجة إلى وصاية أحد وأنهم قادرين على حل مشاكلهم بأنفسهم. وفي حين ما تزال علاقات المغرب مع تونس على ما كانت عليه، وتشهد تطورا ملحوظا مع موريتانيا، فإن التوتر يسود العلاقات المغربية الجزائرية، حيث ألمح ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي إلى دور الجزائر في تغذية الانفصال خلال كلمة له في قمة دول عدم الانحياز، قائلا: “إن دولة مجاورة تواصل تغذية الانفصال بالرغم من الظروف الاستثنائية الحالية، وتحويل موارد ساكنتها لفائدة مبادرات تروم زعزعة الاستقرار الإقليمي “.
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد تميزت سنة 2020، بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل في العاشر من دجنبر، مما خلق تشويشا كبيرا على الموقف التاريخي للمغرب من القضية الفلسطينية كما يقول التقرير. وقد بدت المؤشرات الأولى للتطبيع المغربي الإسرائيلي من خلال حضور رئيس الرابطة المحمدية 2للعلماء مراسم الذكرى السنوية للهولوكوست ببولندا إلى جانب عدد من العلماء المسلمين. وهي الزيارة التي أحدثت جدلا واسعا في العالم الإسلامي. نفس الجدل أثاره تصريح وزير الخارجية ناصر بوريطة في معرض رده على مستشارين في اجتماع للجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة في مجلس المستشارين، بأن “قضية الصحراء هي القضية الأولى للمغرب، ولا ينبغي أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم “. وللتخفيف من آثار هذا التصريح، أرسل الملك محمد السادس وزير الخارجية للعاصمة الأردنية عمان ليبلغ عنه رسالة شفوية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويجدد التأكيد على الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية. كما جدد المغرب التعبير في اجتماع وزراء الخارجية العرب عن تمسكه بالمبادرة العربية للسلام كمشروع لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
في هذه الأثناء، صرح رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني لوكالة المغرب العربي للأنباء بأن موقف الحكومة المغربية مما يعرف بصفقة القرن ينطلق من ثوابت المملكة، ملكا وحكومة وشعبا، في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه. شعبيا، نظمت عدة مكونات مدنية وسياسية وحقوقية ونقابية مسيرة شعبية ومجموعة من الفعاليات رفضا لصفقة القرن ودعما لصمود الشعب الفلسطيني. لكن أواخر دجنبر، وفي خطوة مفاجئة، خاصة بعد فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الظفر بولاية رئاسية ثانية، أعلن البيت الأبيض إن ترامب والملك المغربي محمد السادس اتفقا على أن تستأنف المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، فضلا عن تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين بما يدعم الاستقرار في المنطقة .
يشمل الاتفاق إعادة فتح مكاتب اتصال في كل من الرباط و تل أبيب كانت قد أُغلقت سنة 2000 خلال الانتفاضة الفلسطينية، وتسيير رحلات جوية مباشرة من وإلى إسرائيل لكل الإسرائيليين . لكن بيان الديوان الملكي المغربي قال إن هذه الإجراءات لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على موقف المغرب الثابت من القضية الفلسطينية العادلة، مؤكدا أن الملك محمد السادس تحدث إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وطمأنه بأنه لن يتراجع أبدا عن دوره في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مؤكدا دعمه لحل قيام الدولتين.
فيما يخص قضية الصحراء، فقد شهدت خلال سنة 2020، تفاعلات هي الأكثر ديناميكية منذ افتعال النزاع حولها قبل حوالي نصف قرن. حيث سلك المغرب دبلوماسية القنصليات، إذ تمكن خلال سنة 2020، من إقناع 20 دولة بافتتاح بعثات دبلوماسية لها بمدينتي العيون والداخلة، في محاولة لتثبيت مغربية الصحراء وتحقيق تقدم في هذا الملف في إطار السيادة المغربية. وبالإضافة إلى عدد من الدول الإفريقية التي افتتحت قنصليات لها في الصحراء، افتتحت ثلاث دول عربية بارزة هي الإمارات والبحرين والأردن، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عزمها على افتتاح قنصلية بالداخلة، بعد اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء.
كما تجدد الصراع بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الانفصالية في منطقة الكركرات يوم الجمعة 13 نونبر 2020 ، على خلفية خرق الجبهة لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة1991 ، بعد إقدامها مطلع شهر أكتوبر على قطع الطريق على الحركة المدنية والتجارية التي تمر عبر معبر الكركرات. فمطلع شتنبر 2020 ، تحرك نشطاء محسوبون على جبهة البوليساريو لاحتلال معبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا، قصد إغلاقه في وجه الحركة المدنية والتجارية.
في منتصف شتنبر2020 ، زار المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية المنطقة الجنوبية في الصحراء مرفقا بعدد من القيادات العسكرية، وأكدت وسائل إعلام أن المغرب في حالة استنفار. وعلى ضوء تحركات المغرب ومواقف المجتمع الدولي، تبرأت البوليساريو من تبني حراك النشطاء، لكنها حملت الأمم المتحدة مسؤولية سلامتهم. وبعد استنفاذ كافة الإمكانيات وعجز الأمم المتحدة عن تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة قراره رقم 2114 لأبريل2018 ، قامت القوات المسلحة الملكية المغربية بالتدخل يوم الجمعة 13 نونبر2020، من أجل إنهاء حالة تمرد عناصر البوليساريو، وإعادة إطلاق الحركة المدنية والتجارية بين المغرب وموريتانيا. كما أكدت المملكة المغربية أن التدخل انبنى على قاعدة إعادة فتح المعبر وعدم الاحتكاك بالعناصر المدنية للبوليساريو دون سقوط أي جريح أو قتيل في عملية التدخل.
في نفس السياق، جددت المملكة التأكيد على التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، الذي أعلنت جبهة البوليساريو في المقابل تحللها منه. كما أعلنت المملكة عن إعادة فتح معبر الكركارات وعودة حركة العبور إلى طبيعتها يوم السبت 14 نونبر. ومن أجل رص الجبهة الداخلية، انعقد اجتماع عالي المستوى بين رئيس الحكومة المغربية ومستشار للملك محمد السادس ووزير الداخلية ووزير الخارجية مع زعماء الأحزاب السياسية التي أعلنت اصطفافها دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة. كما أعلنت دول عربية وإفريقية وأوروبية، ومنظمات إقليمية ودولية، عن تأييدها للخطوات المغربية الرامية إلى صيانة الوحدة الترابية للمملكة وحماية أمنها، باستثناء دولة موريتانيا التي التزمت الحياد، والجزائر التي نددت بالتدخل المغربي.
انسحبت دولتا الجزائر وجنوب إفريقيا المعروفتان بمناوئتهما للسيادة المغربية على الصحراء قبل أيام على انطلاق فعاليات كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة بسبب تنظيمها بمدينة العيون المغربية، غير أن تحرك الدبلوماسية المغربية أثمر إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” عبر تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر أن كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة 2020، ستقام بمدينة العيون المغربية في الفترة الممتدة من 28 يناير إلى 7 فبراير2020 ، وهو ما تمت قراءته على أنه اعتراف من الفيفا بسيادة المغرب على كافة أراضيه.
على مستوى الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في ملف الصحراء، فقد نظم حزب العدالة والتنمية يوم 7 مارس2020، بقصر المؤتمرات بعاصمة الصحراء المغربية العيون، مهرجانا خطابيا تحت شعار “تعزيز الجهوية المتقدمة مدخل لتحقيق النموذج التنموي المأمول وإرساء الحكم الذاتي”، برئاسة سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، وحضور أعضاء الأمانة العامة وبرلمانيي ومنتخبي الحزب بالأقاليم الصحراوية بالجهات الجنوبية الثلاث. وقبل ذلك، يوم 5 مارس، زار وفد برلماني يتكون من 35 نائبا ومستشارا برلمانيا ينتمون للأحزاب الممثلة في البرلمان، نقطة الدعم التابعة لشبه القطاع العسكري للسمارة، بحضور الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، الذي قدم للوفد شروحات حول مهمة نقطة الدعم، وحول الوسائل والتجهيزات الموفرة لها للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة.
إذا كانت الأحزاب السياسية قد اضطرت للتفاعل مع تطورات قضية الصحراء المغربية بتنظيم فعالياتها الحزبية والسياسية عن بعد بحكم الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فإن الربع الأخير من السنة عرف مبادرات ميدانية حزبية دعما لمغربية الصحراء، بسبب اندلاع أزمة الكركارات بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو الانفصالية، حيث أعلن قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، من معبر الكركارات الحدودي الفاصل بين المملكة وموريتانيا، عن دعمهم للعملية التي قادتها القوات المسلحة الملكية المغربية، لإعادة الحركة التجارية والمدنية إلى طبيعتها، بعد إغلاقه من طرف محسوبين على جبهة البوليساريو لعدة أيام. وفي الأثناء، نظم حزب الاستقلال مهرجانا خطابيا تأييدا لقرار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، بموجب قرار تنفيذي لرئيسها، اعترف من خلاله بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء.
على مستوى الاتحاد الإفريقي والصحراء، ترأس رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الوفد المغربي المشارك في القمة العادية 33 للاتحاد الإفريقي، والتي تعتبر أول قمة، في السنوات الأربع الماضية، لا يتضمن فيها تقرير مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد أي إشارة لقضية الصحراء المغربية.
شكل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، كم ذكر التقرير، إنجازا كبيرا للدبلوماسية المغربية، كما شكل أيضا ضربة قاسية لأطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية ودولة الجزائر التي تصر على دورها السلبي في هذا النزاع الذي عمر لأزيد من 45 سنة. ذكر التقرير أن هذا الاعتراف، اعتبرته بعض التحليلات ثمنا لتطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل، يعتبر بمثابة عتبة لتحييد موقف الولايات المتحدة الأمريكية في قضية الصحراء بعدما ظلت لمدة طويلة مصدر قلق بالنسبة للدبلوماسية المغربية من خلال فكرة التقسيم مع بيكر ومقترح توسيع صلاحيات المينورسو مع روس والعودة إلى فكرة الاستفتاء مع بولتون وغيرها من المبادرات الأخرى التي كانت متعبة للمغرب من قبل دولة من حجم الولايات المتحدة الأمريكية.
في الختام، استخلص التقرير ما يلي:
سياسيا، يعتبر إذعان الأحزاب السياسية وعدم استقلاليتها بشكل كامل عن مركز القرار المغربي أحد أهم المؤشرات الدالة على أن التعددية الحزبية لا تعكس تعددية سياسية حقيقية بالشكل الذي يخدم الانتقال الكامل نحو الديمقراطية.
اقتصاديا، رغم التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا )كوفيد 19 ( التي أدت إلى اختلال التوازن المالي للمغرب شأنه في ذلك شأن أغلب دول العالم، غير أن الاقتصاد المغربي حافظ في العموم على مقومات التعافي من أزمته مع بروز مؤشرات عن تحقيق معدل نمو إيجابي سنة2021 ، وذلك استنادا إلى عوامل عديدة على رأسها ظهور لقاحات ضد كوفيد19 -، وتسجيل موسم زراعي جيد بفضل الظروف المناخية المواتية.
حقوقيا، يبدو أن المغرب لم يعد مكترثا بشكل كبير بما تكتبه المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية عن التجاوزات في مجال الحقوق والحريات، ذلك أن الرباط لم تتفاعل مطلقا مع النداءات الداخلية والخارجية التي تطالبها بتغيير منهجية تدبير ملف معتقلي حراك الريف ومعتقلي الرأي الذين ما زالت لا تعتبرهم معتقلين سياسيين، بل إن لا شيء يوحي بتغيير هذه المنهجية بالنظر إلى اعتقال صحافيين وحقوقيين آخرين سنة2020 ، ومحاولة سن قانون 22.20 المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة الذي أثار جدلا حقوقيا وسياسيا واسعا على إثر تضمنه لمقتضيات تنص على إجراءات تقييدية للحق في التعبير عن الرأي والنشر.
على مستوى العلاقات الخارجية، ما تزال قضية الصحراء تحتل مركزية هامة في هندسة السياسة الخارجية المغربية. فخلال سنة2020، حقق المغرب انتصارات دبلوماسية غير مسبوقة في تاريخ النزاع المفتعل بينه وبين الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية حول منطقة الصحراء، ومن ذلك الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على هذه المنطقة الذي جاء في سياق تطبيع الرباط علاقاتها بتل أبيب. من جهة ثانية، أثبتت هذه السنة الفعالية الكبيرة لاستراتيجية الحياد البناء للمغرب والتي تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم المسارات السياسية في حلحلة الأزمات البينية، والتي يتبناها تجاه القضايا العربية، وخاصة الأزمة الليبية وأزمة حصار قطر.
تعليقات الزوار ( 0 )