يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، كغيرها من الزيارات السابقة، عبّرت عن رغبات أمريكية، لكنها لم تُنجز شيئًا، فإسرائيل تعدّ العدة لضربة قوية في إيران، وتواصل التهديد والوعيد بها، وآخرها جاء على لسان وزير أمنها غالانت، الذي قال مخاطبًا جنوده: “إن العالم سيعرف قوة إسرائيل بعد ضربها إيران”.
بيد أن رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، قال، في تهديده الأخير لإيران، ردًا على استهداف منزله في قيساريا، ضمن أحاديث تنشر اليوم في وسائل إعلام فرنسية: “ستكون هناك ضربة”.
وضمن محاولة التحشيد ضد إيران، وتوفير تبرير للضربة، قال نتنياهو لـ “سي نيوز” (قناة فرنسية): “هذا أمر بشع، كأن يقوم مخرّبون بمهاجمة غرفة نوم الرئيس الفرنسي وزوجته داخل بيته”. منوهًا أن إيران قصفت إسرائيل مرتين بـ 300 صاروخ بعيد المدى، في هجمة هي الأكبر في التاريخ.
واشنطن والضربة محتملة في إيران
يشار إلى أن بيانًا صدر عن ديوان نتنياهو، إثر اجتماعه الثلاثاء ببلينكن، الذي يقوم بزيارة لمنطقة الشرق الأوسط، قال إن الاجتماع تمحور حول مسألة التهديد الإيراني، وضرورة رصّ الصفوف بين الولايات المتحدة وإسرائيل لمكافحة هذا التهديد.
وشكر نتنياهو بلينكن على دور واشنطن في محاربة “محور الشر” و”الإرهاب الإيراني”.
من ناحيته، شدّد الوزير الأمريكي على ضرورة استغلال تصفية زعيم حركة “حماس”، يحيى السنوار، من أجل الإفراج عن المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، وإنهاء الحرب هناك. وأوضح بلينكن ضرورة اتخاذ خطوات إضافية من أجل زيادة تدفّق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وعلى صعيد المواجهة المفتوحة مع “حزب الله”، أكد بلينكن أنه جدّد الدعوة إلى حل دبلوماسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أوقف حرب لبنان الثانية في عام 2006 بين الطرفين.
وفيما لم يتطرق بلينكن مباشرة وعلانية للشأن الإيراني، توالت تصريحات أمريكية رسمية تقول إنها تؤيد ضربة في إيران لا تستهدف منشآت نووية ونفطية، وسبق ذلك أن أعلن بايدن أنه يعلم بموعد الضربة. بيد أن حسابات نتنياهو الآن بالذات مختلفة عن حسابات بايدن، ويبدو أنه يتجه لتوجيه ضربة كانت تفضل واشنطن ألا تحدث الآن خوفًا من انعكاساتها “الإيجابية” على احتمالات فوز ترامب في انتخابات الرئاسة، لا سيّما أن المنافسة شديدة جدًا.
مساعي إيران لخفض النار
ي المقابل؛ يرى داني سيتيرونوفيتش، باحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، مختص في الشؤون الإيرانية، أن إيران تُخرج مدافعها الثقيلة لإجبار إسرائيل على النزول عن الشجرة.
في مقال في صحيفة “معاريف”، يزعم داني سيتيرونوفيتش أنه، منذ الهجوم الصاروخي الإيراني، تدير إيران إستراتيجية منسّقة، هدفها منع الرد الإسرائيلي ضدها، أو تقليصه على الأقل، من جهة، من خلال إظهار رغبة إيران في وقف إطلاق النار، ومن جهة ثانية، من خلال التهديدات المتعاقبة الموجهة إلى إسرائيل، إذا تجرأت وهاجمت مواقع إستراتيجية في إيران.
ويتابع: “بالإضافة إلى ذلك، يحاول مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى القول إن الرد الإسرائيلي غير مهم، للحؤول دون نشوء وضع تضطر فيه طهران إلى الرد بصورة تلقائية على الهجوم الإسرائيلي، ومن المحتمل أنها تلمّح إلى استعدادها لاحتواء الرد، إذا كان محدودًا.”
رد قوي هذه المرة
وطبقًا لداني سيتيرونوفيتش، فإنه، منذ الهجوم الصاروخي الأخير على إسرائيل في 1 أكتوبر الحالي، يمكن الافتراض أن القيادة الإيرانية تدرك أنه هذه المرة، من الصعب الحؤول دون رد إسرائيلي قاسٍ ضد دولتها، وبعكس الهجوم الصاروخي في 14 أبريل، من الواضح للإيرانيين أن إسرائيل تنوي الرد بقوة على الهجوم الأخير.
ويرى الباحث الإسرائيلي أنه على الرغم من هجومها على إسرائيل، فإنه من المهم الإشارة إلى أن المصلحة الإيرانية لم تتغير بصورة جوهرية؛ فطهران تسعى لمنع نشوب حرب إقليمية، وتتخوف كثيرًا من انزلاق الأحداث في الشرق الأوسط إلى داخل أراضيها، ولا سيّما مع ازدياد وتعاظم الوجود العسكري الأمريكي.
العصا والجزرة
وحسب داني سيتيرونوفيتش، فإنه من أجل هذا الغرض، وللحؤول دون التدهور إلى حرب إقليمية، تعمل إيران وفقًا لإستراتيجية منتظمة، هدفها منع الهجوم الإسرائيلي ضد مواقعها الإستراتيجية؛ ولهذا السبب فهي تهدد باستخدام “العصا”، أي بردّ فوري على أي هجوم إسرائيلي على أراضيها، وتشدّد طهران على أنه لن يكون هناك قيود على الأهداف التي سيجري اختيارها إذا هاجمت إسرائيل منشآتها النفطية والنووية.
من جهة ثانية، هناك “الجزرة” التي تتجلى في حملة دبلوماسية قوية يقودها وزير الخارجية الإيراني، بهدف إنشاء جبهة موحدة بين إيران والدول العربية، للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
ويرى داني سيتيرونوفيتش أيضًا أنه لهذا الغرض، يقوم عراقجي بزيارات كثيرة لعواصم دول المنطقة، بينها دول يوجد توتر بينها وبين إيران (مصر والبحرين)، من أجل خلق هذه الجبهة الموحدة التي من شأنها أيضًا تحسين المكانة السياسية لإيران، وزيادة الضغط على إسرائيل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ويضيف الباحث الإسرائيلي: “في الموازاة، وعلى المستوى العملاني، تتحضر إيران لهجوم محتمل. واستنادًا إلى عدد من التقارير، أخلت عددًا من مصافيها النفطية، ورفعت درجة التأهب في المواقع الإستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، توظف إيران موارد من أجل تعزيز محور المقاومة، وقبل كل شيء، تعزيز قوة “حزب الله” لمنع التأثير السلبي لضعف الحزب في نفوذه السياسي في لبنان، أو في مواجهاته ضد إسرائيل، وهذا الأمر يخلق توترًا غير مسبوق مع الحكومة اللبنانية التي تسعى للتخلص من النفوذ الإيراني، وخصوصًا في ما يتعلق بمسألة وقف إطلاق النار في لبنان، بمعزل عما يحدث في القطاع – الخطوة التي تتعارض مع المصلحة الإيرانية”.
مسيّرة قيساريا
ويرى الباحث الإسرائيلي أن الرد الإيراني على هجوم المسيّرة على منزل نتنياهو يعبّر جيدًا عن السياسة الإيرانية: “لقد خافوا في طهران أن يعطي هذا الهجوم ضوءًا أخضر لمهاجمة منشآت إيرانية رسمية، ويبدو أنهم فرضوا على “حزب الله” إصدار بيان يُبرّئ إيران من مسؤولية إطلاق المسيّرة”.
في المقابل؛ ومن أجل منع نشوء وضع يفرض الرد على كل هجوم إسرائيلي، وكتلميح إلى رغبة إيران في احتواء ردّ محدود على أراضيها (استنادًا إلى رسائل من أطراف في المنظومة الدولية تحاول منع التصعيد)، تحاول القيادة الإيرانية التقليل من أهمية الرد الإسرائيلي.
في الخلاصة، يدعي الباحث الإسرائيلي الخبير بالشؤون الإيرانية أن تحركات إيران الأخيرة تُظهر أنها لا تزال تتخوف كثيرًا من التدهور إلى معركة واسعة النطاق، وتحاول المزج بين التهديدات وبين التحركات السياسية لمنع الرد الإسرائيلي، أو تقليصه.
ويتابع: “المشكلة المركزية هي أنه، في ضوء التهديدات المستمرة للقيادة الإيرانية، من الصعب ألا يؤدي هجوم إسرائيلي كبير على إيران إلى ردّ إيراني، وذلك من أجل المحافظة على صدقية ردعها.
ومع ذلك، تدل محاولة القيادة الإيرانية التقليل من أهمية الرد الإسرائيلي على أنه إذا كان مدروسًا ومحدودًا، فمن المحتمل ألا يكون الرد الإيراني عليه كبيرًا وواسع النطاق”.
في التزامن، وفي توقيت لافت، عاد “حزب الله” ونشر صورًا لصاروخ عملاق داخل نفق من طراز الصواريخ الإستراتيجية الدقيقة. فهل يرتبط ذلك بمحاولات ردع إسرائيل عن ضربة واسعة في إيران، وعن مواصلة تصعيد الضربات في لبنان، أم سيستخدمها قريبًا؟
تعليقات الزوار ( 0 )