سعلت سعالا حادا،رشفت ثمالة كأس مر ،عبت دفعة عميقة من دخان السياسة العرجاء،زفرت وأغمضت عينيها المرمديتين في سبات سياسي عميق،اتكأت على حصير كهف مظلم ،أهله لم يستفيقوا من ولم تحركهم أصوات الحفر المنكسرة أو تصدعات الذاكرة المهملة، رياح النسيان تكالبت على الأخضر واليابس ،حكايات عتيقة تتناسل هنا وهناك من من أعلى السماء تذكرنا بماض مشرق.
غربت شمس المدينة ولم يعد أمامنا منفذ للخلاص سوى أن نعود الى الماضي، طلبا للاستشفاء من حاضر سياسي عنيد أبى إلا أن يعاكس توهج الطبيعة في فصل الربيع،صدأت أقفال الابواب في وحدات النسيان
،ترهلت تجاعيد الذاكرة الجميلة،وسقطت حروف القدر القاسي من تماثيل فقدت ملامحها،نظرات عابسة تختزن شعورا دفينا بالقلق وخيبة الامل ،الناس في مدينة الحوامض والبترول والمعشوقة المستديرة،لم يعودوا يعرفون معنى للورد والحب والياسمين،حتى حفار القبور لم يعد يحفر قبورا لضيوفه في الكرة ،بل بدأ يحفر قبرا لنفسه بيده.في ظل الاغلاق الذي طال ملعبه التاريخي الذي يحمل اسم رجل وطني ،استشهد دفاعا عن الوطن والعروبة .
يفخر سكان مدينة سيدي قاسم بماضي مدينتهم الضارب في القدم،وبتاريخهم الرياضي والسياسي والثقافي ، ويرددون باعتزاز أن التي كانت تحمل لقب “بوتيجون”قد عاشت عصر التمدن في وقت مبكر قبل مدن مغربية عريقة،ويحكون بشرف كيف حظيت المدينة بشرف أن تكون عاصمة البترول والحوامض،وكيف كان صاحب معمل بشكيطو سيدي قام الفرنسي الأصل “مسيو شوفري” يوزع عرائس السكر على الأطفال، وهم يلجون الى المدرسة أحاد ومثنى وثلاث.
غير أن كثيرا من سكان سيدي قاسم،شيبا وشيابا، لاينظرون الى حاضر مدينتهم بعين الرضا،بل انه ليس من العسير على زوارها لمس غير قليل من “السخط”لدى القاسميين والقاسميات على واقع المدينة الذي أصبح دون ما دأبوا على حمله من تطلعات على مدى سنوات عجاف مرت كسحابة هوجاء في أنفاس ليل مزعج.
الوافد على سيدي قاسم،لايشق عليه أن يلاحظ ،حتى قبل الانصات الى بوح سكانها أن المدينة الصغيرة ،بحجمها الجغرافي،والكبيرة بتاريخها،تعيش مشاكل أكبر من حيزها المكاني الذي تشغله ،تصدر عن حنجرتها حشرة غريبة ،تنتحب ، تعاني من تراجعات جسيمة في مواكبة انتظارات الساكنة،وتطلعات العصر.
تعليقات الزوار ( 0 )