Share
  • Link copied

بؤس الكتابة التاريخية: الفقيه الكردودي والسطو العلمي

حط باحث معاصر صدفة بالمغرب في فترة القرن 19، وسأل عن فاس العاصمة العلمية آنذاك، فدلوه عليها، كان هدفه التقاء أحد كبار الفقهاء من تلك الفترة الزمنية الذي اشتهر بكتاب عن ضرورة جهاد الأجنبي. بعد تناول الباحث وجبة الغذاء ويتعلق الأمر ببيتزا رافقته خلال الرحلة، راح يبحث عن الفقيه الكردودي بجد وحيوية في أحياء وأزقة المدينة القديمة متنقلا بين ضفتيها، وسأل كثيرا من الطلبة المجلببين ممن مروا من أمامه، في الأخير دله أحدهم على مكانه، وحين التقاه بادره الباحث بإلقاء السلام، ثم استفسره بشأن مؤلفه كشف الغمة في أن حرب النظام حق على هذه الأمة، سأله بالذات إن كان هذا المخطوط من تأليفه حقا أو نُسِب إليه زورا، فأكد الكردودي بالقول: ” إنه تأليفي، وقد كتبته برغبة من سلطان الوقت، بيد أن الباحث فاجأه قائلا: سيدي كتابكم هذا بحق لا جديد فيه، فباستثناء الصفحات الخمس الأولى، كل ما يليها نقولات عن كتابات سابقة، اقتباسات عن الشجاعة والحلم والعدل والجهاد، سلخ من كتب الآداب السلطانية، ولا إضافات تذكر، فأجابه الكردودي بالقول: “تلك طريقة الكتابة عندنا ورثناها عن أجدادنا، فنحن ننقل من السابقين كما تفضلت، منذ زمن الطبري تقريبا اللهم إن استثنينا ابن خلدون، ونادرا ما يشير إخباريو هذا القرن للمصادر التي ينتحلون منها، لكن لم كل هذه الأسئلة الغريبة”. وجدها الباحث فرصة للدخول في جوهر النقاش مع هذه الشخصية الفريدة، فأجاب: “لاشيء؛ فقط أردت أن تسجل في تاريخك الذي علمت أنك تدونه وقائع عن ظاهرة منتشرة في وقتنا (القرن أواخر القرن العشرين وبدايات القرن 21)، وهي ظاهرة السرقات العلمية والسطو على جهود الغير، وخصوصا الطلبة، إذ يكلفون بنسخ المخطوطات من مكاتب بعيدة بأموال باهضة، ثم يقومون برقنها، ويبذلون جهدهم في تحقيقها كما أن بعضهم يكلفون بترجمة كتب ودراسات من لغات الفرنج للغة العربية، وهذه فرصة ليتعرف أهل الماضي على بعض ما استجد لدى خلفهم من الباحثين من أمور في المستقبل”. حبذ الفقيه الكردودي الفكرة واستحسنها وقال للباحث: “كلي آذان صاغية لك، اروي لنا حكاية من حكايات ما تسمونه عندكم بالسرقات العلمية، وسنعمل على تضمينها كتابنا القادم، وستكون ضمن باب أحاديث قرب الساعة وانتشار الهرج والمرج وفتن آخر الزمان ودواهي المناكر العظيمة”.

أطرق الباحث هنيهة ثم استرسل في الكلام قائلا”: إن من أهم المبتدعات عندنا بروز ما يسمى الجامعات والكليات، وهي مراكز يتابع فيها الطلبة تكوينهم، وتختلف كليا عن طريقة تكوينكم ودراستكم، فالشيوخ عندنا يسمون الدكاترة، ولدينا مدرجات وكراسي بخلاف ما لديكم من حصير وزرابي، وقد تكون هذه البدعة المستحدثة في عهدنا علامة من علامات الساعة الصغرى عندكم، وما يؤكد ذلك كثرة دواهي العصر في زمننا المستقبلي، فقد ظهر عندنا فجأة وباء يسمى الكورون، وهو شبيه بالطواعين التي تصيبكم بين الفينة والأخرى، ونتج عنه إغلاق المساجد لأزيد من شهور والعياذ بالله مع بقاء الآذان، وهذه الجامعات أعزكم الله ظهرت أول ما ظهرت في أوروبا التي تتغلغل حاليا في بلدكم، وهي ستحتلكم سنة 1912″؛ ثم استطرد الباحث متمما الحديث في الموضوع الرئيسي: ” انتقلت عندنا الجامعات وتمددت، بيد أن هناك فرق كبير بين جامعات النصارى وجامعاتنا، حيث الكلمة الأخيرة هناك للكفاءة والبحث العلمي وتكافؤ الفرص مبدأ ثابت عندهم، والمساواة بين الأجناس والمعايير الواضحة في المباريات مقدسة، أما عندنا فقد اتسع الخرق على الراقع، والفتق على الراتق، ذلك أن المناصب يصلها الغالبية بالمحسوبية والزبونية والرشوة والصور التذكارية، حتى أن أحدهم ضمن في ملفه العلمي شهادة تثبت ترأسه سانديك عمارته في إطار الاشعاع العلمي، وهذا الفساد المستشري في عصرنا يشبه ما عندكم  اليوم في باب تولي المناصب الوزارية، حيث حصل بنيس على منصب أمين المال بوساطة الفقيه عبد الله بن أحمد وزير العسكر وتوصل الصنهاجي لشراء مكوس فاس بواساطة الوزير اباحماد. ولتعلموا أنه في زماننا يتعرض النزهاء للتضييق من طرف من نسميهم لوبيات في عصرنا، وهو مصطلح لا أستطيع شرحه لكم الآن، فلنتركه لفرصة قادمة، وقد تعرضتم بدوركم سيدي الكردودي للطرد من القضاء حين أخذتكم الحمية الدينية والوطنية ضد أحد المحميين، ولا عليكم فالتاريخ يشهد بنبل موقفكم ويسفه موقف المتخاذلين من المحميين والمتعاونين مع الاستعمار، وقد ازدادت للأسف في زماننا الكوارث في مجال البحث العلمي، وذلك قبل عام البغرير بسنوات، وهذا العام مشؤوم مثل عام البقول عندكم، رفعت فيه البركة من الأموال والرواتب الشهرية، وأصيب خلاله فقراء الناس بالكآبة، وزادهم وباء الكورونا الناس فقرا وَهَمّاً، وهؤلاء الفقراء يشكلون اليوم الغالبية العظمى عندنا ويرغبون في الهجرة والإقامة بدار النصارى التي تعتبرونها أنتم حاليا دار كفر وتحرمون الهجرة إليها، وهم يعانون عندنا مثلكم من ارتفاع تكاليف المعيشة في البلد ومن غياب الاعانات الرسمية ومن غياب العدالة الاجتماعية، ولا حق لهم في رفع صوتهم بالصراخ معارضين، فذلك يعد فتنة، والعياذ بالله، وخروجا على السلطة كما عندكم تماما خصوصا في زمن الجائحة، كما أنه يستحيل رفع الشعارات في الشارع في الوقت الحالي، لأن الأفواه مكممة بلثامات طبية، فرضوها قسرا، ومن امتنع من لبسها غُرِّمَ تغريما، وهي شبيهة باللثامات الذي ترتديها النساء في زمانكم، وكان يلبس مثلها المرابطون في زمانهم اتقاء من رمال الصحراء ولحماية عيونهم منها خصوصا عند هبوب الرياح القوية، وأنتم أدري بسبب تسميتهم بالملثمين، ورغم كل هذه الأزمات إلا أن أمر السرقات العلمية زاد انتشارا، واستفحل لدرجة كبيرة جدا، حتى أن الطلبة والأساتذة عندنا اعتادوا عليه، ولم يعودوا يكترثون له”. قاطعه الفقيه الكردودي بالقول: “كل هذا حاصل عندكم في زمنكم المستقبلي، وتحاسبني عن النقل عن الأقدمين، إنه أمر مهم، ويستحق أن نخصص له فصلا في كتابنا القادم، ابدأ لنا بمثال حي يقرب إلى أذهاننا هذه الآفة التي حدثتمونا عنها”.

 أبدى الباحث موافقته بإيماءة من رأسه وقال: “كان لدينا في كلية من الكليات أستاذ سرق كتابا كاملا كان قد حققه  قبله شيخ مشهود له بالعلم والفضيلة، تغمده الله برحمته الواسعة، وقد كانت جنازته عظيمة جدا لم يشهد لها تاريخ المدينة مثيلا، وتكوينه تقليدي شبيه بتكوينكم سيدي الكردودي، فله إجازات من علماء كبار درسوا في المشرق والمغرب، وتتلمذ عليه طلبة نزهاء حققوا تراثه، ومنهم طالب كان قد أعاد تحقيق المخطوط المسروق منه. أما أستاذنا الموقر هذا الذي ارتكب الفعل الشنيع فقد تلقى تكوينا فرنجيا في مدارس عصرية، وكان قبل ارتكابه هذه المعصية الكبرى مشهورا بصورة الباحث المجد، مزهوا بنفسه، بالرغم من أن أطروحته وهي تحقيق لمخطوط يعود لفترة زمنية سابقة لعهدكم، هي كذلك تتضمن نقلا حرفيا من أطروحة لديبلوم الدراسات العليا لأستاذ آخر من جامعة أخرى، ولم يكن يحيل عليه في الغالب، ولم يكن أحد يعلم ذلك إلا قلة من الأساتذة، بيد أنهم كانوا يتسترون عليه رأفة عليه من صدمة الفضيحة. كل هذا قد يتم تجاوزه، وقد يعتبره زمانكم أمرا مقبولا، مادام أنه ديدن الكثيرين ممن ينسجون على منواله في الجامعة المغربية، لكن ما هو غير مقبول في زماننا هذا أن يعمد هذا الاستاذ إلى نشر مخطوطات باسمه، وهي أعمال كتبها بالنيابة عنه آخرون، ذلك أنه يفرض على طلبته الذين يؤطرهم في الماستر تحقيق أجزاء مما هو بصدد نشره، ويختار لذلك من يراهم نجباء، فكل مخطوطاته رقنها طلبته وحققوها، وهو لا يعمل إلا على نشرها باسمه، وقد أشار بنفسه إلى هذه التهمة التي ستظل تلاحقه كما لاحقته سابقا بخصوص تحقيقه المنتحل لأجوبة أحد الفقهاء عن قضية مشهورة بالأندلس، إذ كشف بنفسه عن أسماء بعض طلبته ممن اشتغلوا على هذا المخطوط في مقال له صدر في الجزء الثالث من كتاب أبحاث مشتركة صدرت عن وزارة الثقافة، حيث أورد أسماء من قاموا بتحقيق أبواب كثيرة من المخطوط الذي ينتظر أن يصدر باسمه، والمخطوط المذكور ضخم جدا، ويتكون من حوالي 390 لوحة ونيف، وقد قسمه على طلبته بالتساوي، والرسائل المناقشة تحت إشرافه  عن هذا المخطوط الضخم لا تزال في مكتبة الكلية تشهد على فروسيته في هذا المجال، ومن بين الذين أورد أسماؤهم في مقاله المذكور فلان وفلان وفلان، بينما لم يذكر أسماء آخرين من طلبته ممن حققوا أجزاء من هذا العمل الذي سطا عليه في النهاية وهم علان وعلان وعلان، وهو قيد النشر الآن، وهذا التحقيق كان قد قدمه في إطار مشروع عمل بشراكة مع إحدى الوزارات مقابل مبلغ مالي ضخم، إلا أنه رُفض في النهاية، وحتى الجزء الذي صدر باسمه عن تحقيقٍ لتفسيرِ الكتاب المقدس عندنا اشتغل عليه عشرات من طلبته كما هو معلوم لدى القاصي والداني في بلدتنا النائية، اشتغلوا عليه رقنا وتخريجا، منهم طلبة أعرفهم شخصيا، وقد حكوا لي عن الموضوع، وقدموا لي أدلة قاطعة تبين أن استاذنا يعمل دائما على استغلال جهد طلبته وينسب ذلك لنفسه، وخير دليل على ما نقدمه انتحاله لترجمة كتاب أعجمي، عن طائفة دينية بإحدى المدن المحتلة، والتي نتمنى أن تعود لأرض الوطن. وهذا الكتاب صدر في النصف الثاني من القرن العشرين وأحدث ضجة كبرى، وهو في الأصل ترجمة أنجزتها طالب(ة) تحت إشرافه، ونال (ت) به شهادة جامعية، باعترافه، فقد ذيل تقديمه بالتنويه بمجهود(ه)ا، وذكر(ها)ا بالاسم. استوقفه الكردودي مستنكرا: “كيف يجوز لأستاذ أن ينشر ترجمة نص سبق وأن ترجمته طالب(ة) تحت إشرافه، أليس هذا بهتان عظيم، فهذا السلوك –في نظرنا- يتعارض وأخلاقيات البحث والمهنة والواجب الذي حدثتمونا عنه سابقا”. قال له الطالب”: إنه ذكر بنفسه اسم الباحث(ة) التي سبقته للترجمة، لكنه لم يشر إلى أن هذا العمل تم تحت إشرافه وبموافقته”.

اجتمعت أسئلة كثيرة في ذهن الفقيه الكردودي وبدأ يتساءل: “إذا كانت النصوص التي يمكن أن يشتغل عليها الباحثون كثيرة جدا في عصركم، فلماذا اختار المشرف ترجمة عمل ترجم تحت رعايته وبدعمه، بل إن العمل نوقش من طرف لجنة علمية كبحث جامعي كما ذكرت لي، ونالت بموجبه شهادة علمية، فما الجديد الذي يمكن أن تأتي به ترجمة عمل مُترجم أصلا، ولماذا يتم بذل جهد جديد، والعمل مرقون وجاهز. كان من الأولى على المشرف اقتراح فكرة الطبع على الطالب(ة) التي بذلت الجهد الأول، فمن المعروف أن الأساتذة يشجعون طلبتهم النجباء على طبع أعمالهم، حتى لا تبقى رهينة رفوف الكليات، بل ومن المحبذ تخصيص وقت لكتابة تقديم للعمل إن كان يستحق النشر، وهو ما يُفترض أن يقوم به هذا الأستاذ على العادة المتبعة في الغرب، وفي البحث العلمي الأكاديمي عندكم كما حدثتني وبينت لي، فلماذا اختار المشرف هذا النص بالضبط؟”.

أجابه الباحث: “هذه أسئلة وجيهة يطرحها أيضا باحثون من عصرنا، وليجعل كل منا نفسه في موقع هذه الطالب(ة) أو هذا الطالب، تصور نفسك يا سيدي الكردودي تنجز تحقيقا أو ترجمة لنيل شهادة جامعية (ماستر أو دكتوراه)، ثم يُناقش عملك ويثمن، وتنال شهادة، ثم تفاجأ بعد مرور سنوات بصدور عمل مكرر عن نفس موضوعك. بالطبع أول سؤال ستطرحه هو عن هوية من قام بهذا العمل؟، فإن قيل لك مثلا: لقد قام بذلك باحث آخر لا يعلم بمناقشتك ولا ترجمتك، أو قيل لك إن العمل الجديد هو لأستاذ أو كاتب من دولة أخرى لا علم له بأن هناك من ترجم هذا العمل قبلا، أو أن هناك من اطلع على عملك وارتأى إعادة الاشتغال عليه لما وجده فيه من نواقص تعوره، وقد قدم دراسة نقدية في عملك، لا شك أنك ستتفهم ذلك وتتقبله بصدر رحب وبروح رياضية. إذ أحيانا يحدث هذا في مجال البحث، خاصة في مجال التحقيق والترجمة، حيث تظل الأعمال الأولى مرقونة وغير معروفة أو ناقصة في جوانب معينة. في مثل هذه الحالة الأمر مقبول وعادي في مجال العلوم الإنسانية، إذ كل شيء قابل للنقد والمراجعة، لكن أن تجد عملك وقد صدر باسم الأستاذ المشرف عليه سابقا، فهذا لا شك سيشكل صدمة نفسية رهيبة وإحساس بالغبن قد يُغفر لكنه لن ينسى أبدا، لأنه صدر عن الذي يفترض فيه الثقة وحفظ الميثاق. ولهذا لن نكون متحاملين إن نعتنا سلوكه بالعمل المشين، والذي لا شك ينتقص من المشرف لا من الباحث (ة)، إذ لا يمكن من الناحية الأخلاقية ولا العلمية تبرير هذا النهج، ولم يسبق أن سمعت عن مشرف يشتغل بعد سنوات على نفس عمل طالبه أو طالبته، خاصة وأن الأمر يتعلق ببحث لنيل شهاد جامعية معترف بها لدى الكلية والجامعة والوزارة.

 إن ترجمة عمل مرة ثانية يحتاج لتقديم مبررات، من قبيل هل العمل السابق يتضمن نواقص معيبة؟ لنفترض أن ذلك صحيح، ألم يكن هو المشرف على العمل؟، فكيف يوافق على مناقشة موضوع يتضمن هفوات تعوق قبوله؟ إذ في هذه الحالة وجب رفض العمل بتقرير في الموضوع أو تقديم ملاحظات نقدية ليتم الاشتغال وفقها مرة ثانية. وهذه هي مهمة المشرف الحقيقي الذي يتتبع طلبته وأعمالهم من البداية إلى النهاية؟ ثم إن هذا مجرد افتراض لا غير، إذ لو كان هذا الأمر صحيحا لكان من الواجب على المشرف حين غامر بسمعته للاشتغال على نفس الترجمة بضرورة كتابة تقرير مفصل عن الترجمة السابقة، وتوضيح نواقصها ومكامن الضعف فيها، بيد أنه لم يفعل، وإن كان هذا لا يستقيم علميا ولا عمليا ولا أخلاقيا لكونه هو من أجاز العمل للمناقشة، إذ سيقع في التناقض، فكيف له أن ينتقد عملا بملاحظات وهو من أجازه ويتحمل مسؤولية جودته، لقد كان عليه أن يفعل ذلك حين كان مشرفا على الموضوع.

  ونذكركم سيدي الفقيه الكردودي أن التقديم الذي خصه هذا الأستاذ للترجمة لم يقدم فيه أي مبررات أو أسباب لاختياره إعادة ترجمة كتيب ترجمته طالبت(ه)، فلا نواقص أشار إليها ولا ملاحظات دعته لهذا الخيار الخاطئ، بل على العكس تماما، فهو نوه بعملها، وهذا يطرح أسئلة بشأن الدواعي النفسية والأسباب الخفية وراء هذا الفعل البشع، مع أن هذا غير مستغرب في مساره الأكاديمي، فهناك سوابق ولواحق لهذا السلوك، غير أن هذا ليس هو الهدف الأساسي هنا، إذ حبذت أن أقدم لكم سياق ما حصل بالضبط لتجنب مثل هذه الممارسات التي تطعن في مصداقية الجامعة والأبحاث التي تقدم للمناقشة، ولكم واسع النظر لتكوين وجهة نظركم في هذه النازلة سيدي الفقيه”.

 أجاب الفقيه الكردودي متأسفا: “لو كانت هناك دوافع علمية ونوايا حسنة من المشرف الذي حدثتني عنه، وكانت هناك ضرورة ما لتدخله في العمل، لتبين ذلك من السلوك الواجب اتخاذه، فقد كان هناك خياران لا ثالث لهما أمامه، الأول: أن يقترح مراجعة العمل بنفسه، على أن تصدر الترجمة باسميهما، اسم الباحثة مرفوق باسم المشرف مراجعا لا غير، ثانيا: كان بإمكانه أن يقترح على الطالبة نشر العمل بشكل مشترك على أن يبذل ما في وسعه لتنقيحه وإعادة صياغة ما يراه ضروريا، إذ بالتأكيد ستكون الطالبة قد بذلت جهدا محمودا، وبذلك يخرج العمل إلى الوجود في أفضل حلة. سيكون للمشرف آنذاك فضل التشجيع والمشاركة الإيجابية في البحث، لكنه للأسف اختار الطريق المغاير، حيث نشر ترجمة لعمل سبق وأن اشتغلت عليه طالبت(ه)، مما يطرح علامات استفهام كبرى عن الضوابط القانونية والعرفية والميثاق الأخلاقي الذي يجمع المشرف بطالبه عندكم في زمانكم هذا، فهو يبقى مسؤولا على البحث بقوة قانونكم الوضعي، ومن حق الطالب على مشرفه التأطير والتتبع كما علمت، والسهر على المراجعة والتتبع من خلال الاطلاع المستمر”.

انتهى لقاء الباحث مع الكردودي في النهاية إلى أن للطالب حق الاستقلالية بعمله أو مشاركة اسم المشرف معه إما بالمراجعة أو التقديم برغبته، ومن واجب الأستاذ الحفاظ على أخلاقيات مهنته. وحين حددا اللقاء المقبل لاستكمال سرد باقي المعطيات عن سرقات علمية أخرى، سأل الكردودي الباحث: “وما مصير هذا الأستاذ المذكور هل طرد من الجامعة؟” أجابه الباحث: “كلا كلا، لازال يدرس بها، وقد أسندت له مهمة كبيرة رغم ذلك، فقد عين رئيسا للجنة تختار من يساعده في التدريس معه بالجامعة، فاستعان في تكوينها بصديقين قديمين له، وهدفه منح المنصب لشخص بعينه، وأقصى بذلك ملفات وازنة حقدا وحسدا منه، فهو يغيضه من ينشر في الكوازيط العلمية ومن يخط الكتب والمقالات المحكمة، وقد انتهت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، وكان من أمره ما كان، إذ ساءت سمعته، وفقد منصبا كبيرا كان قد ترشح له، واستغل الفرصة غريمه، الذي استفاد من تلك الظروف لصالحه، وضرب ضربته القاضية َمستغلا كل صغيرة وكبيرة دون أن يهتم لأي أحد آخر، وقد لعب على كل الأوتار لتحقيق حلمه، في حين خفت حضور صاحب السطو الذي أطاحت به سلوكاته الرعناء مرار، وغدا إلى وظيفته القديمة ونقصد استغلال طلبته لرقن مزيد من المخطوطات لعله يستثمرها، وكل الأساتذة من زملائه يبتسمون في وجهه، لكنهم في الخفاء يتهامسون بشأن سرقاته العلمية. توقف هنا الباحث وألح عليه الفقيه الكردودي أن يدون له في الكاغيط المرجع الذي سيعتمده في نقل هذه الحكاية في تاريخه المرتقب، إذ يبدو أنه تأثر بمناهج الباحث الحديثة، فقال له هذا الأخير والابتسامة تكسو وجهه: اكتب عندك: فلان بن فلان، قصتي مع اللجان والمباريات الفاسدة، ط1 / 2022، ص 128، وهو كتاب قيد الطبع، وهذا أول نص تحصل عليه حصريا.

Share
  • Link copied
المقال التالي