شارك المقال
  • تم النسخ

انتخابات في ظل هامش قرار محدود للمؤسسات المنتخَبة بالمغرب

يستعد المغرب لإجراء انتخابات برلمانية ومحلية في 8 شتنبر تفرز حكومة جديدة في ظل هامش قرار محدود لدى المؤسسات المنتخَبة، وتحدد مستقبل حزب العدالة والتنمية الإسلامي على رأس الجهاز التنفيذي.

للمرة الأولى في تاريخ المملكة يدعى قرابة 18 مليون مغربي لانتخاب نواب الغرفة الأولى للبرلمان(395)، وأعضاء مجالس الجماعات والجهات في يوم واحد. ويأتي ذلك بعد انقضاء ولاية الائتلاف الحكومي الحالي الذي قاده حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية منذ وصوله للسلطة في سياق الربيع العربي العام 2011، من دون تولي الوزارات الأساسية.

إذا كان الحزب الإسلامي المعتدل يراهن على الاستمرار في رئاسة الحكومة، فإن إقناع نحو 18 مليون مغربي بالتوجه إلى مكاتب الاقتراع “يبقى الرهان الأول” في هذا الاستحقاق بالنسبة لحوالى 30 حزبا مشاركا في هذه الانتخابات، وفق المحلل السياسي مصطفى السحيمي.

ويضيف “ستكون مفاجأة سارة إذا بلغت نسبة المشاركة 45 بالمئة”، علما أنها استقرت في حدود 43 بالمئة خلال انتخابات 2016، مشيرا إلى أن جمع الانتخابات البرلمانية والمحلية في يوم واحد يهدف أساسا إلى رفع نسبة المشاركة.

في غياب استطلاعات رأي لتوجهات الناخبين كانت نتائج دراسة حول مؤشر الثقة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات في فبراير، أظهرت أن 64 بالمئة من المستطلعة اراؤهم لا ينوون المشاركة في هذه الانتخابات، بينما صرح 98 بالمئة منهم بعدم انتمائهم لأي حزب سياسي.

“هامش القرار” 

يرى الباحث في المعهد رشيد أوراز أن من بين تفسيرات هذه النظرة السلبية للعمل السياسي، “كون المغرب لم يصل بعد إلى مستوى الديمقراطيات العريقة التي يدرك فيها المواطنون أن الأحزاب السياسية تلعب أدوارها كاملة وقادرة على خدمتهم”.

بدوره يعتقد أستاذ العلوم السياسية أحمد بوز أن النقاش حول جدوى الانتخابات في الوصول إلى السلطة لم يتم تجاوزه بعد رغم إقرار دستور 2011، ولا يستبعد أن يرتبط تراجع الاهتمام بها “بوجود شعور بضعف هامش القرار لدى المؤسسات المنتخَبة، وعدم جرأة المنتخَبين في ممارسة كل السلطات التي يتيحها لهم الدستور”.

تاريخيا مثل الخلاف حول سلطات الحكومة والبرلمان إزاء دور القصر الملكي المحور الرئيسي للصراع السياسي في المغرب على مدى عقود، بين المؤسسة الملكية والمعارضة اليسارية خصوصا.

في العام 2011، أقرت المملكة في سياق الربيع العربي، دستورا يمنح الحكومة والبرلمان صلاحيات واسعة أقرب إلى معايير الملكية البرلمانية على النمط الأوروبي، مع الاحتفاظ بأدوار مركزية للملك.

رغم الصلاحيات الموسعة لرئيس الحكومة بقيت معظم القرارات الكبرى تصدر عن مبادرات ملكية في القطاعات الأساسية مثل الفلاحة والطاقة والصناعة وتدبير المياه، من دون أن تتغير بالضرورة بتغير الحكومات.

لكن أستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي يرى أن “الأساسي اليوم هو ألا أحد بمقدوره الوصول إلى مراكز القرار دون المرور عبر الانتخابات، أما التوازنات بين المؤسسات فتخلقها الممارسة اليومية وتغيرات موازين القوى”.

تأكدت أهمية المبادرات الملكية في مشاريع كبرى أيضا خلال التصدي لجائحة كوفيد-19 وتداعياتها، إذ أعلن الملك محمد السادس خطة للإنعاش الاقتصادي صيف 2020 بما يقارب 12 مليار دولار، كما أعلن مشروعا غير مسبوق لتعميم التغطية الطبية والاجتماعية في أفق العام 2025.

في هذا الصدد، يبرز قادة حزب العدالة والتنمية إنجازات الحكومة التي ترأسها في دعايته الانتخابية، بينما تواجهه بعض وسائل الإعلام المحلية بقولها إنها “مشاريع ملكية”.

“حسم الاختيارات” 

ويأمل خصوم الحزب، بمن فيهم الفرقاء الذين شاركوه تسيير الحكومة خلال السنوات الماضية، طي صفحة الإسلاميين. لكن هذه المنافسة تجري من دون بروز استقطابات سياسية واضحة حول البرامج والاختيارات.

مهما كانت هوية الحزب الذي سيفوز بالانتخابات ويشكل الحكومة المقبلة، من المنتظر أن تتبنى جل الأحزاب السياسية ميثاقا من أجل “نموذج تنموي جديد”، يدشن “مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات”، وفق ما أكد الملك محمد السادس في خطاب مؤخرا.

يحدد هذا النموذج، الذي أعدته لجنة خبراء كان عينها الملك، الاختيارات الكبرى لإطلاق عجلة الاقتصاد وتقليص الفوارق الاجتماعية العميقة في المملكة في أفق العام 2035. وهو ما يقلل أكثر من أهمية الانتخابات في تحديد توجهات الحكومات المقبلة، وفق بعض المحللين.

في هذا الصدد يعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد شقير أن النموذج التنموي الجديد “حسم الاختيارات الكبرى”، ويجعل من الانتخابات المقبلة مجرد “آلية لإفراز نخب سياسية جديدة قادرة على تفعيله”.

بدوره يرى المحلل السياسي مصطفى السحيمي أنه “تحول نوعي (…) لكنه يفرض على الأحزاب تبني برامج متشابهة ما يفاقم التباعد بين الناخبين والمؤسسات”.

في المقابل يوضح الطوزي وهو أيضا عضو اللجنة التي أعدت النموذج التنموي الجديد أن هذا المشروع “يحدد الاختيارات الاستراتيجية فقط ولا شيء يمنع الأحزاب السياسية من إعادة ترتيب الأولويات”، مذكرا أن هذه الوثيقة “لم تأت من فراغ بل ساهمت فيها الأحزاب السياسية أيضا”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي