شارك المقال
  • تم النسخ

الهوية المغربية والنشيد الوطني.. هل ثمة حاجة لمراجعة النشيد الوطني للمملكة المغربية؟

الهوية المغربية في دستور 2011

جاء في الفصل الخامس من الباب الأول من دستور 2011: 

  ”تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.  وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.

     تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

   تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.

   يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره.”

     لقد جاء هذا النص، الذي يمثل نقلة نوعية في قضية الهوية المغربية والعدالة اللغوية، من جهة، ثمرة لنضالات  القوى الحقوقية الأمازيغية بشكل خاص، كما جاء، من جهة أخرى وبشكل أساسي، نتيجة لوعي السلطات العليا في البلاد بأهمية الرأسمال الرمزي وبالتراث اللامادي في التنمية بمختلف مظاهرها. وهو ما أكدته مجموعة من الخطب الملكية، وجسده نص النموذج التنموي الجديد  (2019) بشكل واضح وجلي.

  لكن بعد مرور حوالي ثلاثة عشرة سنة على دستور 2011، ورغم صدور القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية (وقد مر على صدوره حوالي أربع سنوات)، والقانون التنظيمي رقم 04-16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية (وقد مر على صدوره أكثر من ثلاث سنوات)، فإن أغلب الأهداف المرسومة والنوايا المعلنة، سواء في نص الدستور أو في القانونين التنظيميين، ما زالت حبراً على ورق. ورغم أهمية القانونين المشار اليهما – نظرياً على الأقل- فإنهما أهملا عنصراً أساسياً، ألا وهو النشيد الوطني الذي لم يعد يساير روح الدستور الجديد للمملكة خاصة في ما يتصل بالعدالة اللغوية. وهذا ليس إلا مظهراً من مظاهر فشل الحكومات المتعاقبة في تدبير هذا الملف الاستراتيجي والهام ماديا ً ومعنوياً.

الأناشيد الوطنية ومطلب العدالة اللغوية

  ارتبط ظهور الأناشيد الوطنية، كما هو معلوم، بظهور الدولة-الأمة في القرن التاسع عشر الميلادي. وهي عبارة عن   مقطوعات موسيقية غالباً ما تكون مصحوبة بكلمات قليلة منتقاة بعناية، بحيث تكون انعكاساً لتاريخ وعادات ومعتقدات شعب معين. علاوة على ذلك، فهي، إلى جانب العلم الوطني، رمز يذكي المشاعر الوطنية لدى المواطنين ويذكرهم بعظتهم وأمجادهم. من جهة أخرى، يُعد عزف النشيد الوطني، الذي أصبح بروتوكولاً دولياً، مناسبة  لاستنهاض الهمم وتأجيج الروح المعنوية لدى المواطنين.

  يجب أن تكون كلمات النشيد الوطني، إذن، معبرة عن الانتماء الرمزي المشترك والوحدة الوطنية والتضامن بين     ابناء الوطن مهما تعددت وتنوعت ألسنتهم تجسيداً للعدالة اللغوية. وجدير بالذكر أنه في بعض المناسبات، الرياضية منها خاصة، تعلو بعض أصوات الاحتجاج والصفير لبعض المجموعات تعبيراً عن عدم الرضى بهذا النشيد، بدعوى   أنه لا يمثلها. وفي هذا السياق، قد تضطر دولة من الدول لمراجعة النشيد الوطني لكون كلماته لا تحترم مبدئاً من     المبادئ الدستورية أو قيمة من القيم  الديموقراطية. وهو ما ينطبق على حالة النشيد الوطني الكندي؛ إذ أنه  عام 2018 تم التصويت في البرلمان على مشروع قانون يقضي بتغيير كلمات النشيد الوطني في صيغته الإنجليزية      لتجنب التمييز بسبب الجنس. كما ينطبق على الحالة الاسبانية التي يُعد نشيدها الوطني المعروف شعبيا ب”المسيرة    الملكية” حالة شبه استثنائية؛ النشيد الوطني الإسباني معزوفة موسيقية بدون كلمات، وهي خصوصية تلفت الانتباه لأن هذا يحدث في عدد قليل جدًا من دول العالم (أربعة فقط من الأناشيد الوطنية على هذا الكوكب لا تحتوي على كلمات: النشيد الإسباني، ونشيد كوسوفو، ونشيد البوسنة والهرسك، ونشيد سان مارينو). 

    لماذا كان النشيد الوطني الاسباني بدون كلمات؟

الجواب ببساطة هو غياب شرط الاجماع في بلد متعدد اللغات ومتنوع الخصوصيات، وهو حالة شبيهة، إلى حد بعيد، بحالة المغرب. ولأن اسبانيا اختارت النهج السياسي الديموقراطي، فإنها احتفظت بنشيدها الوطني بدون كلمات.       وتجدر الاشارة إلى أنه كانت هناك عدة محاولات (في 1870- و1908) لإدخال الكلمات على هذا النشيد. وآخر محاولة، في هذا الاتجاه، كانت عام 2008 عندما قامت اللجنة الأولمبية الاسبانية بإجراء مباراة من أجل كتابة كلمات للنشيد  الوطني الاسباني. وقد فاز  في المسابقة فعلا فنان وشاعر يدعى باولينو كوبيرو Paulino Cubero . وتقول كلمات النشيد الذي كتبه:

“عاشت إسبانيا! فلننشد جميعاً، بأصوات مختلفة وبقلب واحد: عاشت إسبانيا! من الوديان الخضراء إلى البحر الشاسع، لننشد نشيد الأخوة. أحبوا الوطن الذي عرف كيف يحتضن تحت سمائه الزرقاء شعوباً حرة. المجد للأبناء الذين يمنحون للتاريخ العظمة والديمقراطية والسلام”.

وهي الكلمات التي انتهت إلى سلة المهملات، ولم يكتب لها أن تصل البرلمان المخول له المصادقة قبل النشر في الجريدة

الرسمية. لقد باءت كل المحاولات بالفشل.

النشيد الوطني المغربي ومطلب التجديد

من نافلة القول، في ضوء ما سبق، إن النشيد الوطني المغربي، الذي صاغ كلماته الشاعر علي الصقلي الحسني،  وأبدع ألحانه الموسيقار الفرنسي ليو مورغان، وتم اعتماده رسميا في عام 1956 بعد استقلال المغرب، لم يعد يساير روح دستور 2011 الذي يعترف، بشكل صريح، بالعدالة اللغوية.

لقد لاحظ كل المغاربة أنه عندما يُنشد النشيد الوطني، لا تُردد كلماته  إلا من طرف أعداد محدودة من الأشخاص، نظراً إما لطول تلك الكلمات أو لغموضها من جهة، أو بسبب الجهل  باللغة العربية من طرف شرائح واسعة من الشعب المغربي من جهة أخرى. ولأن اللغة مسكن الكائن، فإن هناك من يحس، والحالة هذه، بنوع من الاقصاء  واللاعتراف.

جدير بالإشارة إلى أن النشيد الوطني في الكثير من المناسبات، العسكرية والاستقبالات الملكية خاصة، يعزف بدون   كلمات وتكون هالته أكثر وقعاً وجاذبية. كما تجدر الاشارة أيضاً إلى أن النشيد الوطني، في أصله، كان عبارة عن لحن فقط بدون أي كلمات، وذلك إلى أن تم كتابة الكلمات بواسطة الشاعر علي الصقلي الحسيني في عام 1970 بطلب   من الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة صعود المنتخب المغربي لكرة القدم إلى كأس العالم في المكسيك. وقد كان   ذلك بهدف أن ترددها الجماهير، أثناء عزف النشيد، تشجيعاً للاعبين وإثارة لحماستهم من أجل الفوز.

وتقول كلمات النشيد الوطني التي كتبها على الصقلي: ” منبت الأحرار – مشرق الأنوار – منتدى السؤدد وحماه –      دمت منتداه وحماه – عشت في الأوطان – للعلى عنوان – ملء كل جنان – ذكرى كل لسان – بالروح – بالجسد – هب فتاك – لبى نداك – في فمي وفي دمي – هواك ثار نور ونار – إخوتي هيا – للعلى سعيا – نُشهد الدنيا – أنّا هنا نحيا – بشعار – الله – الوطن – الملك.

على سبيل الخاتمة

  بالالتفات إلى ما سبق، يتبين أن مراجعة النشيد الوطني المغربي بالاحتفاظ بصيغته الموسيقية دون كلمات، من شأنه تحقيق مطلب “العدالة اللغوية” انسجاماً مع الفصل الخامس من الباب الأول المذكور أعلاه، والذي يندرج ضمن مراجعة السياسة اللغوية والثقافية على قاعدة مطلبين أساسيين هما: الانسجام والتكامل بما يقوي تماسك النسيج اللغوي والثقافي والتراثي للمغاربة قاطبة.

*أستاذ الفلسفة بالجامعة وباحث في التراث

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي