Share
  • Link copied

الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية المغربي.. ما لها و ما عليها

 أثار موضوع الهزيمة الساحقة التي مني بها حزب “العدالة و التنمية” الإسلامي في المغرب موجة من النقاشات و السجالات، التي غلب عليها الطابع الذاتي وغاب عنها الطابع الموضوعي ، و تباينت بين الرأي و الرأي المضاد .

    يزعم البعض أن المحرقة ـ كما يسميها البعض ـ هي نتيجة طبيعية للممارسات “الإجرامية” التي اقترفها هذا الحزب في حق المغاربة، و هي رد طبيعي من قبل المغاربة على الحزب الذي تنكر لهم، و تكبر و تجبر، و يزعم الأخرون ممن ينتمون إلى هذا الحزب ـ أو يتعاطفون معه ـ أن هذه الهزيمة القاسية ليست مفهومة و ليست مبررة. أي أنها مؤامرة حيكت خيوطها و دبرت عمدا للنيل منه و تدميره.

   و إذا كان مكمن الخطأ هنا هو تبني إحدى المقاربتين دون الأخرى، و الترويج لإحداهما دون الأخرى، فإن الصحيح أن المقاربتين كلتيهما ضروريتان و لازمتان، لأن هذا الحزب تمت معاقبته فعلا، من قبل الشعب للخيانة التي اجترحها في حقه، إذ اصطف إلى جانب الطبقة الفاسدة و مرر قوانين أقل ما بقال عنها أنها إجرامية و مجحفة في حق البسطاء و الفقراء، و وقع اتفاقية “التطبيع” مع الكيان الصهيوني، و لأن النظام في المغرب، فعلا استدرجه و نصب له فخا فقضى عليه ودمره، وفق خطة محكمة و دقيقة ، و هي محكمة ودقيقة ،لأن النظام أحكم وضعها و أحكم تطبيقها و تنفيذها، فكشف من خلالها حقيقة هؤلاء المناضلين” الكبار و فضح نواياهم، و نشر غسيلهم على الملأ و أمام الناس أجمعين، فأخزاهم.

  و إذا كانوا قد أجرموا في حق أنفسهم، و في حق الشعب، الذي وثق بهم و علق آماله عليهم، و هذا حق لا مرية فيه، و إذا كانوا قد مكنوا للنظام حتى قضي عليهم و دمرهم بما أبدوه من الطمع و الجشع و الحرص على الفتات الذي رماه ـ و يرميه ـ لهم، و هذا أيضا حق لا مرية فيه، فإنه ، وتبعا لذلك، لم يعد من حقهم أن يلوموا أحدا على النهاية الكارثية التي انتهوا إليها، أو أن يلقوا باللائمة على النظام، و ليس من حق أي واحد من صقور “قياداتهم” أن يلوح بالعودة إلى الشعارات “الثورية” و تبني الخطابات التصعيدية، لأن النظام تمكن منهم و حرمهم من قاعدتهم الجماهيرية، و تمكن من عزلهم، و هو إنما تمكن منهم لأنه وعى قابليتهم لذلك، و أدرك تفاهة طموحاتهم و وضاعة أحلامهم، و لكنه مع ذلك سلمهم الثمن وأعطاهم  جزء لا بأس به من الكعكة، فحسنوا شروط حياتهم و ضمنوا تقاعدا مريحا لهم، و لأبنائهم و لأحفادهم.

  يحكي أحدهم أن الحسن الثاني كان يكن احتراما كبيرا لليسار، وكان يقدرهم، لكنه بمجرد أن رأى تصرفهم و حرصهم على الدنيا و تكالبهم عليها، سقطوا من عينيه و احتقرهم، و قال ـ فيما معناه ـ أنه لو علم أنهم على تلك الحال لمكن لهم قبل ذلك بزمان، لأن النظام في الحقيقة يخشى الأسماء النقية و النظيفة حقيقة، و لا يحسب حسابا لمن يتحينون الفرص للتنكر للقيم التي عُرفوا بالدعوة إليها، و الانقلاب على الشعارات التي كانوا يرفعونها في وجه النظام.

  إن “الإسلاميين” ـفي الحقيقةـ لا يختلفون عن غيرهم، و “مناضلو”هم ـ إلا القليل منهم ـ إنما يلتحقون بعنوان “النضال” فقط من أجل لفت انتباه النظام ليستخدمهم و ليلحقهم به، و تاريخهم يشهد على ذلك. إنهم يستخدمون “كل شيء” في سبيل دنيا تصاب أو امرأة تنكح، و أسطر هنا تحت هذه العبارة: يستخدمون كل شيء، بما في ذلك الدين الذي أكاد أجزم أنهم لا يؤمنون به إلا قليلا، و أنهم إنما يستثمرونه للدنيا، بدليل أن الشعارات الدينية التي يرفعونها، إنما  يرفعونها من أجل ممارسة السياسة، أي من أجل الدنيا و ضمان أسباب التمتع بها، و أنا استغرب أن يغضبوا من وصفهم ب”تجار الدين” و هم ـ في الحقيقة ـ كذلك “تجار دين” و “تجار دين” بامتياز، و إلا كيف تعرف المغاربة على “زعامات” الحزب و “قاماته” ؟ كيف تعرف المغاربة على أسماء الحزب و أعلامه؟ هل تعرف عليهم المغاربة ك”منظرين استراتيجيين” و “أصحاب نظريات” في البناء الحضاري؟ الواقع أن المغاربة لم يتعرفوا على تلك الأسماء إلا ك “مدافعين” عن “الهوية” و الإسلام و قضايا المسلمين و مآسيهم. و تعرفوا عليهم بارتدائهم الزي التقليدي الذي يرمز إلى “الأصالة” و الدين، و لا يخفى اليوم ما يعنيه الاستثمار في خطاب “الهوية” و “الأصالة”    إن المطلوب اليوم هو أن يقدم الحزب كشف الحساب، و أن يقوم وقفة نقدية “ثورية” و “حقيقية” يدافع بها عن نفسه و يرافع فيها ذودا عن قيمته “التاريخية”، و تمكينا لعناصره و أفراده من المعطيات التي تحفظ لهم توازنهم و ثقتهم في “قياداتهم”  و أن يتحدث فيها عن “الأوراش الإصلاحية.

Share
  • Link copied
المقال التالي