في سنة 2009 -قبل ان تنشتر وسائل التواصل الاجتماعي- حدثت أزمة دبلوماسية كبيرة بين مصر والجزائر، والسبب كان مقابلة في كرة القدم، نعم، مقابلة في كرة القدم.
كانت مقابلة حاسمة بين مصر والجزائر ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم بجنوب افريقيا 2010، وهي المقابلة التي نظمت في السودان، وفازت بها الجزائر.
فقبل المقابلة في السودان نظمت مقابلة الإياب بين المنتخبين في مصر (فازت الجزائر في مقابلة الذهاب)، لكن الإعلام المصري شن حملة شعواء على الجزائر، ولإن الإعلام المصري كان الإعلام الأقوى في تلك الفترة، فقد كان تأثيره كارثيا، وتسببت حملة شيطنة الجزائر قبل المقبلة في هجوم مشجعين مصريين على حافلة المنتخب الجزائري والاعتداء عليه.
وتواصل الهجوم المصري على الجزائر بشكل غير مسبوق قبل المقابلة الفاصلة في السودان، هجوم كان له رد فعل عكسي تمثل في دفع غالبية الشعوب العربية وعلى رأسهم المغاربة لمساندة الجزائر، وبالفعل فازت الجزائر بالمقابلة الفاصلة في السودان، مما شكل سكبا لمزيد من البارود على النار المشتعلة أصلا.
وتعمقت الأزمة بعد هجوم الرئيس الأسبق حسني مبارك على الجزائر من فوق منصة البرلمان المصري، وكذلك فعل ابنه جمال مبارك الذي اعتبر تعرض أحد المشجعين المصريين لاعتداء في السوادان بمثابة اعتداء على مصر كلها!!!
كما استمر الإعلام المصري في هجومه الكاسح على الجزائر، هجوم لم يسلم منه حتى السودان، الأمر الذي دفع هذا الأخير للاحتجاج على الأمر دبلوماسيا، واستمرت الأزمة لعدة شهور، وتطورت لأزمة اقتصادية بين البلدين، وأزمة انسانية بعد عودة المهاجرين من كلا البلدين خوفا من الاعتداء عليهم!!!
في الظاهر كانت الأزمة لها علاقة بكرة القدم، لكن الحقيقة هي أن كرة القدم وظفت في السياسة، فالنظام المصري كان يعاني من أزمة شرعية سياسية وأزمة اقتصادية متصاعدة، وكان مشروع توريث الحكم لجمال مبارك على قدم وساق، وأمام فشل النظام المصري في الاستجابة للمشاكل الحقيقية للشعب المصري فقد لجأ لكرة القدم وخلق عدوا خارجيا للتغطية على الأزمة الداخلية، وتم تقديم الرئيس مبارك وابنه جمال كزعيمين شعبيين ومدافعين عن كرامة المصريين!!!
اليوم يعيد التاريخ نفسه اليوم مع النظام الجزائري المأزوم، الذي يريد تكرار تجربة مصر مع الجزائر سنة 2009، فأمام أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام الجزائري، والأزمة الاقتصادية التي تمر منها الجزائر، بالرغم من مواردها الطاقية الضخمة، فلم يجد النظام هناك سوى الاستنجاد بكرة القلم للتغطية عن أزماته، وخلق عدو وهمي ممثل في المغرب يحمله كل تعثراته، حتى الرياضية منها.
لكن النظام الجزائري نسي أن نظام مبارك لم تنفعه كرة القدم في تجاوز أزماته البنيوية، بحيث لم تكد تمر سنتان على أزمته مع الجزائر حتى داهمته انتفاضة يناير 2011، التي انتهت بإسقاطه من رئاسة مصر، وعرت حقيقة الأزمة التي كانت تعاني منها مصر، ومعها فشل مشروع توريث الحكم لابنه مبارك.
فكرة القدم لن تنفع النظام الجزائري المأزوم في التغطية على أزمته البنيوية، وأزمة الشرعية التي يعاني منها، فقد تستطيع التغطية على الفشل الداخلي لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع التغطية على ذلك الفشل كل الوقت.
تعليقات الزوار ( 0 )