شارك المقال
  • تم النسخ

المغرب يُودّع 2020 بانتصَارات دِبلوماسيّة ناعمة.. انتهتْ باعترافٍ أمركي تاريخيّ

حققّ المغرب، قبل أُفولِ سنة 2020 انتصارات دبلوماسية ميدانية، يشهد لها القاصي والداني والعدو قبل الصديق، دُشنت بفتح عدد من القنصليات بكل من مدينتي العيون والداخلة، وانتهت بانتزاع اعتراف تاريخي أمريكي واستئناف للعلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.

وبجهود دؤوبة وبخطوات لا تعرف الكلَّ، تَمكّن المغرب من كسب معارك دبلوماسية ساحقة على دُعاة الانفصال، سواء من خلال فتح أزيد من 17 قُنصلية بالأقاليم الجنوبية، أو عبر تحرير معبر الكركرات، أو فيما يتعلق بوساطته الناجعة في الملف الليبي. 

ولم تكبح جائحة “كورونا” التي ألقت بظلالها الثقيلة من طموح المغرب الكبير في جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وخاصة مدينتي العيون والداخلة، إلى حاضرتين للدبلوماسية الدولية، ونافذة للاستثمارات العالمية العملاقة، كان آخرها إعلان الرئيس التنفيذي للمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، آدم بوهلر، توسيع  الاستثمارات الأمريكية بقيمة مالية تصل إلى 5 مليارات دولار بالمنطقة.

إنجازات الدبلوماسية المغربية واستثمارات خيالية

وكشف محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية والتاريخ المغربي الحديث، والمختص في شؤون الصحراء، “أنه وعلى الرغم من تداعيات الوباء وتأثيرها في الحركة الدبلوماسية نظرا لإقفال الحدود وتوقف حركة الطيران والتخفيض من عدد الزيارات الرسمية، فيمكن القول إن سنة 2020 قد شهدت إنجازين كبيرين للدبلوماسية المغربية”.

وأضاف شقير، في تصريحه لجريدة “بناصا”، “أنّ الانجاز الأول يتمثل  في فتح العديد من الدول الافريقية، وبالأخص العربية، بحيث اعتبار فتح الإمارات قنصليتها في مدينة الداخلة واستئناف العلاقات السياسية التي عرفت توترا بين البلدين بسبب اختلاف في تقديرات الجانبين في التعامل في الملف اليمني والليبي”.

 في حين تمثل أهم إنجاز دبلوماسي،  في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الشيء الذي سيقوي موقف المغرب في إطار الحل السياسي الذي اقترحه المغرب من خلال الحكم الذاتي الذي اعتبرته الإدارة الأمريكية كحل وحيد للنزاع في الصحراء، مُكسرة بذلك التوازن الذي كانت تتبناه في التعامل مع كل من المغرب والجزائر.

 وشدّد الباحث في العلوم السياسية، “أنّ أمريكا  أكدت باعترافها التاريخي، أنّ المغرب حليف أساسي في المنطقة، خاصة بعدما قررت فتح قنصلية لها بالداخلة، الشيء الذي  يُشجع ـ بلا شك ـ دولا كبرى أوروبية وآسيوية لفتح قنصلياتها بعاصمتي الأقاليم الصحراوية بالعيون والداخلة”.

 كما أنّ “أمريكا أعلنت عن رغبتها بالاستثمار بـ 5 مليار دولار في هذه الأقاليم باعتبارها البوابة الرئيسية للاستثمارات الأمريكية في الدول الافريقية”، يُردف الخبير في ملف الصحراء.

تقوية دور المغرب في حل القضية الفلسطينية

وأشار شقير، إلى أنّ  “إعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، سيفسح المجال لعلاقات تجارية وسياحية واستثمارية ستنعش بلا شك الاقتصاد المغربي الذي تضرر من تداعيات جائحة “كورونا” وسيقوي الدور السياسي للمغرب في أي حل للقضية الفلسطينية”.

من جانبه، أوضح محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والمُحلّل السياسي، “أنّ الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، أبانت عن حنكة وتبصر، وأبرزت ديناميكية قوية جدا طبعت هذه السنة، نظرا للعمل الجاد والدؤوب وعمل في الكواليس، أفضى إلى تحقيق انتصارات متعددة على أكثر من صعيد”.

وأضاف المتحدث ذاته في حديث مع “بناصا”، أنّ “عنوان هاته الانتصارات تجسد في الاعتراف الأميركي التاريخي بملف الصحراء، الذي شكل تحولا نوعيا في القضية الوطنية، لأن منهجية التعاطي مع الملف بدأت تختلف في هذه السنة، فبعدما كان المغرب يسعى إلى سحب الاعتراف من جبهة البوليساريو، أصبح ينهج سياسة جديدة للتعاطي مع هذا الملف”.

رؤية استشرافية ملكية

ويرى محمد زين الدين، “أنّ هذا الأمر برز يشكل كبير من خلال السياسة التدبيرية الواقعية ذات الرؤية الاستشرافية، التي تحمل قدرا كبيرا من الواقعية السياسية والتبصر والحنكة، ويمكن القول بأن ما جناه المغرب من انتصارات ليس وليد اللحظة، وإنما عمل لسنوات طوال”.

ولَفت أستاذ القانون الدستوري والمُحلّل السياسي، “أنّ الملك ومنذ سنة 1999، من خلال تدشين سياسة رابح رابح مع القارة الإفريقية التي شملت جميع المجالات، برزت اليوم من إجراءاته على أرض الواقع، وعلى رأسها فتح عدد من القنصليات بكل من مدينتي العيون والداخلة، بالإضافة إلى دول عربية”.

و”يبقى العنوان البارز للانتصارات الدبلوماسية المغربية”، يضيف المحلل السياسي، “هو اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية، حيث أن هذا الاعتراف شكل ضربة قوية لخصوم الوحدة الترابية، ومهد لتسريع إنهاء الملف المفتعل لصالح الوحدة الترابية باعتبارها مؤثرا قويا في السياسات الدولية”.

واسترسل المتحدث ذاته، “أنّ الاعتراف الأمريكي له انعكاسات إيجابية على المغرب، تجسد في الإشادة الدولية بعد القرار، حتى أن العديد من الدول ستسير على منوال أمريكا وسيكون لهذا القرار ما بعده على كافة المستويات، وليس فقط على المستوى الدبلوماسي أو السياسي، بل حتى على المستوى الاقتصادي”.

وفي هذا السياق، “قرّرت الولايات المتحدة مباشرة بعد اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، فتح قنصلية بالداخلة ذات طبيعة اقتصادية، بما سيمكن من تكريس أوراش ذات صبغة تنموية، ستعود بالنفع على ساكنة المناطق الصحراوية، وعلى الدول الإفريقية كاملة، بحيث تمركزت العديد من القنصليات بالصحراء، لأنها تدرك أن المنطقة ستصبح جذب اقتصادي قوي”.

اعتراف أمريكا شكل منعطفا جديدا في ملف الصّحراء

ويُلاحظ أنّ “أقرب المتعاطفين مع الجزائر، ألا وهي جنوب إفريقيا، بدأت تغير من موقفها، ولم يعد اليوم من سند للجزائر والبوليساريو سواء على المنتظم الدولي أو الاتحاد الإفريقي على الخصوص، ويجب التنبيه هنا إلى القرار رقم 693 الذي انعقد في موريتانيا في 2018، أقبر بشكل كبير أطروحة البوليساريو الداعية إلى تقرير المصير”. وفق تأكيد محمد زين الدين.

وأشار المتحدث ذاته، أنّ “اعتراف أمريكا يشكل تحول نوعي في التعاطي مع ملف الصحراء، على العكس المواقف السابقة المحايدة، وأصبحت تتبنى الحكم الذاتي، أي إقبار نهائي لكل أطروحات الجبهة ومن يساندها، من قبيل حق تقرير المصير أو الاستفتاء، وأصبح في طي النسيان، وأي تفاوض اليوم على الموائد المستديرة سيكون حول الحكم الذاتي”.

وأكد أستاذ القانون الدستوري والمُحلّل السياسي، “أنّ قرار الولايات المتحدة، هو قرار ممأسس، بناءا على دراسات مستفيضة، أو ربطه باستئناف العلاقات مع إسرائيل، وإنما ارتأت أمريكا أن المغرب شريك استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، بالإضافة أن منطقة الساحل هي بؤرة تقض مضجع الدول الكبرى سواء الاتحاد الأوروبي أو أمريكا”.

كما أن الملفات الكبرى نظير الهجرة غير المنظمة، وملفات التهريب الدولي، وقضايا الإرهاب بالمنطقة، ثم الجريمة غير المنظمة، والمغرب عضو أساسي في محاربة الإرهاب وما سبق ذكره، وبالتالي فليس من المنطق خلف دويلة في الصحراء، لذلك فأمريكا تبحث أيضا عن موضع قدم داخل القارة الإفريقية بمنطق المصالح والبراغماتية والسياسة الواقعية.

وخلُص، محمد زين الدين، إلى أنّ الدبلوماسية المغربية، عرفت بذكاء سياسي قوي وبحس استباقي دقيق وفي ظرف زمني قياسي  ومضبوط، أن تنتزع اعتراف قبل تنصيب جو بايدن، علاوة على العمل وراء الكواليس الذي كان يقوم به المغرب من الناحية الدبلوماسية والأدوار الطلائعية التي تقوم بها أجهزة أخرى في الدولة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي