عقب تدخل الجيش المغربي، لتأمين معبر الكركارات الحدودي، وطرد عصابة البوليساريو الانفصالية، التي أغلقته منذ ما يزيد عن الـ 20 يوماً، خرجت الجزائر، ببيان أدانت فيه تحرك القوات المسلحة، مكرسةً بذلك، موقفها المعادي للوحدة الترابية للمملكة، ومؤكدة من جديدٍ، أن كل ما قدمه المغرب لتنال استقلالها، لم يجدِ نفعاً في نشرِ الأخوة بين الأشقاء.
وما لا يعرف العديد من المتابعين لملف الصحراء، والنزاع المفتعل فيه، هو أن المغرب، الدولة التي يزيد عمرها عن 12 قرن، قدمت الغالي والنفيس للجزائر، من أجل نيل استقلالها عن الاستعمار الفرنسي، حتى أن العديد من المؤرخين، يعتبرون بأن دعم المملكة العلني، عسكريا وماديا، للمقاومين في الجارة الشرقية، كان السبب الرئيسي وراء ضعفها وتمكن الاحتلال من دخولها سنة 1912.
دعمٌ عسكريّ مغربي للجزائر حتى آخر رمقٍ
من المعطيات الثابتة في التاريخ، أن الدولة المغربية التي يقارب عمرها 12 قرناً، لم تكن لقمة سائغة أمام الأطماع التوسعية للإمبراطوريات المجاورة، فلم يستطع أحد احتلالها، إلا لفترة قصيرة وعبر معاهدة حمايةٍ من 1912 لـ 1956، وبعدها 1976 حين استكمل وحدته الترابية. هذا الأمر، ساعد المملكة، على الوقوف في صف أشقائها الذين تعرضوا للاحتلال.
منذ السنوات الأولى لدخول الاستعمار الفرنسي للجزائر، ساند المغرب، تحت قيادة السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، المقاومة، التي كان يقودها الأمير عبد القادر بن محيي الدين، عبر مدّها بالسلاح، وتوفير المأوى لها، وتسهيل وصول التعزيزات إليها، بل وصل الأمر، لحد إرسال كتيبة مكونة من 25 ألف جندي، للحيلولة دون ملاحقة الفرنسيين للمقاومين الذين فرّوا إلى المملكة.
وحاولت فرنسا، استمالة المغرب، وإقناعه بالعدول عن موقفه الداعم للمقاومة الجزائرية، منذ سنة 1844، حين كان الاحتلال قد قضى 14 سنة في الجارة الشرقية للمملكة، غير أن السلطان، رفض الأمر بشكلٍ قاطعٍ، وسمح للثوار باللجوء إلى الجهة الشرقية مع توفيره الحمايةَ لهم، والدعم المادي واللوجيستيكي.
إسلي.. حين خاض المغرب حرباً ضد فرنسا في سبيل الجزائر
استمرار الدعم المغربي للمقاومة الجزائرية، أثار غضب فرنسا، سيما بعد رصدها لكتيبة عسكرية مغربية تتحرك في الجهة الشرقية، حيث منحتها مهلة ثمانية أيام لسحبها، غير أن السلطان رفض الأمر، لتقرر “باريس” تحريك أسطولها البحري صوب الشمال، موجهةً ضرباتٍ لميناء طنجة وتطوان وأصيلة، ما خلف عشرات القتلى والجرحى، قبل أن يشتبك جيشها بشكر مباشر مع المملكة في معركة إسلي.
بعد الاشتباك، تمكن الفرنسيون الذين خاضوا المعركة بنوايا إضعاف القدرات العسكرية للمغرب، بغيةَ تنفيذ مخططاتهم بالجزائر كاملةً، وهو ما تمكنت من تحقيقه، بعدما هزمت المغاربة، بطريقة غير مسبوقةٍ، ولدولة خاضت عدة حروبٍ وانتصرت فيها، ما زاد من أطماع الفرنسيين، حيث سعوا إلى ضم المملكة لمستعمراتهم، ليتمكنوا من ذلك الفترة قصيرة، تحت غطاء الحماية سنة 1912.
كبوةُ فارسٍ ونهوضٌ سريعٌ
نجحت فرنسا ومعها إسبانيا، في العقد الثاني من القرن العشرين، في احتلال المغرب، تحت مسمى الحماية، غير أن المملكة، سرعانَ ما عادت، سريعاً إلى استقلالها، بعد 44 سنة، بفضل المقاومة الشرسة التي نفذها المغاربة، ضد المستعمر، في الريف والأطلس، والشرق، إلى جانب المجهود السياسي الذي حاول الوصول إلى اتفاق يقضي بإنهاء الاحتلال، وهو ما تأتى للمملكة سنة 1956.
بمجردِ عودة الملك محمد الخامس من منفاه، واستعادة المغرب لاستقلاله، عاد ليمدَّ يده لجارته الجزائر، محاولاً دعمها عسكريا وماديا، لنيل استقلالها، حيث تؤكد الوثائق الموجودة في الخزائن الفرنسية والمغربية والجزائرية، وقوف المملكة، جنباً إلى جنبٍ، مع الثوار في الجارة الشرقية، خلال حرب التحرير، ولغاية تمكنهم من إنهاء الاحتلال سنة 1962.
محمد الخامس يرفض التخلي عن الجزائر..
أكد الملك محمد الخامس، موقفه الداعم لثورة التحرير الجزائرية، ضد الاحتلال الفرنسي، وأعلن عن وقوفه الكامل مع الجارة الشرقية، حيث وفر للثوار الملجأ والمأكل والسلاح، وكان محمد بوضياف وأحمد بن بلة، وحتى نيلسون مانديلا، يجتمعون في بيوتٍ ببركان ووجدة، من أجل التخطيط لما سيفعلونه، بدعم مطلقٍ من المملكة.
فرنسا أعرب عن انزاعجها من الموقف المغربي، وسعت لإقناع المملكة بالتراجع عن دعمها للمقاومة الجزائرية، عبرَ إعادة الأراضي المغربية التي استولت عليها، وهي تندوف وبشار، غير أن محمد الخامس، رفض الأمر بشكل قاطعٍ، وأخبر “باريس”، بأن مشكل الحدود، سيتفق عليه الجيران، بعد نيل الجزائر لاستقلالها.
دعمٌ منقطعُ النظير.. لتنال الجارة استقلالها..
الدعم المغربي للجزائر، ولعدد من الدول الإفريقية الساعية للاستقلال، من بينها جنوب إفريقيا، كان منقطع النظير، وساهم بشكل كبير في حصول الجارة الشرقية للمملكة على استقلالها سنة 1962، وما تزال الوثائق تحتظف بصورٍ تُظهر زعماء المقاومة الجزائرية، ومعهم نيلسون مانديلاً، في بيتٍ بواو اللوت ببركان، وفي أحد البيوت نواحي وجدة، حيث كان يجتمع الثوار.
بعد تقيم وثيقة الاستقلال بشهور، أعلن الملك محمد الخامس، في خطاب تاريخي من مدينة وجدة الحدودية، عن موقفه الداعم للثورة الجزائرةي ضد الاحتلال الفرنسي، وهو ما دفع فرنسا، لاختطاف طائرة كانت تقل زعماء المقاومة الذين كانوا في اجتماع بالمملكة، ما اعتبره العاهل المغربي الراحل، طعنةً في الشرف، رافضاً كل الإغراءات الفرنسية.
وفي سنة 1957، ألقى الملك محمد الخامس، خطاباً دعا فيه أحرار العالم، إلى مساندة ثورة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، كما ساند المغاربة، جيرانهم، عبر شن إضرابات تضامنية، ولم يقف التأييد عند هذا الحد كما سبقت الإشارة، بل وصل إلى لقائه مراراً بقادة المقاومة، ومنحهم السلاح، وتسهيل وصول المعدات القتالية إليهم، عبر الموانئ المغربية.
خطابٌ من بين كُثُرٍ..
في أحد خطاباته المساندة للشعب الجزائري وزعماء المقاومة، قال الملك المغربي الراحل، محمد الخامس، موجهاً كلامه للمغاربة: “إننا نطلب في هذه الساعة من شعبنا الملتف حولنا، والذي أثبت بتضحياتها وكفاحه معنا، مقدار تعلقه بالحرية واستبساله في سبيلها، أن يشاطرنا الليلة ونهار غد، في الإعراب عن تضامنه وتأييده للشعب الجزائري المكافح في سبيل حريته واستقلاله، فيدعو له في أعقاب الصلوات”.
وتابع محمد الخامس في خطابه الموجه للشعب المغربي: “ويبذل ما يطيقه من المساعدات المادية والأدبية لتخفيف ألامه وأوصاده، بواسطة مؤسسة التعاون الوطني وفي نظام، ذاكراً أن كل ما يعمله في هذا السبيل، يساعد على تعجيل حل مشكلة الجزائر ويفسح المجال لتحقيق أهداف المغرب العربية بالحريية والوحدة”.
وعن هذا الموقف الداعم للجزائر وشعبها، ضد الاحتلال، قال المؤرخ والفقيه الليبي علي الصلابي: “هكذا أدى المغرب حكومة وشعبًا في عهد العاهل المغربي محمد الخامس دورًا عظيمًا في نصرة قضية الشعب الجزائرية والوقوف في محنته ودعمه ماديًا ومعنويًا، ولم يتوقف هذا الدعم يومًا رغم كيد الفرنسيين وبث الضغائن بين الطرفين، فنال الجزائر استقلاله بدعم إخوته المغاربة في عام 1962”.
نكران الجميل بعد النهوض مباشرةً..
بعد الاستقلال مباشرة، حلّ الحسن الثاني بالعاصمة الجزائرية، حيث التقى بأحمد بن بلة، أول رؤساء الجارة الشرقية بعد الاستقلال، بارك له تحرر البلاد من الاستعمار، وطلبَ منه، الاتفاق على الحدود واستعادة الأراضي المغربية التي ضمتها فرنسا للجزائر خلال احتلالها لها، كما سبق واتفق الطرفان من قبل، غير أن الجار الشرقي طلب تأجيل الأمر، ليقرر الانسحاب من الاتفاق لاحقاً.
بعد الانسحاب، دخل البلدان في حرب الرمال، التي انتصر فيها المغرب، قبل أن يتفق الطرفان لاحقاً، على وقف إطلاق النار وترسيم الحدود بينهما، لتبدأ عقدةٌ جزائرية ضد المغرب، ما تزال مستمرةً إلى غايةِ اليوم، حيث وجهت الجارة الشرقية دعمها المطلق، لتفكيك المغرب، وضرب وحدته الترابية، بعدما اخترقت جبهة البوليساريو، لتحول من تنظيم يقاتل لاستقلال الصحراء المغربية من الاحتلال الإسباني، إلى أداء تعادي بها المملكة.
خيانة الجار وافتعال نزاع الصحراء
بعدما كان المغرب، أول من وقف لتأسيس مؤسسات الدولة الجزائرية، وقيام جيشها، عبر منح أولى الدبابات والآليات له، قررت الجارة الشرقية، خيانة كل ما قامت به المملكة تجاه جيرانها، لحصولهم على الاستقلال، ودعم جبهة البوليساريو الانفصالية، في محاولة منها، إلى الاستقواء في المنطقة، والهيمنة عليها، مفتعلةً نزاعاً وهمياً ما يزالُ مستمراً إلى اليوم.
بالرغم من كلّ الدعم الذي وفرته الجزائر للبوليساريو، عدو الوحدة الترابية المغربية، إلا أن الأخيرة، ظلّت تمدّ يدها للجيران، من أجل تحسين العلاقات، وإعادتها لمجراها الصحيح، مع توجيه دعواتٍ مستمرةً إلى عناصر الجبهة الانفصالية، بأن يعدلوا عن موقفهم، ويعودوا إلى وطنهم الأم، المستعد لاحتضانهم، ومنحهم فرصة الحكم الذاتي للصحراء، غير أن ما يسميه البعض “عقدة” الماضي، للجارة الشرقية، يُصعبُ حلّ النزاع سياسيا.
فرنسا أعرب عن انزاعجها من الموقف المغربي، وسعت لإقناع المملكة بالتراجع عن دعمها للمقاومة الجزائرية، عبرَ إعادة الأراضي المغربية التي استولت عليها، وهي تندوف وبشار، غير أن محمد الخامس، رفض الأمر بشكل قاطعٍ، وأخبر “باريس”، بأن مشكل الحدود، سيتفق عليه الجيران، بعد نيل الجزائر لاستقلالها.
الحل الوحيد لإيقاف تعنت الطعمة العسكرية (الفرنسية) الجزائرية ودعمها لمرزقة البوليساريو هي المطالبة باسترجاع الأراضي المغربية بشار وتندوف.