يشهد حجم الاقتصاد الرقمي في العالم نموًا ملحوظًا، فوفقًا للبيانات المتاحة، يُقدّر حجم الاقتصاد الرقمي عالميًا بحوالي 13 تريليون دولار، وهو ما يمثل نسبة 15% من إجمالي الاقتصاد العالمي، كما يُعتبر الاقتصاد الرقمي أحد أهم وأكثر الاقتصادات تأثيرًا في الوقت الحالي نتيجة للتطور التكنولوجي وسرعة الأنترنيت التي زادت من تطور هذا الاقتصاد بشكل كبير، ناهيك أن تطور الاقتصاد الرقمي رهين بنهاية دورة تاريخية وبداية أخرى جديدة، ومع كل بداية جديدة يكون هناك تأثير على أربعة أشياء أساسية وهي الأسرة والمدرسة والسوق وأخيرا المهن.
فالسوق الجديد والمستقبلي هو سوق الرقمنة والتجارة الإلكترونية، سوق الفلاحة الذكية والتعليم الذكي والسياحة الذكية والصناعة الذكية،و…. وبالتالي تأثير الرقمنة سيكون تأثيرا عموديا وأفقيا وفي جميع الاتجاهات.
فالاقتصاد الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُمكن أن يحقق منافع اجتماعية واقتصادية كبيرة، حيث يُشير تقرير للبنك الدولي إلى أن الرقمنة الكاملة للاقتصاد يمكن أن ترفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 46% على مدى 30 عامًا. كما تُشير التقديرات إلى أنه خلال السنة الأولى، يمكن أن يصل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة إلى 300 مليار دولار. ناهيك يشير التقرير دائما إلى أن حجم الاقتصاد الرقمي العربي حيث يشكل هذا الأخير 110 مليارات دولار أي بنسبة 4٪. من إجمالي الاقتصاد العربي. فالتحول الرقمي يشكل عاملاً مهمًا في تحقيق النمو الاقتصادي، ويُساهم بشكل كبير في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، كما تساهم التكنولوجيا الرقمية في تسريع وتيرة النمو وخلق فرص عمل جديدة، مما يُعزز من الازدهار الوطني ويساهم في تحقيق الرفاه الاقتصادي.
ويعتبر المغرب من الدول التي تمكنت بفضل الرؤية المتبصرة والمستقبلية لجلالة الملك محمد السادس نصره من الانخراط مبكرا في تحديث الإدارة العمومية ورقمنة العديد من الخدمات وتطويرها والتي أصبحت اليوم قاطرة في العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، تيسير، الوظيفة العمومية، الصفقات العمومية، الاستثمار، و… كل هذه الخدمات وغيرها ساهمت في تطوير المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، كما أن هذا الأمر لم يتوقف هنا فحسب بل وضع المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس التوجهات العامة للاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية في المغرب، والمعروفة باسم “المغرب الرقمي 2030”.
وتعتبر الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية استراتيجية طموحة جدا تتماشى مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتواكب التحول العالمي المتسارع نحو اقتصاد البيانات، فالرؤية الملكية للاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية تسعى إلى الاستفادة من التطور الرقمي عبر مساعدة الشباب المغاربة على إنتاج حلول رقمية 100٪، وأيضا المساهمة في خلق فرص الشغل. وفي هذا الإطار ترتكز الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية على مرتكزين أساسيين :
أولهما : رقمنة الخدمات العمومية من خلال تسريع رقمنة الخدمات الحكومية وضمان جودتها، من خلال جعل المرتفق سواء مواطن أو مقاولة هو محور العملية وبالتالي نحن أمام مقاربة جديدة محورها الإنسان سواء كان منتجا العملية أم مستفيدا منها.
ثانيا : بث دينامية جديدة في الاقتصاد الرقمي بهدف إنتاج حلول رقمية 100٪، وخلق القيمة المضافة و خلق فرص الشغل هذا المرتكز الثاني ينبني على تطوير المواهب الرقمية وخلق البروفايل المناسب والموارد البشرية للازمة لتطوير الاقتصاد الرقمي، الحوسبة السحابية cloud من أجل ضمان السيادة الرقمية وتلبية احتياجات القطاعين العام والخاص في هذا المجال، ثم أخيرا التغطية بشبكة الهاتف والانترنيت في العالم القروي خاصة من أجل دفع الاستثمار في العالم القروي وخلق طبقة متوسطة قروية حسب التوجهات الملكية.
كما تهدف الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية إلى تحديد الاحتياجات ذات الأولوية وضمان ملاءمتها لتحديات الرقمنة، وتركز الاستراتيجية على تعزيز الإدارة الرقمية، تسريع الشمول الرقمي، وتقوية الاقتصاد الرقمي.
تشمل الأهداف الرئيسية للإستراتيجية:
تحسين الخدمات الرقمية وجعل المغرب قطبا رقميا ومنصة إقليمية قارية في مجال التكنولوجيات الحديثة.
تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية وتجويد الخدمات الحكومية.
تأهيل البنية التحتية الرقمية.
تكوين وتطوير الكفاءات في مجال الرقمنة.
فأهداف “المغرب الرقمي 2030” تتمحور حول تحقيق التحول الرقمي الشامل والمستدام في المملكة، من خلال :
تعزيز الإدارة الرقمية: تحسين الخدمات العامة من خلال الرقمنة.
تسريع الشمول الرقمي: من خلال ضمان وصول جميع المواطنين إلى الخدمات الرقمية.
تقوية الاقتصاد الرقمي: من خلال دعم الابتكار وريادة الأعمال في القطاع الرقمي.
تحسين الخدمات الرقمية: جعل المغرب قطبًا رقميًا إقليميًا وقاريا.
تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية: تقليل البيروقراطية وتحسين كفاءة الخدمات.
تأهيل البنية التحتية الرقمية: تطوير الشبكات والأنظمة لدعم الرقمنة.
تكوين وتطوير الكفاءات: بناء قدرات الموارد البشرية في مجال التكنولوجيا الرقمية.
هذه الأهداف تسعى لتحقيق نقلة نوعية في كيفية تفاعل المواطنين والشركات مع الخدمات الحكومية العمومية والمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الابتكار الرقمي.
كما ستسهم الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية في الدفع جيدا من أجل تنزيل مناخ الاستثمار وذلك من خلال :
تعزيز البنية التحتية الرقمية: من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية التي تعتبر عنصرا أساسيًا لجذب الاستثمارات وتحسين مناخ الأعمال.
الشمول الرقمي: من خلال تسهيل وصول الشركات والمستثمرين إلى الخدمات الرقمية وتعزيز من جاذبية البيئة الاستثمارية.
تطوير الكفاءات الرقمية: تأهيل القوى العاملة في مجال التكنولوجيا الرقمية من خلال المساعدة في توفير الكوادر اللازمة للشركات الاستثمارية.
تحسين الخدمات العامة: من خلال تبسيط الإجراءات وتحسين الخدمات الحكومية، مما يجعل البيئة أكثر جاذبية للاستثمار.
دعم الابتكار وريادة الأعمال: من خلال تشجيع الابتكار الرقمي الذي يتماشى مع أهداف ميثاق الاستثمار في تعزيز الصادرات والتواجد الدولي للمقاولات المغربية.
وبالتالي وبهذه الطريقة، تعمل الاستراتيجية الرقمية وميثاق الاستثمار معًا لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة.
خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية
تعليقات الزوار ( 0 )