ـ القيادة الاتحادية ونهج الاثارة الدستورية
دعا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اجتماعه ليوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، إلى ضرورة إجراء تعديل يمكنه من الانضمام إلى حكومة أخنوش وهي في منتصف ولايتها بعدما طالب بالانضمام إليها وهي في بداية تشكلها .ليقوم في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في27 يناير2024 بالمطالبة بإسقاط نفس الحكومة التي كان يرغب في الانضمام إليها من خلال التلويح بملتمس رقابة؟؟؟ !! .الشيء الذي يفضي إلى التساؤل عن الدواعي التي دفعت بقيادة هذا الحزب إلى نهج هذا التحول في الموقف السياسي من النقيض إلى النقيض.
-تقوية موقع الحزب داخل المعارضة
يبدو أن القيادة الاتحادية بعدما يئست من أية إمكانية للانضمام لحكومة أخنوش ، تحاول جاهدة العمل على تقوية تموقعها داخل المشهد السياسي من خلال التنسيق مع حزب التقدم والاشتراكية ، حيث اتفق نبيل بن عبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال لقاء جمع بينهما على إمكانية “تحالف سياسي” بينهما من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين المكتبين السياسيين للحزبين، قصد تقديم تصور عام حول محاور وبرنامج عملهما المشترك.ولعل القيادة الاتحادية كانت تتغيا من خلال هذا التنسيق السياسي مع حزب التقدم والاشتراكية إنشاء تكتل يساري معارض يمكن الحزب من تقوية موقعه داخل المعارضة التي تعاني مما أسماه الحزب بتغول الأغلبية داخل البرلمان. ولعل هذا ما عبر عنه الكاتب الأول للحزب خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الوطني حيث أشار إلى أن دعوة حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية لتحريك ملتمس الرقابة تأتي ردا على “محاولات الحكومة إفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها وتعطيل أدوارها، خاصة في ظل تهرب رئيس الحكومة ووزرائها من جلسات المساءلة الشهرية والأسبوعية”.إذ يسعى الاتحاد الاشتراكي للاستفادة سياسيا من موقعه داخل البرلمان مما أسماه تخبط أحزاب الأغلبية، خصوصا تلك التي سقط بعض أعضائها بين يدي القضاء بتهم الفساد. حيث يريد الحزب إظهار نوع من الشراسة السياسية في معارضة الحكومة، مركزا على الأثر السياسي الذي سيخلفه هذا الملف على اختيار الناخب المغربي في الاستحقاقات المقبلة. وقد لجأت القيادة الاتحادية في هذا السياق إلى نفض الغبار على خطاب سياسي تمرس عليه الاتحاديون في سنوات الستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من قبيل حكومة المخزن ، والهيمنة… وهكذا عبر لشكر، في كلمته أمام المجلس الوطني عن رفضه هيمنة وتحكم الأغلبية، مشيرا إلى أن “المكونات المشكلة لتحالف حكومة المخزن على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات، تسعى إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان”. لافتا إلى أن “شدة التغول الذي وصلت إليه حكومة المخزن، تتجلى في تغولها حتى على مؤسسات الدولة”.
-استعداد الحزب للاستحقاقات القادمة
يبدو أن الأحزاب الكبرى خاصة داخل الأغلبية الحكومية ترنو وهي في منتصف ولايتها إلى الاستحقاقات القادمة : فحزب التجمع الوطني للأحرار يعمل جاهدا لتصدر المشهد الحزبي لسنة 2026 من خلال مواصلة تنظيم الدورات واللقاءات الجهوية بكل جهات المملكة، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة خطط للمحطة الانتخابية المقبلة بانتخاب قيادة جديدة في المؤتمر الوطني لتجاوز صعوباته الداخلية وتجاوز قضايا الفساد التي التصقت ببعض أعضائه. ولعل وعي القيادة الاتحادية بهذا الوضع ، في سياق الضعف السياسي الذي تعاني منه أحزاب المعارضة داخل البرلمان ، دفعها بلا شك إلى محاولة استرجاع الحزب موقعه داخل المشهد السياسي، سواء من خلال الانفتاح على أحد مكونات المعارضة المتمثل في حزب التقدم والاشتراكية أو من خلال إعادة ترتيب بنيته التنظيمية الداخلية . وبهذا الصدد، صرح الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، “أن حزبه يعيش تحولا سيفتح آفاقا جديدة من بينها كل ما له علاقة بترسيخ التنظيم على المستوى القطاعي والوطني، وأيضا على المستوى الجهوي” . ووفق هذه الرؤية أيضا تؤكد قيادة الحزب أن المبادرات التي سيقترح العمل عليها مستقبلا، تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، خاصة الفئات المسحوقة والمتوسطة والتي تضررت كثيرا من سياسة هذه الحكومة، إلى جانب المبادرات السياسية التي يتم الاشتغال عليها والتي تهم الإصلاح المؤسساتي والسياسي.
وبالتالي، فتلويح قيادة الحزب بملتمس الرقابة لإحداث رجة داخل المشهد السياسي، يمكن تأويله من واجهتين:
-الأولى اعتبار هذا التلويح آخر محاولة تقوم بها القيادة الاتحادية للضغط على رئيس الحكومة لضم هذا الحزب إلى حكومته تفاديا لأي إزعاج سياسي مقبل وذلك من خلال تعيين بعض قيادييه في وزارة التربية والتعليم للتغطية على الأزمة التي عرفها هذا القطاع مؤخرا خصوصا وأن هذا التعيين لن يؤثر على التوازن داخل الحكومة بحكم أن بنموسى يبقى وزيرا تقنوقراطيا لا ينتمي لأي من الأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة.
-الثانية اعتبار هذا التلويح شعرة معاوية التي قطعها الحزب مع الحكومة ، وإشارة سياسية على دخول الحزب في تنافس انتخابي محموم في أفق الاستحقاقات القادمة التي ستجرى بعد سنتين الشيء الذي قد يتماشى مع رغبة صانع الخرائط السياسية المقبلة التي تتطلب إيجاد بديل سياسي يمكن أن يؤثث المشهد السياسي المقبل.
ـ القيادة التقدمية والبحث عن البوز السياسي
على غرار باقي الفرق النيابية داخل البرلمان ، تدخل الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية في شخص رئيسه ليسجل موقفه من الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان. حيث صرح بهذا الصدد بما يلي : “اطــلعنا، في فريق التقدم والاشتراكية، على كتاب الحصيلة المرحلية للحكومة. وقبل ذلك أَنْصَتْــنا بِتَــــمَعُّن إلى عرضكم، بما حَمَلَهُ من مجهودٍ تواصلي. واسْـــتَـــخْــرَجْـــنَا أموراً إيجابية. ولكن في نفس الوقت سَجَّلْــنا عدداً كبيراً من السلبيات والإخفاقات…. نعم، لقد اجتهدتُــمْ، ونَـــجَحْـــتُـــمْ نسبيا في بعض الملفات، كحجم الاستثمار العمومي، والتدبير الآني لندرة الماء، واستكمال تأطير الحماية الاجتماعية بالنصوص اللازمة؛ لكن، كل واحد راه فْ الدور المؤسساتي والسياسي ديالو. ودَوْرُنَا في المعارضة هو الوقوفُ عند النقائص والاختلالات، واقتراح البدائل؛ فعلا، هي حكومة الصمود، لأنها علّمت المغاربة الصبر والصمود في مواجهة التدهور المعيشي والفقر؛ فتقييمُنَا لحصيلة الحكومة يرتكز على: الواقع الـــمَــريـــر للمواطن؛ وعلى تَـــعَــهُّـــدَاتِ البرنامج الحكومي التي لم يتحقق أَغْـــلَـــبُــــها؛ وعلى معطياتِ مؤسساتٍ وطنية رسمية تؤكد بالأرقام العجزَ الحكومي؛ ثم على مرجعية النموذج التنموي الذي غَــــيَّبَتهُ الحكومةُ عَمْداً، ربما لأن سقفَهُ يفوقُ أداءَهَا بكثير. للأسف الشديد، حكومتُكم لا تَـــقْـــتَـــرِبُ من القضايا السياسية، ولا من المسألة الديموقراطية. وهذا أمْـــــرٌ يتنافى مع الادِّعــــاءِ بأنَّ هذه الحكومة لها جذورٌ سياسية، وهويةٌ سياسية؛ فلم تتخذوا ولو إجراءً واحداً من أجل استكمال تفعيل الدستور؛ ولا من أجل الرفع من مكانة الفضاء السياسي والحزبي والمؤسساتِ المُنتَخبة. وانْــــحَـــبَــسَ في عهد هذه الحكومة النقاشُ العمومي؛ وتَعَاظَــــمَـــتْ تَــخَــوُّفَــاتُ الديموقراطيين على حرية التعبير؛ وهَـــيْـــمنتِ الحكومةُ على سلطة التشريع، وأفْــــرَغَـــتْ سلطةَ المراقبةِ من مضمونها؛ وسَـــحبتُمْ من البرلمان مشاريعَ قوانين لها علاقةٌ بمحاربة الفساد والريع، واتَّـــسَـــمَ التعاطي مع المطالبِ الاجتماعية بالضُّــــعــفِ والارتباك. ولم تَطْرَح الحكومةُ تصوُّرَها لتخليق منظومة الانتخابات حمايةً للفضاء المؤسساتي من الفساد في المنبع. كما لم تَـــأتِ لِـــحَـــدِّ الآن بمشروع إصلاح المنظومة الجنائية؛…فيما يتعلق بمنظومة الصحة، لا نُنكر أنَّ هناك عملاً يُـــنْجز في عهد الحكومة الحالية، ومنذ الحكومات السابقة، في شخص السيد خالد ايت الطالب والبروفيسور الحسين الوردي، نحنُ مقـــتَـــنِعُــونَ أننا لن نَــــقْــطِفَ ثِمارَهُ سوى بعد سنوات؛لكن، من حيث التغطية الصحية، فالحكومة أَقْــــصَـــتْ بعتبةٍ مُجحفة 8 مليون شخص من الاستفادة من “أمو تضامن”، وفَــــرَضْـــتُــمْ عليهم الأداء وهُـــمْ غيرُ قادرين؛…. لقد تَــمَـــكَّــــنْـــتُـــمْ، أيضاً، من إطلاق الدعم الاجتماعي المباشر. لكنكم بعد شهورٍ قليلة بدأتم في إيقاف صرفه بالنسبة لعدد كبير من الأسر (خلقتــوا البلبلة بهاد الارتباك)؛ وتظل إشكالية استدامة التمويل هي عنوان الإخفاق الكبير، لا سيما إذا استحضرنا حجم الضغط على ماليتنا العمومية، بسبب فتح أوراش كثيرة؛ ويتطلب ذلك من الحكومة الذهاب، بلا لَــــفٍّ ولا دوران، إلى أين يُــوجَــدُ المال: يوجدُ في إحداث ضريبة على الثروة غير المنتجة؛ والقَـــطْـــع مع الإعفاءات الضريبية؛ والتضريب الملائم لقطاعات في شبه حالة احتكار؛ والرفع من المساهمات الجبائية التضامنية؛ ومكافحة التملُّص الضريبي؛ وتوسيع الوعاء؛ والإدماج التحفيزي للقطاع غير المهيكل؛ وذلك عوض الالتجاء المفرط إلى الاقتراض؛ وإلى التفكيك المُقنّع للمرفق العمومي……لذلك كله، وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، لا يُـــوجَـــدُ أيُّ مبرر لكي تُـــعَـــبِّـــرَ الحكومةُ عن الارتياح والرضى المُـــفْـــرِطَـــيْــن؛ فقد أَشْـــعَــرتُمْ المواطِن بأنَّه ليس لديه حكومةٌ تُنصِتُ إلى هُمومه….”.
من هنا يظهر أن الفريق البرلماني قد استخدم حقه كاملا وباسهاب في تسجيل انتقاداته اللاذعة
والقوية لحصيلة الحكومة في نصف ولايتها التي قدمها رئيس الحكومة ودافع عنها ، مما يثير التساؤل عن بواعث بعث المكتب السياسي للحزب برئاسة أمينه العام رسالة مفتوحة لنفس الرئيس الذي سبق أن قدم هذه الحصيلة أمام البرلمان.
-الإحراج السياسي للحكومة أمام الرأي العام
على الرغم من الظرفية الاقتصادية والسياسية الصعبة التي واجهت حكومة أخنوش منذ توليها تدبير الشأن العام المتمثلة في المخلفات الاقتصادية والاجتماعية للوباء، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى استمرار الجفاف وتداعيات زلزال الحوز المدمر ،فقد أظهرت الحكومة عن مثابرة في تدبير مختلف هذه الأزمات ، في الوقت الذي واصلت فيه تنزيل بعض الأوراش الاجتماعية خاصة ورش الحماية الاجتماعية ومحاولة احتواء احتجاجات قطاعات اجتماعية خاصة الإضرابات غير المسبوقة لنقابات وتنسيقيات التعليم وكذا احتجاجات قطاع الصحة .وبالتالي فبعث المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رسالة مفتوحة لرئيس الحكومة في هذا الوقت التي يتم فيه ترقب تعديل حكومي يثير التساؤل عن الرسالة السياسية التي يبطنها هذا التحرك الذي يستهدف على ما يبدو التشويش على الحكومة وإحراجها أمام الرأي العام. فقد بدا ذلك واضحا خلال ما جاء في الرسالة، التي تلاها الأمين العام للحزب بنعبد الله على أسماع الحاضرين في الندوة الصحافية التي عقدها في مقر حزبه بالرباط، زوال اليوم الثلاثاء 21 ماي الجاري ، على ” أن ما يدفع حزب التقدم والاشتراكية، إلى التوجه لرئيس الحكومة، بهذه الرسالة المفتوحة الثانية هو أنَّ حكومَتَهم ‘تمادَتْ، بإصرارٍ واستعلاءٍ، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطابٍ مُفرطٍ في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطابٍ غابت عنه، بشكلٍ مُقلق، الموضوعيةُ، وافتقَدَ إلى التواضع والنقد الذاتي.” ليعدد أبرز عشرةٍ أسباب تبرهن بحسب هذا الحزب المعارض بالدليل الملموس على فشل الحكومة في النصف الأول من الولاية التشريعية، وفي مقدمتها تجاهلها الخطير لواقع المشهد السياسي والديموقراطي والحقوقي، وهو ما اعتبره ” دليل على أن الحكومة تَعتبرُ نفسَها غير معنية لا ببلورة الدستور، ولا بتوطيد الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولا بقضايا المساواة، ولا بالنهوض الفعلي باللغة الأمازيغية، ولا بمصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع الشأن العام، ولا بمعالجة أعطاب الفضاء السياسي، ولا بالتصدي للتراجعات المسجَّلة في الحقل السياسي والحقوقي، إذ أنها “لم تحقق أيَّ مُنجَز على هذا المستوى، وعجَزتْ عن اتخاذ أيِّ خطوة لاستعادة ثقة المغاربة في المؤسسات المنتخبة، بل أسهمتْ في مزيدٍ من تردِّي مكانة وصورةِ الأحزاب السياسية”.
ـ المنافسة السياسية للأغلبية الحكومية
يبدو أن نقل هذا الحزب المعارض لانتقاداته للحصيلة الحكومية من قبة البرلمان إلى الساحة السياسية تتحكم فيه نفحة سياسية وانتخابية واضحة تمثلت بالأساس في تحويل معارضته للحكومة إلى تنافس سياسي بينه وبين الحكومة ومن خلاله مع رئيس الحكومة الذي هو رئيس الحزب المتصدر للحكومة. حيث انعكس ذلك من خلال الإشارة الواردة في الرسالة المفتوحة من
“أن الحكومة تجرأتْ على المساس بمبدأ استقلالية الصحافة، ولم تُحَـرِّكْ ساكناً أمام أيِّ تراجعٍ أو مساسٍ بحرية التعبير، فيما انحسرَ النقاشُ العمومي في عهد الحكومة التي تتفادى، إلى اليوم، النداءات المتكررة لأجل فتح النقاش حول الإصلاح الحقيقي لمنظومة الانتخابات منذُ الآن، بما من شأنه حمايةُ الانتخابات والمؤسسات المنتخبة من الفساد والمفسدين ومن الاستعمال الفاحِش وغير القانوني للمال، وخفضُ معدلات العُزوف، ربما لأنها حكومةٌ لا ترى مصلحةً في هذا الإصلاح، وتُـــراهن على اجتياز امتحان انتخابات 2026 بالوصفة نفسها لسنة 2021.” حيث يتضح بأن الحزب يتغيا من خلال هذه الرسالة أن يعوض ضعفه العددي داخل الخريطة البرلمانية والانتخابية، بالظهور سياسيا كمتزعم لمكونات المعارضة التي تعاني من غياب التنسيق والتشرذم وعدم تجانس أطيافها.
وبالتالي فأمام هذا الضعف الذي يكرس ” التغول السياسي ” للأغلبية الحكومية ، اختار الحزب اللجوء إلى نوع من البوز السياسي لإثارة الرأي العام وكسب تعاطفه ، حيث ورد في الرسالة المفتوحة ما يلي : “وحتى يكونَ الرأيُ العام شاهداً على الحوار الذي نريدُهُ أن يكون صريحاً وبنَّاءً بيننا، اعتمدنا هذه الصيغة التي تندرجُ، بشكلٍ طبيعي، في صميمِ الممارسة الديموقراطية السوية، كشكلٍ من أشكال النقد الشفاف والرقابة المؤسساتية والتعبير السياسي التي خَوَّلَها الدستورُ للأحزابِ السياسية”.
من هنا يبدو أن لجوء بعض مكونات المعارضة البرلمانية سواء من خلال التلويح بملتمس الرقابة أو بعث رسائل مفتوحة يعكس الضعف السياسي الكبير الذي تعاني منه مكوناتها ، حيث بدل أن تبلور هذه المعارضة خارطة طريق واضحة ومنسجمة لمواجهة القوة العددية والانتخابية التي تتمتع بها الأغلبية الحكومية تنخرط بعض أحزابها منفردة في ممارسات هي أقرب إلى البوز السياسي منها إلى ممارسة معارضة برلمانية رصينة بآلياتها الرقابية وزخمها السياسي.
وجه المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أحد مكونات المعارضة البرلمانية بتاريخ 21 ماي 2024 رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، تضمنت انتقادات لحصيلة نصف ولاية الحكومة التي قدمها عزيز أخنوش أخيرا أمام البرلمان. وقد سبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن دعا في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في 27 يناير2024 إلى توفير شروط تقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة، من خلال تفعيل الفصل 105 من الدستور. ليتم التساؤل عن الدوافع السياسية من نهج هذين الحزبين المعارضين لهذا النوع من الممارسة السياسية التي تجمع بين الاثارة الدستورية والبحث عن البوز السياسي.
ـ القيادة الاتحادية ونهج الاثارة الدستورية
دعا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اجتماعه ليوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، إلى ضرورة إجراء تعديل يمكنه من الانضمام إلى حكومة أخنوش وهي في منتصف ولايتها بعدما طالب بالانضمام إليها وهي في بداية تشكلها .ليقوم في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في27 يناير2024 بالمطالبة بإسقاط نفس الحكومة التي كان يرغب في الانضمام إليها من خلال التلويح بملتمس رقابة؟؟؟ !! .الشيء الذي يفضي إلى التساؤل عن الدواعي التي دفعت بقيادة هذا الحزب إلى نهج هذا التحول في الموقف السياسي من النقيض إلى النقيض.
-تقوية موقع الحزب داخل المعارضة
يبدو أن القيادة الاتحادية بعدما يئست من أية إمكانية للانضمام لحكومة أخنوش ، تحاول جاهدة العمل على تقوية تموقعها داخل المشهد السياسي من خلال التنسيق مع حزب التقدم والاشتراكية ، حيث اتفق نبيل بن عبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال لقاء جمع بينهما على إمكانية “تحالف سياسي” بينهما من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين المكتبين السياسيين للحزبين، قصد تقديم تصور عام حول محاور وبرنامج عملهما المشترك.ولعل القيادة الاتحادية كانت تتغيا من خلال هذا التنسيق السياسي مع حزب التقدم والاشتراكية إنشاء تكتل يساري معارض يمكن الحزب من تقوية موقعه داخل المعارضة التي تعاني مما أسماه الحزب بتغول الأغلبية داخل البرلمان. ولعل هذا ما عبر عنه الكاتب الأول للحزب خلال الاجتماع الأخير لمجلسه الوطني حيث أشار إلى أن دعوة حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية لتحريك ملتمس الرقابة تأتي ردا على “محاولات الحكومة إفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها وتعطيل أدوارها، خاصة في ظل تهرب رئيس الحكومة ووزرائها من جلسات المساءلة الشهرية والأسبوعية”.إذ يسعى الاتحاد الاشتراكي للاستفادة سياسيا من موقعه داخل البرلمان مما أسماه تخبط أحزاب الأغلبية، خصوصا تلك التي سقط بعض أعضائها بين يدي القضاء بتهم الفساد. حيث يريد الحزب إظهار نوع من الشراسة السياسية في معارضة الحكومة، مركزا على الأثر السياسي الذي سيخلفه هذا الملف على اختيار الناخب المغربي في الاستحقاقات المقبلة. وقد لجأت القيادة الاتحادية في هذا السياق إلى نفض الغبار على خطاب سياسي تمرس عليه الاتحاديون في سنوات الستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من قبيل حكومة المخزن ، والهيمنة… وهكذا عبر لشكر، في كلمته أمام المجلس الوطني عن رفضه هيمنة وتحكم الأغلبية، مشيرا إلى أن “المكونات المشكلة لتحالف حكومة المخزن على المستوى المركزي، وفي الجهات والأقاليم والعمالات والجماعات، تسعى إلى تكريس منطق الهيمنة والتحكم، رغم انعدام التجانس بين هذه المكونات وتعارض مصالحها في العديد من الأحيان”. لافتا إلى أن “شدة التغول الذي وصلت إليه حكومة المخزن، تتجلى في تغولها حتى على مؤسسات الدولة”.
-استعداد الحزب للاستحقاقات القادمة
يبدو أن الأحزاب الكبرى خاصة داخل الأغلبية الحكومية ترنو وهي في منتصف ولايتها إلى الاستحقاقات القادمة : فحزب التجمع الوطني للأحرار يعمل جاهدا لتصدر المشهد الحزبي لسنة 2026 من خلال مواصلة تنظيم الدورات واللقاءات الجهوية بكل جهات المملكة، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة خطط للمحطة الانتخابية المقبلة بانتخاب قيادة جديدة في المؤتمر الوطني لتجاوز صعوباته الداخلية وتجاوز قضايا الفساد التي التصقت ببعض أعضائه. ولعل وعي القيادة الاتحادية بهذا الوضع ، في سياق الضعف السياسي الذي تعاني منه أحزاب المعارضة داخل البرلمان ، دفعها بلا شك إلى محاولة استرجاع الحزب موقعه داخل المشهد السياسي، سواء من خلال الانفتاح على أحد مكونات المعارضة المتمثل في حزب التقدم والاشتراكية أو من خلال إعادة ترتيب بنيته التنظيمية الداخلية . وبهذا الصدد، صرح الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، “أن حزبه يعيش تحولا سيفتح آفاقا جديدة من بينها كل ما له علاقة بترسيخ التنظيم على المستوى القطاعي والوطني، وأيضا على المستوى الجهوي” . ووفق هذه الرؤية أيضا تؤكد قيادة الحزب أن المبادرات التي سيقترح العمل عليها مستقبلا، تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، خاصة الفئات المسحوقة والمتوسطة والتي تضررت كثيرا من سياسة هذه الحكومة، إلى جانب المبادرات السياسية التي يتم الاشتغال عليها والتي تهم الإصلاح المؤسساتي والسياسي.
وبالتالي، فتلويح قيادة الحزب بملتمس الرقابة لإحداث رجة داخل المشهد السياسي، يمكن تأويله من واجهتين:
-الأولى اعتبار هذا التلويح آخر محاولة تقوم بها القيادة الاتحادية للضغط على رئيس الحكومة لضم هذا الحزب إلى حكومته تفاديا لأي إزعاج سياسي مقبل وذلك من خلال تعيين بعض قيادييه في وزارة التربية والتعليم للتغطية على الأزمة التي عرفها هذا القطاع مؤخرا خصوصا وأن هذا التعيين لن يؤثر على التوازن داخل الحكومة بحكم أن بنموسى يبقى وزيرا تقنوقراطيا لا ينتمي لأي من الأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة.
-الثانية اعتبار هذا التلويح شعرة معاوية التي قطعها الحزب مع الحكومة ، وإشارة سياسية على دخول الحزب في تنافس انتخابي محموم في أفق الاستحقاقات القادمة التي ستجرى بعد سنتين الشيء الذي قد يتماشى مع رغبة صانع الخرائط السياسية المقبلة التي تتطلب إيجاد بديل سياسي يمكن أن يؤثث المشهد السياسي المقبل.
ـ القيادة التقدمية والبحث عن البوز السياسي
على غرار باقي الفرق النيابية داخل البرلمان ، تدخل الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية في شخص رئيسه ليسجل موقفه من الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان. حيث صرح بهذا الصدد بما يلي : “اطــلعنا، في فريق التقدم والاشتراكية، على كتاب الحصيلة المرحلية للحكومة. وقبل ذلك أَنْصَتْــنا بِتَــــمَعُّن إلى عرضكم، بما حَمَلَهُ من مجهودٍ تواصلي. واسْـــتَـــخْــرَجْـــنَا أموراً إيجابية. ولكن في نفس الوقت سَجَّلْــنا عدداً كبيراً من السلبيات والإخفاقات…. نعم، لقد اجتهدتُــمْ، ونَـــجَحْـــتُـــمْ نسبيا في بعض الملفات، كحجم الاستثمار العمومي، والتدبير الآني لندرة الماء، واستكمال تأطير الحماية الاجتماعية بالنصوص اللازمة؛ لكن، كل واحد راه فْ الدور المؤسساتي والسياسي ديالو. ودَوْرُنَا في المعارضة هو الوقوفُ عند النقائص والاختلالات، واقتراح البدائل؛ فعلا، هي حكومة الصمود، لأنها علّمت المغاربة الصبر والصمود في مواجهة التدهور المعيشي والفقر؛ فتقييمُنَا لحصيلة الحكومة يرتكز على: الواقع الـــمَــريـــر للمواطن؛ وعلى تَـــعَــهُّـــدَاتِ البرنامج الحكومي التي لم يتحقق أَغْـــلَـــبُــــها؛ وعلى معطياتِ مؤسساتٍ وطنية رسمية تؤكد بالأرقام العجزَ الحكومي؛ ثم على مرجعية النموذج التنموي الذي غَــــيَّبَتهُ الحكومةُ عَمْداً، ربما لأن سقفَهُ يفوقُ أداءَهَا بكثير. للأسف الشديد، حكومتُكم لا تَـــقْـــتَـــرِبُ من القضايا السياسية، ولا من المسألة الديموقراطية. وهذا أمْـــــرٌ يتنافى مع الادِّعــــاءِ بأنَّ هذه الحكومة لها جذورٌ سياسية، وهويةٌ سياسية؛ فلم تتخذوا ولو إجراءً واحداً من أجل استكمال تفعيل الدستور؛ ولا من أجل الرفع من مكانة الفضاء السياسي والحزبي والمؤسساتِ المُنتَخبة. وانْــــحَـــبَــسَ في عهد هذه الحكومة النقاشُ العمومي؛ وتَعَاظَــــمَـــتْ تَــخَــوُّفَــاتُ الديموقراطيين على حرية التعبير؛ وهَـــيْـــمنتِ الحكومةُ على سلطة التشريع، وأفْــــرَغَـــتْ سلطةَ المراقبةِ من مضمونها؛ وسَـــحبتُمْ من البرلمان مشاريعَ قوانين لها علاقةٌ بمحاربة الفساد والريع، واتَّـــسَـــمَ التعاطي مع المطالبِ الاجتماعية بالضُّــــعــفِ والارتباك. ولم تَطْرَح الحكومةُ تصوُّرَها لتخليق منظومة الانتخابات حمايةً للفضاء المؤسساتي من الفساد في المنبع. كما لم تَـــأتِ لِـــحَـــدِّ الآن بمشروع إصلاح المنظومة الجنائية؛…فيما يتعلق بمنظومة الصحة، لا نُنكر أنَّ هناك عملاً يُـــنْجز في عهد الحكومة الحالية، ومنذ الحكومات السابقة، في شخص السيد خالد ايت الطالب والبروفيسور الحسين الوردي، نحنُ مقـــتَـــنِعُــونَ أننا لن نَــــقْــطِفَ ثِمارَهُ سوى بعد سنوات؛لكن، من حيث التغطية الصحية، فالحكومة أَقْــــصَـــتْ بعتبةٍ مُجحفة 8 مليون شخص من الاستفادة من “أمو تضامن”، وفَــــرَضْـــتُــمْ عليهم الأداء وهُـــمْ غيرُ قادرين؛…. لقد تَــمَـــكَّــــنْـــتُـــمْ، أيضاً، من إطلاق الدعم الاجتماعي المباشر. لكنكم بعد شهورٍ قليلة بدأتم في إيقاف صرفه بالنسبة لعدد كبير من الأسر (خلقتــوا البلبلة بهاد الارتباك)؛ وتظل إشكالية استدامة التمويل هي عنوان الإخفاق الكبير، لا سيما إذا استحضرنا حجم الضغط على ماليتنا العمومية، بسبب فتح أوراش كثيرة؛ ويتطلب ذلك من الحكومة الذهاب، بلا لَــــفٍّ ولا دوران، إلى أين يُــوجَــدُ المال: يوجدُ في إحداث ضريبة على الثروة غير المنتجة؛ والقَـــطْـــع مع الإعفاءات الضريبية؛ والتضريب الملائم لقطاعات في شبه حالة احتكار؛ والرفع من المساهمات الجبائية التضامنية؛ ومكافحة التملُّص الضريبي؛ وتوسيع الوعاء؛ والإدماج التحفيزي للقطاع غير المهيكل؛ وذلك عوض الالتجاء المفرط إلى الاقتراض؛ وإلى التفكيك المُقنّع للمرفق العمومي……لذلك كله، وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، لا يُـــوجَـــدُ أيُّ مبرر لكي تُـــعَـــبِّـــرَ الحكومةُ عن الارتياح والرضى المُـــفْـــرِطَـــيْــن؛ فقد أَشْـــعَــرتُمْ المواطِن بأنَّه ليس لديه حكومةٌ تُنصِتُ إلى هُمومه….”.
من هنا يظهر أن الفريق البرلماني قد استخدم حقه كاملا وباسهاب في تسجيل انتقاداته اللاذعة
والقوية لحصيلة الحكومة في نصف ولايتها التي قدمها رئيس الحكومة ودافع عنها ، مما يثير التساؤل عن بواعث بعث المكتب السياسي للحزب برئاسة أمينه العام رسالة مفتوحة لنفس الرئيس الذي سبق أن قدم هذه الحصيلة أمام البرلمان.
-الإحراج السياسي للحكومة أمام الرأي العام
على الرغم من الظرفية الاقتصادية والسياسية الصعبة التي واجهت حكومة أخنوش منذ توليها تدبير الشأن العام المتمثلة في المخلفات الاقتصادية والاجتماعية للوباء، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى استمرار الجفاف وتداعيات زلزال الحوز المدمر ،فقد أظهرت الحكومة عن مثابرة في تدبير مختلف هذه الأزمات ، في الوقت الذي واصلت فيه تنزيل بعض الأوراش الاجتماعية خاصة ورش الحماية الاجتماعية ومحاولة احتواء احتجاجات قطاعات اجتماعية خاصة الإضرابات غير المسبوقة لنقابات وتنسيقيات التعليم وكذا احتجاجات قطاع الصحة .وبالتالي فبعث المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رسالة مفتوحة لرئيس الحكومة في هذا الوقت التي يتم فيه ترقب تعديل حكومي يثير التساؤل عن الرسالة السياسية التي يبطنها هذا التحرك الذي يستهدف على ما يبدو التشويش على الحكومة وإحراجها أمام الرأي العام. فقد بدا ذلك واضحا خلال ما جاء في الرسالة، التي تلاها الأمين العام للحزب بنعبد الله على أسماع الحاضرين في الندوة الصحافية التي عقدها في مقر حزبه بالرباط، زوال اليوم الثلاثاء 21 ماي الجاري ، على ” أن ما يدفع حزب التقدم والاشتراكية، إلى التوجه لرئيس الحكومة، بهذه الرسالة المفتوحة الثانية هو أنَّ حكومَتَهم ‘تمادَتْ، بإصرارٍ واستعلاءٍ، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطابٍ مُفرطٍ في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطابٍ غابت عنه، بشكلٍ مُقلق، الموضوعيةُ، وافتقَدَ إلى التواضع والنقد الذاتي.” ليعدد أبرز عشرةٍ أسباب تبرهن بحسب هذا الحزب المعارض بالدليل الملموس على فشل الحكومة في النصف الأول من الولاية التشريعية، وفي مقدمتها تجاهلها الخطير لواقع المشهد السياسي والديموقراطي والحقوقي، وهو ما اعتبره ” دليل على أن الحكومة تَعتبرُ نفسَها غير معنية لا ببلورة الدستور، ولا بتوطيد الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولا بقضايا المساواة، ولا بالنهوض الفعلي باللغة الأمازيغية، ولا بمصالحة المواطنين، وخاصة الشباب، مع الشأن العام، ولا بمعالجة أعطاب الفضاء السياسي، ولا بالتصدي للتراجعات المسجَّلة في الحقل السياسي والحقوقي، إذ أنها “لم تحقق أيَّ مُنجَز على هذا المستوى، وعجَزتْ عن اتخاذ أيِّ خطوة لاستعادة ثقة المغاربة في المؤسسات المنتخبة، بل أسهمتْ في مزيدٍ من تردِّي مكانة وصورةِ الأحزاب السياسية”.
ـ المنافسة السياسية للأغلبية الحكومية
يبدو أن نقل هذا الحزب المعارض لانتقاداته للحصيلة الحكومية من قبة البرلمان إلى الساحة السياسية تتحكم فيه نفحة سياسية وانتخابية واضحة تمثلت بالأساس في تحويل معارضته للحكومة إلى تنافس سياسي بينه وبين الحكومة ومن خلاله مع رئيس الحكومة الذي هو رئيس الحزب المتصدر للحكومة. حيث انعكس ذلك من خلال الإشارة الواردة في الرسالة المفتوحة من
“أن الحكومة تجرأتْ على المساس بمبدأ استقلالية الصحافة، ولم تُحَـرِّكْ ساكناً أمام أيِّ تراجعٍ أو مساسٍ بحرية التعبير، فيما انحسرَ النقاشُ العمومي في عهد الحكومة التي تتفادى، إلى اليوم، النداءات المتكررة لأجل فتح النقاش حول الإصلاح الحقيقي لمنظومة الانتخابات منذُ الآن، بما من شأنه حمايةُ الانتخابات والمؤسسات المنتخبة من الفساد والمفسدين ومن الاستعمال الفاحِش وغير القانوني للمال، وخفضُ معدلات العُزوف، ربما لأنها حكومةٌ لا ترى مصلحةً في هذا الإصلاح، وتُـــراهن على اجتياز امتحان انتخابات 2026 بالوصفة نفسها لسنة 2021.” حيث يتضح بأن الحزب يتغيا من خلال هذه الرسالة أن يعوض ضعفه العددي داخل الخريطة البرلمانية والانتخابية، بالظهور سياسيا كمتزعم لمكونات المعارضة التي تعاني من غياب التنسيق والتشرذم وعدم تجانس أطيافها.
وبالتالي فأمام هذا الضعف الذي يكرس ” التغول السياسي ” للأغلبية الحكومية ، اختار الحزب اللجوء إلى نوع من البوز السياسي لإثارة الرأي العام وكسب تعاطفه ، حيث ورد في الرسالة المفتوحة ما يلي : “وحتى يكونَ الرأيُ العام شاهداً على الحوار الذي نريدُهُ أن يكون صريحاً وبنَّاءً بيننا، اعتمدنا هذه الصيغة التي تندرجُ، بشكلٍ طبيعي، في صميمِ الممارسة الديموقراطية السوية، كشكلٍ من أشكال النقد الشفاف والرقابة المؤسساتية والتعبير السياسي التي خَوَّلَها الدستورُ للأحزابِ السياسية”.
من هنا يبدو أن لجوء بعض مكونات المعارضة البرلمانية سواء من خلال التلويح بملتمس الرقابة أو بعث رسائل مفتوحة يعكس الضعف السياسي الكبير الذي تعاني منه مكوناتها ، حيث بدل أن تبلور هذه المعارضة خارطة طريق واضحة ومنسجمة لمواجهة القوة العددية والانتخابية التي تتمتع بها الأغلبية الحكومية تنخرط بعض أحزابها منفردة في ممارسات هي أقرب إلى البوز السياسي منها إلى ممارسة معارضة برلمانية رصينة بآلياتها الرقابية وزخمها السياسي.
تعليقات الزوار ( 0 )