Share
  • Link copied

المصطفى العلوي: هكذا دخلت مدينة العيون لأول مرة وأجريت حوارا مع خليهن ولد الرشيد

يحكي الصحافي الراحل المصطفى العلوي، عن غضبة الحسن الثاني ضده التي جعلته يختار طريقا وعرا لدخول مدينة العيون كأول صحافي، إذ وافقت له وزارة الداخلية الإسبانية، عبر ترخيص خاص، للسفر مع البعثة الأممية إلى مدينة العيون.

الحوار يتطرق إلى مغامرات صحافي في لقائه مع خليهن ولد الرشيد، الذي أجرى معه حوارا كان بمثابة نقاش جعل هذا الأخير يختار العودة إلى المغرب، وهو ما أغضب رئيس البعثة الأممية.

في الحوار تفاصيل لقاء المصطفى العلوي مع الرئيس الموريتاني الأسبق أحمد ولد بوسيف، الذي ربط به اتصالا، وأصبحت له علاقة بالمغرب، ومات في ظروف غامضة.

مولاي مصطفى أنت أول صحافي يصل إلى مدينة العيون، كيف وصلت في الوقت الذي كان فيه الاستعمار الإسباني ما يزال جاثما على الأقاليم الجنوبية؟

قصة السفر إلى العيون غريبة شيئا ما..

كيف؟

لم تكن في نيتي زيارتها، ولكن ما وقع أنه خلال التحضير لقضية الصحراء قبل المسيرة الخضراء، كان الملك الحسن الثاني قد قطع العلاقات مع إسبانيا وسحب السفير المغربي بمدريد. وفي إطار هذا السحب، قررت إسبانيا الاحتفاظ بسفيرها بالمغرب (ادولفوا جنيروا) وكان صديقا لي.

هذه الواقعة تصادفت مع العيد الوطني لإسبانيا، وأقام السفير الاحتفال بإقامته بطريق زعير، وبطبيعة الحال حضرت شخصيات عديدة للحفل المسائي. وكل من همّ بالدخول من المسؤولين المغاربة، كان يجد أمامه موظفا بوزارة الخارجية المغربية اسمه محمد بناني، مدير التشريفات، الذي يقول له: “سلم عليكم سيدنا وقالكم حتى واحد ما يدخل حد”.

وفي الأخير، قرر المسؤولون المغاربة أن يقاطعوا حفل السفارة. وحين حل دوري للدخول، وكان ذلك في زمن الشباب والانفتاح الصحافي، قلت لمدير التشريفات: “أنا أسيدي ما خدامش معاه”.

تقصد أنك “ماخدامش” عند الحسن الثاني؟

طبعا، وكنت أنا وزوجتي الوحيدين من المغاربة اللذين حضرا الحفل، الذي نشطته فرق موسيقية إسبانية، ومر في أجواء عادية.

صباح اليوم الموالي، على الساعة الثامنة صباحا، رنّ الهاتف، والمخاطب كان هو صديقي وجاري الجنرال أحمد الدليمي يدعوني إلى تناول كوب قهوة، فقال لي: “مصطفى واش ضربك السلك”، فقلت له ماذا هناك، فقال لي إن سيدنا الملك الحسن الثاني اتصل به في منتصف الليل وقال له ماذا يظن صديقك مصطفى في نفسه حينما قال لمدير التشريفات أنا مخدامش معاه.

فقلت له: “سي أحمد راها خرجات لي. بلغ سيدنا الأسف ديالي، وهو يعرف ظروف العمل الصحافي”، وشددت عليه لتبليغ اعتذاري إلى الملك حتى لا ينزعج مني.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الحادثة وقعت في السابعة والنصف مساء، والمعلومة وصلت إلى الملك واتصل في منتصف الليل بالجنرال الدليمي، إذن فالأمر مهم.

وماذا كان رد الدليمي؟

الجنرال الدليمي قال لي إن الملك لن ينزعج من ذلك ولكنه أمر بأن أبلغ السفير بأن هناك بعثة أممية ستذهب الأسبوع المقبل إلى العيون، وهي أول بعثة أممية ترأسها شخصية من ساحل العاج، وأن أطلب منه أن أرافق هذه البعثة، لأنهم منعوا جميع المغاربة من المشاركة فيها أو الدخول إلى العيون في تلك الفترة.

وهل لبيت طلب الملك؟

بالفعل، تقدمت بذلك إلى السفير الإسباني الذي طلب مني مهلة يومين، وبعد انصرام المهلة قدم لي رسالة بإمضاء وزير الداخلية الإسباني يقول فيها: “نرخص لمصطفى العلوي، مدير جريدة المساء، أن يرافق البعثة الأممية إلى العيون”.

وهكذا رافقت البعثة، وكنت أول مغربي يدخل مدينة العيون في الوقت الذي كانت فيه المدينة بعيدة جدا عن المغاربة.

رافقت البعثة في زيارتها إلى مدينة العيون لمدة عشرين يوما، زرنا خلالها العديد من المناطق. في اليوم الثالث أو الرابع، أقام الحاكم العسكري للعيون حفلة عل شرف وفد البعثة الأممية بالنادي العسكري، في لحظة من اللحظات صوبت الإنارة على مدخل النادي أثناء دخول خليهن ولد الرشيد، الذي كان رئيس حزب “البونز” وفي الوقت نفسه كانت إسبانيا تحضر حزبه للحكم في حالة ما إذا اتخذت الأمم المتحدة قرارا باستقلال الصحراء، ولذلك كان خليهن ولد الرشيد هو المرشح الوحيد لرئاسة الصحراء.

الدافع المهني جعلني أخرج من بين عامة الناس وأذهب للسلام عليه، وقال لي: “أنا هو تشومبي”. فأجبته: ماذا تقول؟ فأجابني: “أنت من كتبها في جريدتك وقلت إنني هو تشومبي الصحراء، بمعنى أنني أريد الصحراء لوحدي”، فطلبت منه أن أجري معه حوارا وعدته بنشره في جريدتي، فأرشدني إلى منزله القريب من النادي.

في الخامسة مساء من اليوم التالي، ذهبت لمقابلته ووجدته رفقة صديق له. بعدما وضعت آلة التسجيل، قلت له سنجري نقاشا إن أقنعتني سأكتب وأقنع قرائي بحقكم في الحكم بالصحراء، وإذا أنا أقنعتك ستحزم حقائبك وتعود إلى المغرب.

وماذا كان رده؟

وافق، أنا أفسر له لماذا الصحراء مغربية، وهو يفسر لي موقف حزبه الذي به الكثير من الجدية. في الأخير، قال لي لم تقنعني ولم أقنعك.

يومان بعد ذلك، كنا في السمارة وزرت ضريح ماء العيين بالزاوية، وعلى الساعة الثامنة صباحا طلبني رئيس البعثة وقال لي: “ما ذا فعلت بي يا مصطفى؟” فسألته: ماذا وقع؟

قال لي: لقد ذهبت عند خليهن وأعطيتيه الإمكانية وقد غادر إلى المغرب. وطلب مني مغادرة البعثة، فقلت له لقد قمت فقط بدوري كصحافي، فقال إن مدريد اتصلت به وأبلغته بأن ذلك الشخص (يقصدني) ليس صحافيا وإنما يقوم بدور آخر.

وبالفعل تأكد لي كلامه في اليوم الموالي؛ إذ كتبت جريدة إسبانية أن مصطفى العلوي ليس صحافيا، وإنما ضابط في الجيش الملكي. حينها قال لي رئيس البعثة: “أنا الآن محرج والإسبان يطلبون مني أن لا أسمح لك بصعود الطائرة”، فأقنعته بامتهاني للصحافة وبالاستمرار في مرافقتهم عبر الطائرة إلى أن وصلنا إلى الداخلة.

بعد أسبوع تقريبا، اتصل بي الشخص نفسه وأكد لي أن الإسبان ألزموه بعدم مرافقتي للوفد الأممي، وهمس لي في أذني بأن الإسبان سيعتقلونني اليوم أو غدا. شكرته، وكنا حينها بالداخلة، لكنه ألح عليّ بأنه ليس من حل أمامي إلا تسليم نفسي للإسبان.

في المكان المخصص لتناول الغذاء، تعرفت على عقيد إسباني كان يمارس التجارة، وبدأنا في الحديث، فوجدته يعرف الشمال ومدينة تطوان، سألني عن المهدي بنونة (مؤسس وكالة المغرب العربي)، وهكذا أصبح بيننا شيء من التفاهم، فقلت له إننا على بعد 6 كيلومترات من نواذيبو الموريتانية، وإنني أرغب في مشاهدة تلك الحدود، فوافق وأرسلني مع سائقه الخاص.

تركت الجميع يتناولون وجبة الغذاء، وذهبت مع السائق الذي كانت إحدى يديه مبتورة، وصلنا إلى الحدود، فطلبت من أن يواصل قليلا، لكنه رفض قائلا: “هل تريد أن نقتل”، فأعطيته بعض النقود ودخل بي إلى نواذيبو.

ولما وصلت إلى نواذيبو نزلت في فندق، وطلبت منه أن يعود هو لأنني لا أريد الرجوع، وأمضيت الليلة في الفندق…

عدت إلى المغرب من نواذيبو؟

لا، على الساعة الثامنة صباحا دخل إلى الغرفة تقريبا عشرة من رجال الشرطة الموريتانيين، فأخذوني على متن سيارة إلى مقر عمالة نواذيبو ووضعوني بخزانة وأغلقوا عليّ بابها.

بعد مرور ساعة تقريبا، انفتح الباب وقال لي أحد الأشخاص: “اه السيد القادم على متن الجيب”، واتهمني بأنني سرقت سيارة جيب من الإسبان وأنني موضوع بحث منذ الأمس، فأخبرته بأنني صحافي أقوم بدوري، وبأن هذه ضمن المغامرات الصحافية، وطلبت منه أن يسدي لي معروفا، فقال لي: “أنا اسمي بوسيف، عامل نواذيبو”، قلت له أنا المصطفى العلوي، صحافي من المغرب، وطلبت منه أن يتصل بسفيرهم في الرباط للتأكد من كلامي.

أغلق عليّ من جديد، وبعد نصف ساعة فتح الباب، وقال: “أعتذر سي مصطفى لم أكن أعرفك”، وشكرته على اهتمامه…

السيد بوسيف يتأسف؟

نعم، يتأسف، ودعاني إلى الغذاء بمنزله. بعد الغذاء، تبادلنا أطراف الحديث حول التاريخ والسياسة. وفي بيته توجد خريطة كبيرة للمغرب وموريتانيا، سألني عن رأيي فيها عن وكيفية حل مشكلة موريتانيا.

أجبته بأنه في نظري على المغرب أن يعطيهم الكويرة ونواذيبو التي هي جزء من موريتانيا، ووعدته بأن أكتب مقالات أنصح فيها المغرب بأن يسلم تلك المنطقة للموريتانيين، فقال لي: “سي مصطفى راك تبرعتي علينا”، فقلت إنها مسألة منطق ولا يجب أن تكون هناك حزازات مع موريتانيا، فقال لي: “هناك حقيقة عليك أنت أن توصلها إلى ناس المغرب، وهي أننا نحن الموريتانيين لن نستقر ولن نرتاح إلى أن تكون بيننا دولة ولو كانت إسرائيل حتى لا تكون هناك علاقة بين المغرب وموريتانيا”. وأوصلني الى الطائرة المتوجهة إلى نواكشوط.

وحينما دخلت إلى المغرب كتبت تقريرا إلى الملك سردت فيه ما وقع لي وما قاله لي بوسيف.

التقرير سلمته لصديقك الدليمي؟

نعم سلمته لصديقي الدليمي، وأوصله إلى الملك. مر الوقت وأصبح يوسيف رئيسا لموريتانيا، فأصبحت الجرائد، بما فيها “Le monde”، تقول إن السيد بوسيف أصبح يؤيد المغرب.

وهل كان يؤيد المغرب حقيقة؟

المهم أنه بعد أسبوع من ذلك، سمعنا عن تصفيته في الطائرة، بمعنى أن بوسيف بعد رسالتي إلى القصر، اتصلت به الأجهزة وأقنعته بتأييد المغرب، ولهذا السبب تمت تصفيته في نواكشوط.

Share
  • Link copied
المقال التالي