Share
  • Link copied

المرزكيوي: لا يمكن للدول تلبية حاجيات شعوبها دون الحفاظ على علاقتها مع الدول الأخرى

في إطار المنتديات والندوات التي تنظمها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، نُظّمت يوم 12 ماي ندوة تفاعلية حول موضوع السيادة بعد جائحة كورونا، من تأطير الأستاذ عبد العزيز قراقي ومشاركة نخبة من أساتذة القانون الدولي والعلاقات الدولية.

واعتبر رشيد المرزكيوي أننتا اليوم نعيش في قرية كوكبية تعيش بحرية تنقل الأشخاص، لكن جائحة كورونا طرحت مجموعة من الأسئلة بخصوص مستقبل الدولة والحدود والحقوق والحريات وسؤال الصحة والسياسات العمومية..الخ.

هل ستؤثر أزمة كورونا على سيادة الدول في المستقبل

في معرض جوابه عن هذا السؤال، قال المرزكيوي ”إننا نعيش اليوم في قرية كوكبية صغيرة تتميز بحرية تنقل الأشخاص وتشهد تدفقات واسعة للسلع ورؤوس الأموال عبر الحدود الوطنية”.

 وأكد المتحدث على أنه لن يحدث أي تغيير على مستوى سيادة الدول في المستقبل. غير أن هذه الأخيرة، أي الدول، يقول المتدخل: “تخضع لمجموعة من القواعد القانونية الدولية التي تتدخل للحد نسبيا من سيادتها. فقبل بضعة عقود فقط، كانت الكثير من الشؤون تعتبر من صميم السلطان الداخلي للدول،  ولكن اليوم أصبح القانون الدولي يتدخل بشكل كبير ليحد من سيادة الدول، ولينظم مجالات كانت الى عهد قريب من الاختصاصات الداخلية”.

وأردف المتدخل قائلا بأن المجتمع الدولي ملزم بتبني واحترام قواعد القانون الدولي خاصة وأن المجتمع الانساني تتقاطع إلى حد كبير مصالحه المشتركة على مستوى الأمن والسلم والاستقرار.

 “فلكي يتحقق الأمن الدولي يجب على الدول أن تتنازل على جزء من سيادتها في حدود ما يتطلبه احترام مبادئ وقواعد القانون الدولي، كقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني أو غيرها من القواعد التي تعتبر ضرورية لاستتباب الأمن والسلام على المستوى العالمي، آنا ومستقبلا”.

كما تجدر الاشارة، يضيف الخبير في القانون الدولي، إلى أنه “لا يمكن للدول أن تعود إلى جمود سيادتها كما كانت في الماضي، سيما إذا استحضرنا واقع الترابط القائم بين الدول والاعتماد المتبادل المفرط بينها، إذ لا يمكن للدول أن تحقق لشعوبها الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك دون الاعتماد على الدول الأخرى”.

 وختم المتدخل جوابه باستحضار ما ينتصب في وجه الدول من مشكلات أمنية جديدة، والتي تستدعي تعزيز التعاون الدولي والابتعاد ما أمكن عن الأنانية القطرية الضيقة، حتى وإن تطلب منها الأمر التنازل النسبي والمحدود عن سيادتها.   

هل ستسمح مستقبلا لمنظمة الصحة العالمية في التدخل في سياساتها العمومية في مجال الصحة؟

 في هذا الإطار، أشار الأستاذ المرزكيوي إلى أدوار المنظمة العالمية للصحة التي وصفها بالرائدة في حماية الصحة العالمية في مختلف بلدان العالم وبالخصوص في المناطق الهشة التي تعاني من مشكلات التغذية وما ينتج عنها من أمراض وأوبئة خطيرة على صحة الانسان.

وقد استحضر في معرض جوابه ما تقوم به هذه المنظمة الأممية من مجهودات جبارة على مستوى محاربة الأمراض المعدية والأوبئة المتنقلة، من خلال إصدارها لدلائل ومنشورات عدة تتضمن جملة من التوجيهات والارشادات والاجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها في هذا المجال.

كما سلط الضوء على الدور الذي اضطلعت به المنظمة في إطار تنسيق التعاون الدولي في إطار تبادل الخبرات وتبادل المعلومات بين مختلف الدول لمحاربة هذا الوباء. لكنه نبه إلى أن احترام الدول لتوجيهات هذه الأخيرة لا يمكن اعتباره، وبأي حال من الأحوال، بمثابة أوامر ملزمة موجهة لها أو هو تدخّل في سياساتها الداخلية، بل إن استرشادها وتطبيقها لهذه القواعد لا يعدو أن يكون مجرد استئناس في سبيل البحث الجماعي عن السبل الفعالة والكفيلة بمحاربة هذه الجائحة.

هل ستنكمش الدول على نفسها بحثا عن بناء اقتصاديات محلية؟

لا أعتقد ذلك، يقول المتدخل، لكن ما هو ثابت هو أن الدول ستستمر في الاعتماد على الخارج، وهذا ما لاحظناه الآن ونحن نعيش على إيقاع تدبير هذه الجائحة في أفق القضاء عليها. فعلا، في البداية وتحت وقع الصدمة أغلقت الدول حدودها وحاولت أن تشتغل بانفراد، لكنها في النهاية وعت واستوعبت بأنها لا تستطيع محاربة هذا الوباء إلا في إطار التعاون الدولي والتضامن الأممي، ولنا في المساعدات التي شرع الاتحاد الأوروبي في تقديمها للدول المتضررة خير مثال على ذلك.

وعموما، لا يمكن للدول أن تلبي كل حاجيات شعوبها الاقتصادية ولا يمكن أن تحقق لها الرفاه دون أن الحفاظ على علاقتها مع الدول الأخرى؛ ”فمن لديه الأغذية تنقصه الطاقة، ومن له الطاقة تنقصه التكنولوجيا، ومن له التكنولوجيا تنقصه أمور أخرى وهكذا”. وبناء عليه، فلا يمكن لأي دولة أن تنكمش على نفسها وتغلق حدودها نهائيا مهما بلغت من النمو والتقدم والازدهار. ولهذا فإني أعتقد، يضيف الأستاذ المتدخل، أنه في المستقبل سيزداد الارتباط والاندماج الدولي على مستوى المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وخاصة منها تلك العاملة في المجال الاقتصادي، إذ لا بديل عن العمل الجماعي”.

هل يمكن انخراط القطاع الخاص في بناء اقتصاديات وطنية مضحيا بإغراءات السوق الدولية والصينية بالخصوص؟

تجدر الاشارة في البداية إلى أن الصين تعد من أكبر الاقتصاديات المنتجة في العالم، حيث تصنف في المرتبة الثانية عالميا. ويربط هذا العملاق الاقتصادي علاقات كثيرة مع الدول مسجلا لنفسه حضورا قويا في كل من افريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها بقاع العالم، وذلك في إطار منافستها مع الشركات الأمريكية والفرنسية والغربية بصفة عامة. وأعتقد، يردف المتدخل، بأنها ستزداد هيمنة وتمددا اقتصاديا في المستقبل، خاصة وأنها تتبع في علاقاتها هاته أساليب مختلفة ومغايرة عن تلك التي تعتمدها الدول الغربية القائمة على الاستغلال والتبعية. هكذا، فإن السوق الصينية سوف تستمر في جذب الشركات والقطاع الخاص من مختلف جهات العالم، خاصة إذا استحضرنا الإغراءات والمحفزات التي تتميز بها والتي لا تعد ولا تحصى، مثل توفير اليد العاملة الرخيصة وموارد الطاقة وغير ذلك. 

هل يمكن أن نرى في المستقبل انسحاب الدول من الاتفاقيات الدولية وخاصة منها المتعلقة بحقوق الانسان؟

لقد ركز الأستاذ المرزكيوي، وهو الخبير في القانون الدولي لحقوق الانسان، على حالة الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة بانتهاكها وخرقها للقانون الدولي بمختلف فروعه، حيث أشار إلى أن بلاد العم سام مازالت ترفض الانضمام الى مجموعة من الاتفاقيات الدولية، كالاتفاقيات المتعلقة بالسلم والأمن وتلك المرتبطة بحقوق الانسان كانسحابها قبل عامين من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، هذا ناهيكم عن اعتداءها المباشر على سيادة العديد من الدول العربية والافريقية، تارة بدعوى محاربة الارهاب وتارة أخرى بدعوى الدفاع عن النفس أو شيء من هذا القبيل.

ويرى المتدخل أن ذلك لن يؤثر في شيء على استمرار الدول النامية في احترام القانون الدولي والعمل على تطويره خدمة للمصالح المشتركة للمجتمع الانساني، خاصة وأن هذه الدول لا يمكن لها أن تدافع عن مصالحها إلا في إطار هيئة الأمم المتحدة ومن داخل المؤسسات الدولية. هكذا سيزداد تمسك الدول النامية بالاتفاقيات الدولية الشارعة والقواعد القانونية الدولية ذات الطبيعة الموضوعية وذات الطبيعة الآمرة.

Share
  • Link copied
المقال التالي