Share
  • Link copied

المجلس الأعلى للحسابات من جديد

خلال عرض رئيس المجلس الأعلى للحسابات  لتقرير يهم برنامج “مدن بدون صفيح” أمام لجنة مراقبة المالية العمومية بمجلس النواب – بالمناسبة هو ضابط إيقاعها بامتياز -، أشار إلى أن مجلسه يقوم بإعداد تقارير سنوية، سواء من خلال مصالحه المركزية أو الخارجية، وقد كانت مناسبة له ليستنكر التعامل السلبي مع هذه التقارير، من خلال لامبالاة المشرع الفرعي ومشتقاته.

إن مسألة عدم الاهتمام بتقارير المؤسسات الدستورية قاسم مشترك بين مجموع المنظمات العمومية، وعدم الاهتمام بتقارير مجلس الحسابات يدخل ضمن هذا المجال، بل إن استفادة قضاته من الامتياز القضائي والحماية القانونية لم يظهر خلال وصف قدمه عمدة سابق في حق قضاة مجلس جهوي، فكيف يستقيم الأمر والقاعدة القانونية تتفرد بارتباطها بجزاء دنيوي تقيمه المؤسسات المختصة في إطار تعاقد مجتمعي، أضف إلى ذلك، فإن طبيعة تعامل القضاة أثناء القيام بمهامهم الرقابية يختلف عن طبيعة  تعامل المفتشين المنتمين إلى كل من  المفتشية  العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية والمفتشيات الوزارية المختصة.

السيد الرئيس، لقد  سبق لكم أن تقلدتم مناصب عديدة أهمها وزير أول، وعليه فأنتم تعلمون علم اليقين كيف يتم تدبير المال العام وطبيعة تركيبة النخبة المشرفة على الشأن العام.

لا أحد يهتم بتقارير المجلس بل وأستميحكم أن أقول أن لا احد ترعبه تقارير المجلس لأنه وفق قول العامة ” ما عندوش سوارت الحبس”، فالمجلس لا يتوفر على غرفة جنائية، أي أن الأسد مخلوع نابه – وهنا يطرح سؤال الإرادة السياسية (….)- إذ يقتصر دور المجلس على التأديب المالي، وحتى الملفات التي بها شبهة جنائية، تتم إحالتها على الوكيل العام للملك بالمجلس ( المنصب الذي ظل شاغرا لمدة طويل منذ تعيين صاحبه بالمجلس الدستوري) الذي يحيلها على الوكيل العام للملك بمحكمة النقض أو لوزير العدل حسب الوضعية، وهنا تنتهي مهمة المجلس، لتنطلق السلطة التقديرية للجهة المستقبلة للإحالة، أضف إلى ذلك انه منذ 2011 تم إحداث أقسام للجرائم المالية على مستوى أربع محاكم استئناف في إطار تعزيز سلطات القضاء الجنائي في المجال المالي.

إن وضعية المجلس الأعلى للحسابات يمكن وصفها كوضعية قائد القيادة العليا للهيئة الحضرية بالمديرية العامة للأمن الوطني ( حالة قائد هيئة ممتاز) – بمدينة بها تقطيع أمني كبير-، فهذا الأخير على غرار زملائه ب IP.GIR.GMMO، لا يهابه المنحرفون عكس خشيتهم للعناصر المدنية، ببساطة لأنه لا يتوفر على الصفة الضبطية، فوفق القانون إذا أوقف سيارة وأشعر قاعة المواصلات بكون السائق في حالة سكر، فانه يتم استقدام هذا الأخير أمام عناصر الضابطة القضائية، والتي قد يكون بالصدفة المشرف على تلك المجموعة مفتش شرطة حصل على الصفة الضبطية بناء على قرار مشترك لوزير العدل والداخلية ليقول إن الموقوف ليس في حالة سكر وينتهي كل شيء. ويردم تدخل مسؤول يشرف على ما يناهز 4000 عنصر أمني وبين مكلف بمجموعة لا تتعدى أصابع اليدين في أحسن الأحوال، والمسألة قانونية لا غير.

وحتى تتضح الرؤية ويستقيم الأمر، نستحضر نموذج الدرك الملكي، فساكنة العالم القروي تخشى عناصره لسبب بسيط أنهم يشتغلون وفق مجموعات على رأسها ضابط للشرطة القضائية وبالتالي، فهم ليسوا في حاجة إلى “محرم” لشرعنة تدخلاتهم.

مشكلة عدم الاهتمام حسب رئيس المجلس، والتي أعتبرها عدم خوف ولا مبالاة بتقارير المجلس، مرتبط أيضا بطبيعة الموارد البشرية التي عكف المجلس على استقطابها في السنوات الأخيرة وهي فئة المهندسين، نعم هذه الفئة هي المشرفة على اغلب البرامج والاوراش التي فتحها المغرب، إن لم نقل كلها، سواء من تخطيط وتنفيذ وتتبع و…، لكن هل استطاع مركز تكوين قضاة المحاكم المالية تطويع وتغيير طريقة اشتغالهم؟ أم أنهم هم من غيروا المجلس حتى أصبح الحديث عنه كمرفق إداري لا غير ..نزعت عنه الصفة القضائية؟.

*باحث في القانون العام والعلوم السياسية

Share
  • Link copied
المقال التالي