شارك المقال
  • تم النسخ

المثقف المغربي الحلقة الأضعف في سلسلة النشر

عند المنعطفات الحادة تكثر الخيالات وتتضاعف الافتراءات، كما يقول الكاتب تامر إبراهيم، ومناسبة هذا الكلام ما أثير من لغط من بعض الأبواق الفضفاضة عن جشع الكتاب والمثقفين بسبب مطالبتهم بحقهم القانوني في جائزة المغرب للكتاب، وعند التدقيق يظهر أن أضعف حلقات مسلسل النشر هو الكاتب الذي يُجهد نفسه، فهذا العقل الذي يتحرك في جسد ثابت كما يقول خورخي لويس بورخيس، يعتصر ليلد لنا الفكرة ويتمزق من أجل أن يبدع ويحملنا إلى عوالم لا سبيل لنا إليها إلا بقلمه وخياله.

يحرم الكاتب نفسه من نعيم يتمرغ فيه غيره من أجل أن يوقظ الوعي ويرتقي بالذوق، ويكاد يكون ذلك بلا مقابل.. كان توفيق الحكيم يقول في كتابه “حضور متجدد” وهو يتكلم عما يناله من حقد الحاقدين وحسد الحاسدين الذين يستكثرون عليه في المجتمعات المتخلفة مقابلا لمجهوده الذي لا يُقدر بثمن، يقول: “الكاتب الحي هو الذي يُنهش كاللحم الحي، لأن الجيف لا تُطعن ولا تُنهش، وما دمتُ حيا،. فلا شيء يمنعني من الركض على جواد الكفاح”.

في كتابه “ذاكرة القراءة” لألبرتو مانغويل رسم درامي للكاتب الفقير الذي ظهر في القرون الوسطى والذي نريد أن نعيشه في خيالنا المريض، منكمشا على كرسيه العالي بأصابع انعقدت من شدة البرد، محدودبا فوق قرطاسيته وعيناه تجهدان لتقتنصا بصيص الضوء..فضيلة الفقر جوهرية هنا كما يقول مانغويل، وقد تشاطر المسيحيون الأوائل هذه الفكرة مع الرواقيين الإغريق، وبقيت الصورة متسللة إلى لا وعينا السقيم حيث نحب أن نرى الكاتب فقيرا أو متسولا.

عند السؤال على حقوق الكُتَّاب والمؤلفين في عالمنا العربي، إذا استثنينا بعض الأمثلة القليلة، يصدمك أن الحلقة الأضعف في سلسلة النشر هي الكاتب والمؤلف !!

ويكفي الاطلاع على عقود النشر ليقف الإنسان على عقود الإذعان التي تسحب من الكاتب كل حق، وترمي له بالفتات، وقد اطلعنا على عقود مع دور نشر تُمارس أبشع استغلال وتستغل وضع الكاتب الذي لا حيلة له، تأخذ معه خمسين بالمائة من قيمة أي جائزة يمكن أن يحظى بها عمله، وهناك دور نشر تكون أرحم بالكاتب إذ تكتفي بربع قيمة الجائزة، كائنا ما كانت قيمة الجائزة، هناك دائما طرف آخر يقطف ثمرات الكاتب الشقي ويجفف عرقه، كما يقول أسعد داغر، ليتركه لنخبة ألفت السخرية من صانع الكلمات ذلك الكائن الذي يمنحنا فرصة اكتشاف العالم من حولنا، ذلك الذي ينسينا أننا نقرأ بموهبته، لأنه يضعنا في قلب الفعل الحيوي كما يقول خيري شلبي.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي