بخلاف المؤسسة العسكرية التي حافظت على “بكمها التريخي”، تبنت المؤسسة الأمنية ، خاصة في عهد المدير العام عبد اللطيف الحموشي سياسة تواصلية مطردة سواء من خلال مأسسة التواصل الأمني، أو الانفتاح على الفضاء المدرسي والمحيط الاجتماعي ، وكذا الانخراط في الفضاء الرقمي.
-مأسسة التواصل الأمني
أحدثت المديرية العامة للأمن الوطني ، لمجابهة التهديدات الأمنية المتصاعدة التي لا تقتصر على تحركات وأنشطة الخلايا الإرهابية ، وتدوينات وفيديوهات التشرميل الذي قد تشيع جو الإحساس بعدم الأمن داخل الرأي العام ، حوالي21 بنية أمنية جديدة خاصة بالتواصل الأمني المؤسساتي، واحدة مركزية على مستوى ديوان المدير العام للأمن الوطني، وعشرين مصلحة لا ممركزة على صعيد ولايات الأمن والأمن الجهوي والإقليمي، والتي تتحدد مهمتها في تسهيل عمل وسائل الإعلام وتيسير وصول المواطن والصحافي للحق في المعلومة الأمنية.كماأنشأت المديرية العامة للأمن الوطني منصب “الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني” كنقطة ارتكاز بين المؤسسة الأمنية ووسائل الإعلام، وكمصدر رسمي للمعلومات والأخبار المرتبطة بالقضايا الكبرى التي تستأثر باهتمام الرأي العام. وهكذا اختارت المديرية العامة للأمن الوطني توجها جديدا لإستراتيجيتها التواصلية مؤداه ” لا تحجب عن وسائل الإعلام والرأي العام إلا ما يفرض القانون وتقييدات النشر حجبه”؛ وذلك كشعار بديل عن فلسفة العمل الكلاسيكية التي كانت تفرض على مصالح الأمن في السابق تبني مقولة “لا تقل لوسائل الإعلام إلا ما يجب عليك أن تقوله لهم”. وفي هذا السياق ، درجت المديرية العامة للأمن الوطني على المشاركة في عدة ندوات تنظمها مؤسسات وطنية أو إقليمية أو دولية، منها الندوة العلمية الدولية حول موضوع “التربية الإعلامية: آفاق وتطلعات” التي نظمت في 22 فبراير 2024 من طرف (الإيسيسكو) وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية، بتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجامعة الدول العربية ممثلة في قطاع الإعلام والاتصال لمناقشة سبل ترسيخ مفاهيم وقيم التربية الإعلامية، والعمل على إدراجها في المناهج التعليمية المختلفة لتطوير مهارات التفكير النقدي، وتعزيز آليات الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة. وهكذا أكد الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بو بكر سبيك، في مداخلته خلال هذه الندوة على أن اختيار هذا الموضوع تمليه ضرورة تحصين المجتمع ضد مختلف المخاطر المستجدة، فضلا عن تعزيز الوعي المشترك بأهمية التربية والتحسيس باعتبارهما المدخل الأساسي للوقاية من الجريمة، مضيفا بأن أن قطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني قام “ببلورة مقاربة مندمجة لتوطيد البعد التحسيسي في العمل الأمني، وتوطين التربية والتوعية في مخططات المناهج الشرطية”، مبرزا أن الأمن في مفهومه الشامل يتجاوز الرؤية الكلاسيكية التي كانت تحصره سابقا في معادلة الوقاية والزجر.بالاضافة إلى ذلك ، فمنذ الزيارة الملكية لمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني الجديد ، انخرطت هذه المديرية في مقاربة تواصلية تستهدف الانفتاح على وسائل الإعلام الوطنية والدولية، لإخبارهم عن الخلايا الإرهابية ، التي يتم تفكيكها حيث داومت الديستي على تقديم كافة التفاصيل عن مخططاتها وتحركاتها . وبهذا الصدد سبق لعبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية ، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الكشف أمام وسائل الإعلام الوطنية والدولية عن تفكيك عدة خلايا إرهابية تنحدر من عدة مدن مغربية .كما تابع خلفه نفس السياسة التواصلية، من خلال إجراء عدة حوارات واستجوابات بهذا الخصوص مع وسائل الإعلام من صحف وغيرها . كما تدخل مجلة “الشرطة” ضمن الأدوات التواصلية التي تراهن عليها المديرية العامة للأمن الوطني في مخاطبة المواطنين وموظفي الأمن والمجتمع بصفة عامة، حيث تتخصص هذه المجلة في التعريف بقطاع الأمن ودعم مشاريع الإصلاح والتحول الذين تعرفهما المؤسسة الأمنية، علاوة على إفراد منصة قانونية وإدخال فقرات تحسيسية موجهة إلى الجيل الناشئ من خلال ومضات تحسيسية بواسطة الأنشطة المرسومة التي يساهم في إنتاجها موظفو الشرطة. وفي هذا السياق، صرحت العميد الممتاز أمل برقية، في لقاء صحفي إلى أنه على الرغم من الظروف الصعبة الناجمة عن جائحة كوفيد ، فقد كان التواصل في عمق الإنجازات الملموسة التي حققتها المديرية العامة؛ في مجال الإخبار والتحسيس ومحاربة الأخبار الكاذبة بطريقة شفافة ومنفتحة.حيث إن “التواصل المؤسساتي هو وظيفة متأصلة في الحياة اليومية لموظفي الأمن، ويتم تحديثها وترسيخها كل عام، معبرة بذلك عن صورة الشرطة المواطنة الشفافة وقبل كل شيء في خدمة المواطن”. كما أطلقت المديرية العامة للأمن الوطني النسخة الالكترونية من مجلة “الشرطة” على تطبيق معلوماتي يمكن تحميله على الهواتف المحمولة واللوحات الإلكترونية التي تعمل بنظام تشغيل “أندرويد” وios للتمكن من الاطلاع على الأعداد الجديدة فور صدورها باللغتين العربية والفرنسية. وتمكين الجميع من الولوج إلى المعلومة الأمنية. في حين قامت بأرشفة جزء من الأعداد القديمة ونشرها في محاولة لتوثيق التاريخ الأمني للمملكة، وذلك في أفق رقمنة جميع الأعداد القديمة ابتداءً من سنة 1961.
-الانفتاح على الفضاء المدرسي
نظرا لما أصبح يتهدد الفضاء المدرسي والتعليمي من مخاطر تتمثل في انتشار مظاهر العنف واستفحال بيع المخدرات عملت مصالح الأمن الوطني على تنفيذ مخططها الرامي لتدعيم التحسيس بالوسط المدرسي، وتحصين التلاميذ ضد مخاطر الجنوح وإساءة استعمال الأنظمة المعلوماتية. فقد بلغ عدد التلميذات والتلاميذ المستفيدين من عمليات التوعية والتحسيس حوالي 141 ألف و241 مستفيدا، يتوزعون على 1816 مؤسسة تعليمية. كما عقدت مصالح الأمن على المستوى الجهوي والمحلي اجتماعات تنسيقية وتشاورية مع 1821 جمعية وهيئة غير حكومية، تناولت قضايا مرتبطة بانتظارات الساكنة من المؤسسة الأمنية. كما قامت هذه المؤسسة في سنة 2021 بإثراء المحفظة البيداغوجية المخصصة للحملات التحسيسية في الوسط المدرسي، من خلال إعداد وتوزيع قصص مصورة للتعريف بمخاطر الإرهاب والتطرف وشغب الملاعب. وقد استفاد من هذه الحملات التوعوية 240 ألفا و406 من التلاميذ والتلميذات، ينتمون إلى ستة آلاف و164 مؤسسة تعليمية موزعة على الصعيد الوطني، برسم الموسم الدراسي 2021-2020. في حين واصلت مصالح التواصل الأمني التجاوب مع طلبات الأطفال الصغار الذين يرغبون في ارتداء بذلات الشرطة، حيث استقبلت خلال سنة 2023، أحد عشر طفلا قاصرا ممن ظهروا في أشرطة منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من تقدم عبر أولياء أمورهم بطلبات كتابية، حيث تم منحهم ألبسة كاملة لجهاز الشرطة بكامل إكسسواراتها، ومعدات للتعلم، كما تم تمكينهم من القيام بزيارات ميدانية لمختلف مرافق الأمن الوطني.
– الانفتاح على المحيط المجتمعي
تدعيما لمظاهر الشرطة المجتمعية، وتكريس صورة شرطة القرب بادرت المديرية العامة للأمن الوطني إلى تنظيم دورات سنوية لأيام الأبواب المفتوحة كموعد سنوي قار للتواصل مع المباشر مع المواطن في مختلف جهات المملكة. حيث نظمت هذه التظاهرة التواصلية لأول مرة في الدارالبيضاء في سنة 2020، لتعقبها تظاهرة مراكش سنة 2021، وتليها تظاهرة طنجة سنة 2022، في حين نظمت سنة 2023 النسخة الرابعة من أيام الأبواب المفتوحة للأمن بمدينة فاس، بالتزامن مع ذكرى تأسيس الأمن الوطني، وهي التظاهرة التواصلية التي شهدت حضورا جماهيريا غير مسبوق ناهز مليون و150 ألف زائر خلال خمسة أيام، فضلا عن أكثر من خمسة ملايين مشاهد زاروا الحساب الرسمي للتظاهرة على وسائط الاتصال الرقمية. في حين اختيرت مدينة أكادير لاحتضان الدورة الخامسة من “الأبواب المفتوحة للأمن الوطني” التي دأبت المديرية العامة للأمن الوطني على تنظيمها سنويا، وذلك ما بين 17 و21 ماي 2024، تزامنا مع الاحتفاء بالذكرى 68 لتأسيس هذه المؤسسة الأمنية.
- الانفتاح على الفضاء الرقمي لتدعيم الإحساس بالأمن
بادرت المديرية العامة للأمن الوطني إلى تعزيز تواصلها الرقمي وانفتاحها الافتراضي في وسائط الاتصال الجماهيري ودعائم الإعلام البديل. إذ تم إحداث حساب رسمي على موقع “تويتر” لنشر تغريدات حول قضايا الأمن العام ومكافحة الجريمة. كما تم إحداث حساب مماثل على موقع “فيسبوك”، يتولى نشر وتقاسم التدوينات بالقضايا والجرائم المرتكبة التي تثير اهتمامات المواطن. وهكذا واصل الحساب الرسمي للأمن الوطني على موقع “فيسبوك” حصد مستخدمين ومتفاعلين جدد، ليصل إلى 282.638 منخرطا خلال سنة 2021 ، مقابل 191.903 منخرطين خلال سنة 2020 .إذ بلغ متابعو الحساب الرسمي للأمن الوطني على موقع “تويتر” 317.074 مستخدما خلال سنة 2021، بنسبة زيادة ناهزت 40 في المائة مقارنة مع سنة 2020، بإجمالي عدد التغريدات ناهز 1061 تغريدة تتعلق بالمجهودات المبذولة في المجال الأمني. وحسب المعطيات الأخيرة للمديرية فقد بلغ عدد المنخرطين في الحسابات الرسمية لمصالح الأمن مليون و127 ألف و944 منخرط، يتوزعون كالآتي: 480 ألف و944 في حساب إكس (تويتر سابقا)، و440 ألف في حساب فايسبوك،و 207 ألف في حساب إنستغرام. كما تم نشر 476 تغريدة وتدوينة في الحسابات الرسمية للأمن الوطني في منصة “تويتر” و”فيسبوك”، فضلا عن تعميم 106 بيانات حقيقة لتصويب الأخبار الزائفة التي تمس بالشعور بالأمن، ونشر 1541 بلاغا وخبرا وملفا صحافيا حول مختلف القضايا التي عالجتها مصالح الأمن الوطني.
في حين اضطلعت مصالح التواصل الأمني بمهام عملياتية خلال سنة 2023، تمثلت في تنشيط قنوات الرصد المعلوماتي عن المحتويات العنيفة التي تمس بالشعور بالأمن لدى المواطنين والأجانب، حيث تم رصد 260 محتوى إجرامي مطبوع بالعنف، والتي تم إخضاعها للخبرات التقنية اللازمة، والتقصيات الميدانية الضرورية، قبل نشر بلاغات وبيانات حقيقة بشأنها في معدل زمني يتراوح ما بين ساعة وخمس ساعات على أبعد تقدير، درءا لتناسل الإشاعات وتبديدا لحالات الإحساس بانعدام الأمن التي قد تنجم عن هذه المحتويات العنيفة. ولمواكبة تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق الأطلس الكبير ،نشرت مصالح الأمن الوطني 538 محتوى على حساباتها في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ركزت فيها على توضيح حقيقة بعض الجرائم، وتكذيب الأخبار الزائفة خصوصا تلك التي ارتبطت بتداعيات هذه الكارثة الطبيعية، حيث أفردت مصالح التواصل الأمني حيزا مهما من عملها لرصد المحتويات الزائفة التي برزت خلال مرحلة تدبير الزلزال، وسلطت الضوء على مساهمات الأمن الوطني في مساعدة الضحايا والتخفيف من آثار هذه الكارثة. وقد عرفت المحتويات المنشورة في هذا الصدد تجاوبا كبيرا من طرف المواطنين، حيث بلغ مستوى التجاوب مع بعض التدوينات والتغريدات أكثر من 290 ألف مشاهدة و4800 إعجاب في التغريدة والتدوينة الواحدة.
-تعزيز الاشعاع الدولي
راهنت المديرية العامة للأمن الوطني خلال سنة 2023 على تنويع وتقوية آليات التواصل الأمني، بغرض تسليط الضوء على الترتيبات الأمنية المعتمدة لاحتضان وتنظيم التظاهرات الكبرى التي تحتضنها المملكة. وفي هذا الصدد، أنجزت مصالح التواصل الأمني ما مجموعه 4955 نشاطا تواصليا، من بينها 1488 نشاطا يتعلق بمهام الإخبار، تتنوع ما بين البلاغات والأخبار الصحفية المرتبطة بقضايا المرفق الأمني والجرائم الماسة بالشعور بالأمن، وكذا نشر 56 بيان حقيقة لتفنيد ودحض الأخبار الزائفة، بالإضافة إلى إنجاز 2873 روبورتاجا مصورا بالشراكة مع عدد من القنوات التلفزية والمنابر الإعلامية الوطنية والدولية. في حين أعدت مصالح التواصل الأمني عددا من الأشرطة والمحتويات التحسيسية المصورة الموجهة للمواطنين، من بينها الوصلة الخاصة بتنظيم أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، والوصلة الإشهارية الخاصة بولوج مباريات الشرطة، فضلا عن محتويات ذات طابع مؤسساتي. وبالنظر لكون موضوع الأمن هو مكون أساسي في ملفات ترشيح المغرب لاحتضان أكبر التظاهرات الرياضية والأمنية والاقتصادية والثقافية الدولية، فقد حرصت مصالح التواصل الأمني على مواكبة وتوثيق العمليات النظامية المرتبطة بجميع التظاهرات الكبرى المنظمة بالمغرب، بما فيها الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، والمؤتمر47 لقادة الشرطة والأمن العرب، كما وثقت وصورت كل العمليات النظامية المرتبطة بالمباريات الرياضية ذات البعد القاري والدولي المقامة بالمغرب، مما سمح بتدعيم ملف ترشيح المغرب لاحتضان أكبر التظاهرات الرياضية العالمية والقارية كتنظيم كأس افريقيا لكرة القدم في سنة 2025 وكأس العالم لكرة القدم في سنة 2030. وفي نفس السياق أعدت المصالح المختصة للمديرية الفيديو الذي قدمته المملكة المغربية لنيل شرف احتضان الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة لمنظمة الأنتربول في عام 2025، و الشريط الذي فازت من خلاله المديرية العامة للأمن الوطني بجائزة أحسن فيلم توعوي على الصعيد العربي في مجال الشرطة المجتمعية، والذي تناول تضحيات عناصر القوات العمومية في مساعدة وإغاثة ضحايا الزلزال.ولعل هذا ما أكسب هذه المؤسسة سمعة دولية خاصة دفعت السلطات القطرية للاستفادة من خبرتها الأمنية في تنظيمها لكأس العالم في سنة 2022 ، وطلب السلطات الفرنسية الاستفادة من هذه الخبرة في استعدادها لتنظيم الألعاب الأولمبية بباريس خلال سنة 2024.
تعليقات الزوار ( 0 )