أن تكون إنسانا جامعا و استثتنائيا موسوعيا جماليا وجلاليا، فتقرأ للمزي تهذيب الكمال في أسماء الرجال ولابن حجر العسقلاني تغليق التعليق وفتح الباري، ولابن تيمية منهاج السنة النبوية وتلبيس الجهمية والعقيدة التدمرية والواسطية ولابن القيم مدارج السالكين وأحكام أهل الذمة وفي نفس الوقت تقرأ لابن سينا الإشارات والتنبيهات وابن ماجة وابن باجة الأندلسي فيلسوف السعادة الملحد في كتابه تدبير المتوحد ، وهو القائل في أحد رسائله :(إن الإنسان يستطيع بلوغ السعادة عن طريق العلم والتفكير لا بإماتة الحواس وتجسيم الخيال) وابن مسكويه وكتابه الحكمة الخالدة, والسهر وردي وحكمته الإشراقية في هياكل النور والحلاج وآلامه وطواسينه، وكذلك الكندي والفارابي في آراء اهل المدينة الفاضلة، والرازي وكتابه الطب الروحاني وتجول مع بن الراوندي، الملحد في كتابه الزمردة و إبطال النبوة والرسالات،وتترقى في المعرفة الروحية مع الرسالة القشيرية، وكتاب المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي وكتابه تهافت الفلاسفة ونقيضه تهافت التهافت وفصل المقال لابن رشد.
وأن تتوفر على نفس عميق فتقرأ لأبي الحارث المحاسبي كتاب مائية العقل ، والرعاية لحقوق الله وتقرأ الفتوحات المكية، وفصوص الحكم لابن عربي وربيبه صدر الدين القونوي وكتابه النفحات الإلهية ، وبد العارف لابن سبعين، والإنسان الكامل للجيلي، وصدر الدين الشيرازي وكتابه الأسفار الأربعة، وحكمته المتعالية، وابن حزم في طوق الحمامة والمحلى وابن ميمون اليهودي الآندلسي في كتابه دلالة الحائرين ، وتطوح بنفسك أقصى الشرق فتجلس في احترام أمام بودا وكتب اليوبانيشاد والفيدا المقدسة كي تصل إلى حال الاشتعال والخلاص مع النيرفانا، وتتخلص من دورات الزمن اللعينة، وتعرج على الديانة الطاوية والكنفوشوسية وتتأمل على نهر الغانج المقدس بالهند الهندوسية والسيخية،وببلاد فارس مع الديانة الزرادشتية وبالعراق مع الصابئة والمندائية والمانوية والمزدكية وتتعرف على الدروز الموحدين والأزيديين، والاسماعليين وكل أهل الملل والطوائف والنحل ، وأن يتسع صدرك وتتجرد من الأنانيات الزائفة والذاتيات المتكبرة، وتطرح نفسك خارجا عنك، فتقرأ لناصر الدين الألباني و تخريجاته في تحذير الساجد، وأحكام الجنائز، وآداب الزفاف، وتعتني بالشيخ الحويني وتحقيقاته على النسائي، وابن الجوزي وضعفائه، وابن حبان وثقاته ومجروحيه ، والذهبي في تواريخه والطبري في تأويله وابن كثير وتفسيره ، ثم تتجول مع سيد قطب في أفنانه وحدائق ظلاله، ومع ذلك تسبح مع جلال الدين الرومي في مثنوياته وتدور على نفسك في أفلاكه، وتتسلق روحك في المعارج وتدمع عيناك مع المنشاوي وهو يجول في السموات العلا مع آيات القرآن بصوته الخاشع الباكي، وفي نفس الوقت تستطيع تذوق ترنيمات فيروز في الكنائس، ومارسيل خليفة وغنائياته الملتزمة بالجرح الفلسطيني ، والشيخ النقشبندي وابتهاله الأسطوري الخالد إني ببابك واقف، أو في : كن مع الله لرشيد غلام، وتكون لك أذن موسيقية فتطرب لعبده الحمولى في أغنية ساكن في حي السيدة ، وسيد درويش في طلعت ياما حلى نورها، وصالح عبد الحي في ليه يابنفسح، و لمجدد الموسيقى العربية محمد عبد الوهاب في رائعته من غير ليه ، وأم كلثوم في الأطلال، ووردة في ياعيوني مع الموجي، والعند ليب الأسمر مع نزار قباني في قارئة الفنجان.
وللقصبجي وزكريا أحمد والسنباطي في تقاسيمه على العود ، والأطرش في أوبرالياته، واسمهان في ياطيور… ونجاة الصغيرة مع نزار في أغنيتها الخالدة أيظن . وفيروز في أغنيتها السرمدية زهرة المدائن والموشحات والقدود الحلبية المنبعتة من عبق التاريخ مع صباح فخري، ولو تعرفوا… مع الجميلة أصالة نصري، وراحلة للحياني، وياكا جرحي لنعيمة سميح، وياذاك الإنسان لبلخياط وبنت المدينة للمعطي بن قاسم، وللأندلسي والغرناطي والملحون مع الحسين التولالي في أغنية الغزال فاطمة وأغنية يَا اَلشَّمْعَة سَلْتَكْ رَدِّ لِي اَسْئَالِي /اَشْ بِيكْ فَاللّْيَالِي تَبْكِي مَدَالْكِ اَشْعِيلاَ وهي من الفنٌ الذي يحمل عبق بلاط السلاطين وتاريخ المغرب القديم، وحواري وأزقة الصنايعية والحرفيين، وتتذوق كذلك موزارت الذي تشفي موسيقاه ألمرضى المجانين، وترفع مستوى ذكاء الأغبياء، وبيتهوفن وسمفومنيته العظيمة الصراع مع القدر، وفاجنر و باخ وكماناته، وبيانو شوبان ، وفيفالدي الإيطالي وفصوله الأربعة، وفيردي وتشايكوفسكي في بحيرة البجع وكسارة البندق والجمال النائم، وتكون لك عين واسعة عميقة فتستمتع بالجمال والجلال، فتعشق لوحات الانطباعي فان كوخ،
والسوريالي سلفادور دالي وتفهم ساعاته الغارقة بالماء، والتكعيبي بيكاسو بلوحته التي أبهر العالم بها الغرنيكا أو المرأة الباكية أو تتأمل لوحة الجوكندرا الحزينة المبتسمة ليوناردو دافنتشي، أو تسبح مع الألوان في لوحات الشعيبية الفطرية، وبعد ذلك كله تقرأ لشحرور كتاب الكتاب والقرآن، ولأركون تاريخية الفكر الإسلامي ولفرج فودة الحقيقة الغائبة ولمؤسس السلفية الجهادية وجماعة التكفير والهجرة عبد السلام فرج في كتيبه الصغير الفريضة الغائبة، وتتجلد فتمر على نصر حامد أبو زيد متصفحا كتابه الذي فرق بينه وبين زوجته بحكم المحاكم المصرية، نقد الخطاب الديني، والثابت والمتحول وأشعار مهيار الدمشقي لأدونيس ثم تجلس لتفكيك نقد الفكر اليومي للمفكر اليساري المناظل الشامخ مهدي عامل، وتجلس محترما الشيخ المفكر الشيوعي حسين مروة محتضنا كتابه النزعات المادية في الإسلام، وتتعلم أبجديات الفلسفة على يد عبد الرحمان بدوي في ربيع الفلسفة وخريفها وفي الزمان الوجودي، ثم تسمو روحك فتسري ليلا إلى ارض اليونان فتنظر في الجمهورية لأفلاطون وكتب المنطق لأرسطو وفيثاغورس وبارمنيدس وتصادق الرواقيين والأبيقورين وتشطح مع السوفسطائيين، وتعبر إلى الفلسفة الوسيطية اللاهوتية وتقرأ الفيوضات والتاسوعات لتوما الأكويني وتقرأ بخشوع وتأمل التوراة والتلمود والأناجيل لوقا ومتى والمزامير وتنهي كل ذلك بقراءة القرآن وتسبح في آياته وملكوته،وصحيح البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي المحدث، والترميذي الحكيم، وكتابه ختم الولاية، وموطأ الإمام مالك ومدونته، وتكون متمردا فتطير إلى ألمانيا فتقرأ لكانط نقد العقل المحض ونقد العقل العملي ولهيجل فينومينولوجيا الروح ولشبنهاور مبدأ العلة الكافية والعالم كإرادة وتمثل، ولماركس كتاب الرأسمال، ولهايدجر الكينونة والزمان، ولأبي الوجودية سورن كاكيجورد كتابه: إما.. أو.. ،وتتذوق أشعار جوته وهوليلدرين، والمعلقات الجاهلية لمرئ القيس، قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل،..وطرفة بن العبد، والمهلهل وتأبط شرا وعنترة وحبه الممتنع المستحيل لعبلة في قصيدته : ولقد ذكرتك والرماح نواهل/ وبيض الهند تقطر من دمي/ فأقبلت على السيوف أقبلها/ لما لاحت كبارقة ثغرك المتبسم،/ والمتنبي في الليل والبيداء تعرفني… والسيف والقرطاس والقلم ، وأبي العلاء، في غير مجد في ملتي واعتقادي.. نوح باك ولا ترنم شادي وإني ولو كنت الأخير زمانه / لآت ما لم تسطعه الأوائل… وتسكر مع أبي نواس في خمرياته قائلا معه دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ // ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ صَفراءُ// لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها لَوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ.
ولا تكتفي بكل ذلك فتسافر مع حب ابن الفارض حين يقول قـلـبي يُـحدثُني بأنك مُـتلفي // روحـي فِداك ، عرَفت أم لم تعرف،/ وتتعرف على نازك الملائكة وبدر شاكب السياب مجددي الشعر الحر وأمل دنقل والغرفة رقم ثمانية ومحمود درويش وجدارياته، وعبد المعطي حجازي وفدوى طوقان ومي زيادة ومجالسها الأدبية ونهايتها المأساوية،بمستشفى المجانين وقد أحبت جبران خليل جبران حبا وأحبها وماتا دون أن يلتقيا، وتجلس أمام العقاد وعبقرياته وطه حسين وأيامه، والرافعي ومناكفاته ، ونجيب محفوظ وحرافيشه وثلاثياته. وعبد الرحمان منيف ومدن الملح وأرض سواده، وبورخيس وأوكثافيو باث، وبابلوا نيرودا َوأشعاره ،وماركيز. في روايه الخالدة مائة عام من العزلة والحب زمن الكوليرا، وروآية زوربا اليوناني لنيكوس كازانتزاكيس آو رواية البحث عن الزمن المفقود لمارسبل بروست ولأوسكلر وايلد الروائي المثلي في رائعته صورة دوريان جراي، وسالومي وامرأة بدون أهمية، ونتشه في هكذا تكلم زرادشت والخير والشر وأفول الأصنام،
ولا تنسى روسو واعترافاته َومنتيسكسو وروح قوانينه، وأزهار بودلير وكتابات فولتير ومسرحيات شكسبير في روميو جولييت وعطيل وتاجر البندقية ثم لابد آن تكون قرأت رواية الطاعون لألبير كامي والكائن والعدم لسارتر وتخطو إلى الأمام خطوة كبيرة لتلتقي بالفيلسوف السياسي الأمريكي جون راولز في كتابه العدالة كإنصاف ، ومع ذلك كله تجلس متدروشا في الزاوية البودشيشية أو مع الشيخ ياسين في جلسات الذكر التربوية، أو متحاورا مع أهل التبليغ والسلفية أو مسامرا الرفاق من أهل الشيوعية اللينينية، معتقدا اعتقاد أهل السنة، متلطفا مع الشيعة الإمامية، محترما عقل أخوان الصفا ومتكلمي المعتزلية،
لكي تكون كذلك وتحصل السعادة، الحقيقية لابد أن تنزع عنك وهم امتلاك الحقيقة، وتلبس ثوب العالمية، ويكون لك عقل يتسع للجميع للمؤمن وللملحد للملاك والشيطان، وللعقلاني وللتراثي النقلي، للإلهي والربوبي والوثني الصنمي وللزاهد التصوف وللمعربد الشهواني.
وأن يكون لك قلب كالبحر يسع الكائنات والمتناقضات، وأن تكون لك هوية إنسية، لا شرقية ولا غربية، وأن يكون حب الله يملأ عليك جميع الأركان حتى لا يعود لك فيه مكان حتى لكره الشيطان، لأن خلاياك ومسامك وأنفاسك تشبعت وتخمرت بالصبابة والوله والعشق ، فتكون كما قال جلال الدين الرومي، في الحب كالشمس، وفي الصداقة والآخوة كالنهر وفي ستر العيوب كالليل، وفي التواضع كالتراب وفي الغضب كالميت، وأيا كنت في الخلائق تكون كما أنت.
تعليقات الزوار ( 0 )