يمكن تصنيف أغلب المتابعين للانتخابات التركية التي جرت في غضون الشهر الجاري إلى فسطاطين اثنين: الكافرون بشخص أردوغان وحزبه الذي هيمن على الانتخابات التركية منذ ما يزيد عن عشرين سنة كاملة، ثم المؤمنون بشخص أردوغان بالنظر إلى ما قدمه إلى بلده تركيا من إنجازات في الاقتصاد والتنمية السياسية وحرية التعبير والإعلام والحق في الاختلاف في الرأي السياسي المتمثل في وجود أحزاب سياسية وطوائف وعرقيات لها كامل الحقوق في الاستفادة من مقومات الدولة التركية الحديثة.
ديمقراطيون ضد الديمقراطية
وضمن صنف الكافرين نجد الحملة الإعلامية الغربية الكبرى ممثلة في كبرى الجرائد والمجلات الصادرة عن العواصم الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر، في نظر أغلب المتابعين منا، عواصم لبلدان غربية تتمتع بتقاليد ديمقراطية راسخة تمثل نموذجا لنا نتطلع إلى تحققه في بلادنا، هي من تقود هجوما ضد شخص يدافع ويحمي هذه الديمقراطية التي يتغنى بها هذا الغرب.
هذا الإعلام الغربي نفسه، لا يخفي عداءه ضد الرئيس أردوغان ويتمنى زواله، في مقابل ذلك يحتفي بالمعارضين له، بل إن مجلة “ذي إيكونومست” البريطانية والتي تتمتع بسمعة عالمية ويعتبرها الكثير من المتابعين مرجعا في الإعلام كصناعة ومهنة، لا ترعوي في دفاعها عن المعارضة وتعتبر أردوغان ديكتاتوريا وأن هزيمته ستُسعد الديمقراطيين في الغرب الديمقراطي.
بل إن الكثير من المجلات الغربية من قبيل “ذي إيكونميست” البريطانية “ودير شبيغل” الألمانية، و”لو بوان الفرنسية” و”السيفيير” والكثير من الجرائد في العالم الغربي الديمقراطي ما فتئت منذ سنوات تزين صفحاتها الأولى بالتهجم على شخص أردوغان معتبرة إياه طاغية ومتطرفا إسلاميا وراعيا للتطرف والإرهاب.
كما يُلاحظ الأمر ذاته ضمن البرامج التلفزيونية والحوارات الإذاعية الموجهة للتقليل من شأن أردوغان وحزبه، وأحيانا يتم إحضار ضيف تركي محسوب على حزب أردوغان فإنه غالبا ما يجد نفسه محشورا في زاوية ومعرضا للتندر والتنمر من قبل الضيوف، وأيضا من قبل المذيع الذي يقلل من قيمة ما يصرح به دفاعا عن الدولة التركية.
بلاغة الديكتاتور العربي
ويمكن أن نضيف إلى فسطاط الكافرين بأردوغان بعض العرب الذين يكرهون الرجل ويصفونه بالديكتاتور والطاغية، حسب زعمهم، في مقابل ذلك يدافعون دون أن يرف لهم جفن عن ديكتاتور قتل وشرد الملايين من أبناء شعبه، ولكنهم لا يحبون ذكر زعيم سياسي قومي حقيقي يمثل نموذجا ناجحا ومشرفا استطاع أن يحرر النظام السياسي في بلاده من قبضة العسكر، واستطاع أن يوفر لشعبه نظاماً ديمقراطياً وبيئة سياسية حرة ومحترمة.
هؤلاء العرب الذين تمنوا فشل أردوغان هم أنفسهم كانوا يتمنون نجاح الانقلاب يوليو 2016!
هؤلاء العرب ليسوا كفارا بأردوغان وحسب، بل إنهم كفار بالديمقراطية حقيقة، ويرون في كل تحول ديمقراطي بالمنطقة تهديداً لوجودهم وأنظمتهم!
هذا هو سر كرههم لأردوغان وضجرهم من تجربته السياسية!
دين بلا أخلاق
وأما فسطاط المؤمنين بشخص أردوغان نجد فئة من العرب ترى في شخص أردوغان ممثلا لهوية الأمة، ومدافعا عن ماضيها وحاضرها وترى فيه نموذجا للاسترشاد والاستئناس لأي تحول ديمقراطي حقيقي، لكن هؤلاء، ومنهم الكثير من السذج تحولوا من مناصرة أردوغان إلى كراهية المعارضة التركية والتي تشكل نصف الشعب التركي تقريبا الذي لم يصوت لصالح أردوغان وحزبه، ونسوا أن قليجدار أوغلو وطائفته السياسية، حتى ولو أنها فشلت في إخراج أردوغان من السلطة، فإنها استطاعت ولأول مرة أن تشكل جبهة موحدة غير مسبوقة في تاريخ السياسة التركية الحديث.
ولذلك فالحديث الذي ينبغي أن يثار ليس مسألة الدين الإسلامي كما يحاول الإعلام الغربي أن يقنعنا، وليست دين وإخوان كما تردد أسطوانة النخب العربية المتكلسة، إن المسألة التي تعرب عن نفسها بوضوح أن الشعب التركي قاطبة أصبح يؤمن بأن الديمقراطية وحدها هي من تحقق التعايش والتنمية السياسية بشكل عام، وهنا ينبغي التذكير أن هذه المعارضة هي من تصدت للانقلاب العسكري على الديمقراطية قبل سبع سنوات.
أردوغان والعرب الهاربة؟
لو كان أردوغان من العرب الهاربة لكان موقفه مختلفا، لو كان منهم لوقف مع مصالح بلاده عبر الهروب من التخلف والتبعية والاحتلال والاختلال، وهذا الأمر يتطلب وجود نخبة تؤمن بالوطنية الحقة والعيش المشترك والتعاون في الخيرات، ولا تحتاج إلى خطب عصماء وقصائد شعرية في مدح التردي الحضاري الشامل كما تفعل العرب العاربة في المنطقة!
تعليقات الزوار ( 0 )