أبرز المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن الذاكرة التاریخیة المغربية التي یزید عمرھا عن 30 قرنا ونیف، حبلى بكل ما یساعد على الانتشاء والافتخار بالانتماء.
واعتبر الكثيري، في الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2022/2021 الذي ألقاه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال-الرباط بعنوان “الذاكرة التاريخية المغربية في خدمة القضية الوطنية”، أن الذاكرة التاریخیة المغربیة ھي فسیفساء أمازیغي وعربي وحساني ویھودي وأندلسي وإفریقي وعثماني وأوربي، مضيفا أنه على مر العصور والحقب، لم یكن المغرب بلدا منعزلا أو معزولا بل منفتحا بإیجابیة على كل الروافد والمصبات، لكن مدافعا مستمیتا عن ھویته وأصالته وجذوره.
وقال المندوب السامي، في هذا الدرس الافتتاحي الذي نظم بمناسبة الذكرى ال 46 للمسيرة الخضراء المظفرة (سادس نونبر)، أن اللحظة التاریخیة التي تعیشھا القضية الوطنیة الیوم أمام التحدیات الخارجیة والتحرشات الجھویة والإقلیمیة التي یتعرض لھا المغرب “تقتضي أن نتزود من ھذه الذاكرة التاریخیة ونكتبھا وفق السیناریو الخاص بنا، ولیس حسب سیناریو أولئك الذین یدفعون باتجاه النسیان أو التحریف”.
ولفت إلى أن خدمة القضیة الوطنیة الأولى، قضیة الصحراء المغربیة، تستدعي الإلمام بالتفاصیل التاریخیة للقضیة، والتزود بآلیات ومنھجیات الترافع، كخلق مجموعات الرصد والتتبع، وإتقان اللغات العالمیة الحیة، والتمكن من الوثائق والحجج، التي “لن تحصل علیھا إلا إذا طرقت باب المؤرخ الذي ھو الحافظ لسجل الذاكرة والمؤتمن علیھا والساھر على إیصال أقباسھا” إلى الأجیال المتعاقبة والمتتالیة.
ويضيف “لأجل ھذا نحن ھنا الیوم، لأجل أن نستبعث إضاءات من ھذه الذاكرة، تنیر الطریق للشباب الباحث والمھتم والذي على أكتافھم ستلقى مسؤولیة الوطن وستطوق أعناقھم أمانة سلامتھم ووحدة أراضیھم”.
وحسب المندوب السامي، فان طرح ھذا الموضوع للنقاش والتحلیل یعود للظرف الجیو-سیاسي الذي تمر منه قضیة الصحراء المغربیة، منذ الاعتراف الأمريكي التاریخي بسیادة المغرب على صحرائه، والذي یتمیز بتصاعد منسوب التآمر لدى بعض القوى الإقلیمیة والدولیة على المغرب، وأيضا “لیقیننا بأھمیة تنشیط الذاكرة التاریخیة لدى الإنسان المغربي عامة والطالب والمثقف منه على الخصوص، حتى یكون على بینة ودرایة بقضایا وطنه عارفا بخبایاھا مطلعا على جذورھا ممسكا بخیوطھا”.
وتطرق الكثيري للذاكرة التاریخیة المغربیة المحلیة والوطنیة، ولتلك المشتركة والمتقاسمة مع بلدان شقیقة وصدیقة جمعها بالمغرب القرب الجغرافي أو الحتمیة التاریخیة. ثم تحدث بعد ذلك عن دور ھذه الذاكرة في خدمة القضیة الوطنیة، كما غیرھا من قضایا الوطن الطارئة والمستجدة.
وسجل أن “الذاكرة التاریخیة المغربیة في مجملھا، ھي أولا وقبل كل شيء روح الأمة ورحیقھا وھي محطات تاریخیة مفصلیة حددت قَدَر الوطن، إنھا الاختیارات الوطنیة للمجاھدین والمقاومین وأعلام الحركة الوطنیة وماھدي العمل الفدائي ومنظري ثورة الملك والشعب؛ وھي المواقف البطولیة في ظروف الشدة ومواطن الضیق، وھي أیضا حكایات صدق وعَرَاقة وأصالة ونبل، كما أنھا قصص رجال ونساء شیمھم الوفاء والولاء والبذل والعطاء دون حساب”.
وأضاف أن “الذاكرة التاریخیة المغربیة ھي تلك اللحظات المشرقة من تاریخ الشعب المغربي التي یتم الاحتماء بھا عند الشدائد ویوم تبلى السرائر، وھي أيضا روح المقاومة الراسخة في شعور ووجدان المواطن المغربي لن تخبو أو تزول مھما تغیرت ظروف المحیط الإقلیمي أو الدولي”.
ولئن تعلق الأمر بالتصدي لمخططات ومناورات خصوم الوحدة الترابیة أو مواجھة سیاسات الاستعمار الجدید النیل من دینه أو ھویته أو أمته أو خصوصیتھ، يضيف الكثيري، فإن مقاومة المغاربة لمثل ھذه التحدیات تظل قائمة وثابتة ومتجددة بحكم قوة الانتماء الوطني وللھویة المغربیة وللتاریخ وللقیم والمرجعیات والثوابت.
وذكر أن من تجلیات ثقافة المقاومة عند المغاربة، توحدھم وتعبئتھم المستمرة والمتقدمة في مواجھة محاولات النیل من التراب الوطني ومن الوحدة الترابیة المقدسة، كما وقع في أحداث الكركرات یوم 13 نونبر 2020 ، مبرزا أن ثقافة المقاومة المتأصلة لدى الشعب المغربي تجعله یرفض محو أو تزییف تاریخھا الوطني أو تاریخ الأمة العربیة والإسلامیة أو قضیة فلسطین أو إقبار مشروع البناء المغاربي الرامي إلى الاندماج الاقتصادي والتكامل الثقافي والتعاون البیئي، وكل عمل عربي مشترك.
وبالنسبة للمندوب السامي، فإن ثقافة المقاومة التي خبرھا المغاربة عبر التاریخ بأمجاده وروائعه في الكفاح الوطني وفي الكفاح المشترك لمؤازرة الأشقاء والحلفاء على السواء تمیزت بصلابتھا ومناعتھا الدینیة والتاریخیة والتربویة والثقافیة التي تمیزھا على الدوام، والتي ھي مبعث اعتزاز واحترام لأمم وشعوب المعمور.
وأكد أن “المجتمع المغربي یعتز بماضیه وحاضره، بأصوله ومقوماته، ویَثبُت على مواقفه التاریخیة من قضایاه الوطنیة وأیضا القومیة العربیة منھا والإسلامیة، ولو مضت علیھا سنون وعقود وأجیال”.
تعليقات الزوار ( 0 )