Share
  • Link copied

الفعل الإنساني بين الحتمية والحرية

هل يستطيع الإنسان أن يكون ماهو عينه وذاته، وهل له عين أوذات حتى يكونها، أم أنه في الحقيقة ليس هو ماهو، إذ هو ليس إلا ترسبات ،وتراكمات الظروف الفيزيائية والبيولوجية والتنشئة الاجتماعية، هل يخضع الإنسان لهذه الحتميات، القهرية التي تصادر أي إمكانية للتفكير في الحرية، وما هي الحرية هل هي اختيارات لحظية وظرفية لإمكانات مغلقة، واحتمالات مبرمحة، فيزيقيا،ومحددة سلفا، بمعنى أن الأنسان لا يكون له الحرية في الاختيار الأ بين ما هو موجود  أمامه في الطبيعة بالفعل، كما أن أمكانية جسده إمكانيات مؤطرة بضعفها وهشاشتها الإنسانية، فهو ليس إلها يستطيع أن يفعل ما يشاء وقت مايشاء وكيفما يشاء، ليس له أن يختار زمن وجوده، فهو يندفع إلى هذا العالم في ظروف لايد له فيها بالإطلاق، فكل الأشخاص يأتون نتيجة شهوة مستثارة بالطبيعة في لحظة طائشة من الزمن غير محسوبة، تتصاعد فيها الأنفاس وتهبط وتندفع فيها آلاف المخلوقات المجهرية في سباق محموم تنعدم وتنسحق  فيه ألاف الأشخاص الذين لم يكتب لهم  النجاة والتجسد، لتسقط في هوة العدم الأبدية، ولا يصل إلى منهم  الركن المتين إلا حيوان واحد   ينغرس برأسه في الوجود الرغوي،الشغفي، للظهور الحتمي ثم أن الأنسان لا يختار  نوعه ولا جنسه، ولا تختار عرقه، يلقى الناس في هذا الكون وهو يحملون مصيرهم سلفا.

فهم  إن وجدوا في  أوروبا كانوا  متحضرين مترفهين أريايين أو جرمانيين ،عقلانيين أقوياء، وإن كانوا في إفريقيا فهم متخلفون جائعون ضعفاء عبيدا مستعمرين.

إن الأختيار بين عدة بدائل يرتبط ضرورة بوجود القدرة ََووجود القيد ،إذ لولا القيود والعبودية ما عرفت الحرية، كما أنه لا يمكن معرفة الخير إلا بوجود الشر، ووجود الظلام لمعرفة النور، والمعصية لوجود الطاعة،

إن أنصار الحتميات يصادرَون أي إمكانية لحرية الإنسان  في تحديد ما يريد، لأنه لا يملك على الحقيقة أي  ذات وإنما هو  كائن معطى، فلومبروز اليهودي الإيطالي خلص في أبحاثه على جثامين بعض المجرمين  الى  أن المجرم يولد ليكون مجرما بمواصفات انتربولوجية، وسمات جثمانية مورفولوجية ،تثمثل في الجمجمة والأطراف، الكبيرة،

هل  يملك الإنسان حقا إرادة حرة، أم هو مكبل بالحتمية؟   هل يكون الإنسان حرا في اتخاذ  القرارت  أم أن  كل حدث أو ظاهرة ما هو إلا نتيجة مسببات داخلية أو خارجية، نتيجة  سلسلة من الأسباب السابقة التي تؤدي في النهاية إلى اتخاذ هذا  القرار وليس آخر،

 .  فالإنسان يولد صفحة بيضاء أو كما قال الرسول ص في الحديث الشربف :(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.

  فهل كل ميسر لما خلق له ، وأن كل شيء مقرر ومكتوب في لوح محفَوظ، أنصار الحتمية والقدرية البيئية يقررون أن البيئة والتربية لها الدور الأكبر في تشكيل قراراتنا  وأن الوهم هو ما يجعلنا  نعتقد أن ما قمنا به من أفعال هو  نابع من إرادتنا الحرة الواعية وأننا إنما نحن  منساقون بقَوة خارجية  رغما عنا .

في تاريخ الفكر الإسلامي حاول المعتزلة مناكفة ومعارضة هذا الطرح الجبري والذي يجعل الوجود عبثيا ويلغي أي إمكانية لتحقيق العدالة الإلهية ،،فإذا كان الأنسان لا يخلق أفعاله ويختار ها  عن حرية وقصد  فلماذا يخضع للحساب والعقاب،ويدخل الجنة أو النار، فالكافر خلق كافرا، بشكل حتمي ولا دخل له في اختيار الكفر، والمؤمن خلق مؤمنا، دون أن إمتياز إيجابي عن الكافر، وكذلك  الأمر بالنسبة للأخيار والأشرار، كأن الأمويين ومن بعدهم العباسيون جبريون حتى يرضخ الناس لسلطانهم باعتبارهم قدرا  إلهيا مسلطا على رقاب المحكومين فالله هو من اختارهم، بقضاء وقدر، طبعا كانت هناك آيات كثيرات  من القرآن  الكريم تم لي أعناقها، وانتزاعها من سياقاتها وتأويلها  تأويلات خاطئة تخدم سلطتهم الحاكمة.

وامثال هذه الآيات كثير منها قوله تعالى :(ما تشاؤون إلا أن يشاء الله) وقوله تعالى:(إن كل شيء خلقناه  بقدر) وقوله :(وما كان لنفس ان تموت إلا كتابا مؤجلا) صدق الله العظيم.

 يرى المفكر السوري محمد شحرور  أن القدر هو الوجود الموضوعي وقوانينه،   وأن كل المخلوقات خلقت ﻷداء وظيفة، وهذه الوظائف يجب دراستها  في كتب باعتبارها قوانين، ككتاب الموت وكتاب الرزق وكتاب النصر وكتاب الهزيمة، فالكتب في رأيه هي القوانين التي إن تحققت شروطها تحققت نتائجها    معرفتنا بالمقدرات للكتب الموجودة في الطبيعة ووظائفها تمكننا من التدخل فيها، أي القضاء فيها، فالطبيب يقضي، ويحكم  في موضوع الموت، فالموت يتحقق كلما تحققت شروطه من مرض أو شيخوخة وهو في رآيه كتاب مؤجلا بالقضاء، أي بتدخل الطب ومن تم العلم  بإعطاء الدواء أو إجراء عملية جراحية، فالقضاء عملية واعية بين نفي وإثبات في موجود. وكلما زادت معرفتنا بالمقدرات كلما زاد قضاؤنا فيها نفياً أو إثباتاً. فالحرية  في رأي شحرور  هي القضاء مع القدر في العلاقة بينهما وهي المعرفة،والله  في رأيه يعلم الماضي والحاضر والمستقبل  لا من باب ما سيقع فقط، وإنما  في ما لم يقع كذلك، فهو يعلم الممكن في حالة وقوعه وغير الممكن في حالة عدم الوقوع ، وبالتالى فإنه يتخلص من مأزق جبرية وحتمية وقوع ما يعلمه الله في الأزل، فهو يعلم كل الاحتمالات ولكنه لا يتدخل في وقوع أحدها دون الآخر.

 في المدارس الفكرية الأوروبية  وجدت عدة نظريات  نظرت إلى  الحتمية من زاويا  متعددة فالماركسية مثلا اعتبرت أن الإنسان يخضع لحتمية مادية تاريخية و اقتصادية  فطرق الإنتاج هي المحدد الحقيقي  لسلوك الإنسان وتشكل وعيه، وهناك الحتمية العضوية الممثلة في المدرسة الداروينية والتي  اعتبرت أن  الإنسان يخضع في  تكوينه البيولوجي لنظرية التطور والارتقاء والبقاء للأصلح  وأن ذلك نابع   من تأُثير الجينات والصفات الوراثية وعمل الدماغ في أفعاله.

وهناك  مدسة  الحتمية النفسية ممثلة في  رائدها   سيجموند فرويد  والذي اعتبر أن الإنسان محكوم باللاشعور والعقل الباطن  والأنا والأنا الأعلى وأن اللاشعور   والجنس هو الذي له الدور الأكبر والفاعل في كل ما يقوم به الأنسان  من خير أو شر  دون أن يكون للإنسان أي دخل فيه،

أما بالنسبة للمؤمنين بحرية الإرادة الإنسانية فنظريتهم تقوم على أن الحتمية لا تفسر أي شىء وهي وصفية وليست تحليلية أو تفكيكية ، وتقود الى مأزق العبثية،والحتمية تناقض تطور الحضارة الإنسانية الخلاق والأكثر تنوعا وثراء من أي جبرية ضيقة، إذ لو انعدمت الحرية لبقي الإنسان في حالة من الثبات والجمود الحضاري والعلمي والمعرفي  فالحتمية تقود بالضرو.ة إلى الشعور بالعجز، والإستكانة وانعدام روح المغامرة، وانعدام المسؤولية،  ما دام أن كل شيئ مقدر تقديرا، وأن الاختيار الإنساني العقلاني بين مجموعة اختيارات دون ضغط أو إكراه أو انقياد بقوة مهيمنة هو مرتبط بالاستطاعة والقدرة على القيام بالفعل ونقيضه فالشرير لن يجد مبررا  للتوبة لأن ما عليه من الشر هو مجبول عليه بالفطرة.

أما الفيلسوف الألماني  كانط  فقد كان يرى  ان المبدأ الأخلاقي  هو مبدأ الحرية، ويتمثل في قدرة الشخص على التصرّف وفقاً لقوانين موضوعية يتبناها بنفسه، ومن خلال تفكيره الحر والمنعزل عن أي شروط موضوعية خارج نفسه. فمن خلال الأخلاق تكون رسالة الإنسان هي الحرية، .ولكي يكون الفعل أخلاقياً، يحدد كانط مفهوما آخر مرتبط بالأخلاق وهو الواجب. فالواجب هو عصب الأخلاق على حد تعبيره لأنّه الشعور بالالتزام تجاه القيم، والدافع لتنفيذ ما تقتضي به الأخلاق.

ما بالنسبة للفيلسوف الألماني فريدريك  هيجل  فالحرية هي جوهر  أو ماهية الروح  وكل صفات الروح لا توجد الا بواسطة الحرية، وهي ليست كلها  الا وسيلة لبلوغ الحرية وكلها تؤدي إلى الحرية،  وحدها، وعلى المسرح الذي تشاهد الروح عليه، في التاريخ الكلى تكشف الروح عن نفسها،في حقيقتها الآكثر عينية ( كتاب العقل في التاريخ.

 ويرى هربرت ماركيز في كتابه العقل والثورة أن الحرية عند هيجل ليست مجرد فكرة يمتلكها الذهن عن طبائع الأشياء، وهي ليست من ذلك النوع التأملي من الأفكار المجردة وفي حدود التصور الفطري، ولا يمكنها أن تنفذ الى الواقع المتحقق فعلا وإنها هي الحقيقة الوحيدة  للروح القائمة فيها منذ البدء كوجود النبتة في بدرتها، وهي الشرط الصوري اللازم لتحقيقها فعلا، ولامتلاكها الوعي الذاتي بذاتها، فهي مراحل التاريخ كلها. ما يعني باختصار أن الحرية مقولة انطو لوجية بقدر ما هي مقولة تاريخية، إن الحرية بهذا المعنى هي القوة المحركة، الآمنة في أعماق الوجود فهي العلة الغذائية للوجود.

أما رائد الفلسفة الوجودية جون بول  سارتر فيرى أن ، الخطأ الذي وقع فيه الحتميون والإرادويون  هو اعتقادهم أن الحرية ترادف القدرة على القيام بكل شيء والتحرر من القيود كلها، وأن هذا  القيد يعوق الحرية ويكشفها ،  ويرى أن  النظر للقيد من منظور  استحالة الاختيار خطأ،  لأنه ليس هناك  مجال  للحرية إلا لدى كائن يقاوم موقفا خارجيا، مما يعني أن القيود الحتمية  هو الشرط الأساسي لانبثاق حرية الإنسان من حيث إنها تكشف عن قدرته المستمرة على تجاوز الموقف والفعل  وبالتالى فالحرية في  رأي سارتر  لاتوجد إلا في عالم مقاوم   وأن هذه العراقي والعوائق  التي يتعرض لها الإنسان   هي التي تعطي للحرية إمكانية التحقق عن طريق فعل المقاومة ، ولذلك يقول سارتر: “إن المقاومات التي تكتشفها الحرية في الموجود لا تشكل خطرا عليها، بل إنها تتيح لها أن تنبثق كحرية، ولا يمكن أن يكون ما هو لذاته حرا إلا إن كان ملتزما في عالم يقاومه” ( سارتر-كتاب الوجود والعدم) فكل الحتميات هي حتميات حيادية، لا تحمل حكما واحدا   والإنسان هو الدي يقرر  بعد الأدراك  أن كان الأمر قيدا َ مانعا أم لا ، فالقيد إذن هو شرط الكشف عن حريتنا.

ومن جهة ثانية فإن سارتر في نفس الوقتد لا يؤيد فكرة أصحاب الإرادة الحرة  . فالحرية  عنده ليست مقتصرة على الفعل الإرشادي، وإنما يحددانها  الغاية والهدف، وكذلك  الفعل الشغفي غير العقلاني المدفوع بالمخاوف وليس التفكير المنطقي،  وحماية الذات.

من جهة أخيرة  وبمعزل عن النظر للحرية بمفهومها الوجودي الانطلوجي،فإنها كانت هدفا للإنسان المقيد  المقهور في مواجهة مقاومة  قهر السلطة الحاكمة  يقول إيتيان  دو  لا بويسي في كتابه مقالة العبودية التطوعية ‘(لم نولد فقط مالكون  لحريتنا، بل نحن مكلفون بالدفاع عنها) ص156 وقد كان جون جاك روسو المحطة الفاصلة في الثقافة والفكر الإنساني في الانتقال للحديث عن حقوق الفرد، من خلال روايته (جولي) التي جذبت أنظار الفرنسيين والعالم   وتعاطف القراء مع شخصيات الرواية من خلال التبادل التخيلي للخطابات الارسالية بين شخوص الرواية التي تميزت بالطموح الحرية إلى حد التضحية، مما ساهم في وضع أسس نظام سياسي واجتماعي جديد ،وبعدها سيعلن  روسو في كتابه العقد الاجتماعي  عن حقوق الفرد ثم سيستمر النظال الفكري مع فلاسفة عصر الأنوار   من أمثال مونتيسكيو  وفولتير وديدرو  ورونيه ديكارت،  إلى غاية اندلاع الثورة الفرنسية والتي ستصدر خلالها الجمعية الوطنية في 26 آب/أغسطس 1789.  الإعلان الذي سيعرف بإعلان  الحقوق الفردية والجماعية للأمة. وهو الإعلان  الذي كان متأثرا بفكر التنوير ونظريات العقد الاجتماعي والحقوق  المدنية والسياسية  وسيشكل الخطوة الأولى لصياغة الدستور. رغم أن الإعلان  قد حدّد حقوق البشر دون استثناء (وليس حقوق المواطنين الفرنسيين فقط) إلا أنّه لم يحدد مكانة النساء أو العبودية بشكل واضح.

 وسيستمر النضال طويلا في صراع مع السلطة القائمة وصراع  حاد بين طبقات المجتمع  إلى  غاية  نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث سيتم  التوقيع على  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948 في قصر شايو في باريس. هذا الإعلان يتحدث عن رأي الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان المحمية لدى كل  الناس، وكان من بينها  حرية الرأي والتعبير.

  و قد حظيت حرية الرأي والتعبير لاحقا  باهتمام بالغ في العهود والمواثيق الدولية، وكذا الدساتير الوطنية لجل الدول الأممية، لكونه مرتبطا بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية للإنسان كيفما كان انتماؤه، وبغض النظر عن طبيعة الأفكار التي يريد التعبير عنها شريطة احترام القوانين الجاري بها العمل. وهكذا فقد نصت  المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية باعتباره الإطار الدولي الأساسي الذي يقنن هذا الحق تنص على أنه: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى يختاره”.

وهو ما أكده  الفصل 25 من الدستور المغربي حيث اعتبر: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، بل أكثر من ذلك جعل مجموعة من الحقوق المرتبطة بحقل حرية الرأي والتعبير من الحقوق المضمونة، حيث نص الفصل 29 من الدستور المغربي على “أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات، حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”.

ورغم رقي وسمو هذه القوانين فإنها غالبا ما كانت تعترضها عوارض وعوائق في التطبيق لانفصام الواقع عن القانون، ورفض النخب السيطرة حين تمس الحرية بمصالحهم الاقتصادية، وغالبا ما كانت  تقع ارتدادات وتراجعات تهدد ما تم اكتساب من حقوق، خلال أزمنة الأوبئة والكوارث أزمنة تغول السلطة، والتي تهدف إلى القضاء على الأصوات المعارضة، المشوشة وتضحي بأي مكتسبات حقوقية تم تحقيقها  ، وليس هناك من فرصة أحسن من استغلال هلع وخوف الناس  من الهلاك وتقبلهم الفطري للتخلى عن حياتهم وحقوقهم الأساسية في سبيل الحفاظ على حياتهم ، إنها مقايضة الحرية بالحياة، مما ينتهي إلى تقبل وضع الخنوع ، وقد صدق فوكو حين قال أن أسوأ القوانين صدرت في أزمنة الأوبئة.

إن حرية الرأي والتعبير  هي بالأساس حصانة وحماية للسلطة نفسها من الترهل والفساد، لأن الحرية هي المضاد الحيوي للخراب، طبعا إن المقصود  بالحرية ليست  هي الحرية المطلقة، فهي تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين، ولا بد أن  تنضبط بالتحديد الذاتي ،حتى لا تصير فوضى تدمر  أو تؤدي إلى انهيار للمؤسسات، ولذلك فلا بد من التمييز بينها وبين بث الأكاذيب والأخبار الزائفة، لا بد للحرية أن تستند  إلى الحقائق، ولكن ورغم كل ذلك لايجب إرهاب أصحاب الرأي المجرد من العنف، بالاعتقال والرمي في السجون، ويزداد الوضع سوءا كلما تعلق الرأي أو الانتقاد بمؤسسة آو جهاز  أو  رجال سلطة،  على مستوى الفضاء العمومي بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، يجب التأكيد على أنه يجب التمييز بين الرأي والتشهير بالأشخاص أو المس باعتباره الشخصي، ولكن يجب التنبيه كذلك إلى أن الأشخاص العموميون هم ليسوا أشخاص طبيعيون، وليسوا أنبياء أو منزهون ومقدسون عن الأخطاء البشرية، وبالتالى فالحديث  عنهم أو انتقادهم هو بسبب صفتهم العمومية وليس بصفتهم الذاتية الطبيعية.

وإذا لم يمكن ذلك، في حقهم، فإنه لا يبقى لحرية الرأي والتعبير المحميان بأسمى قانون أي معنى، لأنه سيصير الأمر عبثيا ، فلأي موضوع ستكون حرية الرأي، إن لم تكن لإبداء وجهات النظر في النقاشات الدائرة حول الفاعلين العمومين من المنتخبين وممثلي المجتمع المدني  ورجال السلطة.

  لابد من  احترام القوانين  السامية والدنيا، والقوانين الدولية والوطنية، كما لا بد من احترام المواطنين  جميعا على حد سواء، والأهم من ذلك لابد من احترام حرية الرأي والتعبير لان ثقافة الخرف والنوع لا تخلق الا عبيدا خانعين.

Share
  • Link copied
المقال التالي