Share
  • Link copied

الفاعل الجمعوي التطور والدور

ظهر مفهوم المجتمع المدني في أوربا كتجربة تاريخية للمجتمعات الأوربية خلال القرنين 17 و18م، واستجابة للأفق الثقافي لفلاسفة الأنوار. و ارتبط تطور هذا المفهوم في الثقافة الأوربية بتطور المجتمع الأوربي خلال القرنين 18 و19م. تجسد هذا التطور في تفكك الأسرة الأوربية بفعل الانتقال من المجتمع الزراعي الإقطاعي إلى المجتمع الصناعي البورجوازي حيت عوضتها الشركات والنقابات والجمعيات. وأيضا هيمنة التجارة وتعزيز منطق الفردية (كالملكية الفردية…). إن هذه التغيرات تجعل من المجتمع المدني واقعا ـ أكثر من مطلب ـ اجتماعيا وسياسيا وثقافيا تشكل في أوربا عبر مراحل/ لحظات.

لكن هناك من الباحثين المغاربة من يعتبر أن المجتمع المغربي شهد خلال الفترة الاستعمارية نشأة مجتمع مدني في حضن المجتمع المدني الكولونيالي، غير أن هذا المجتمع المدني الوطني مافتئ أن خلق لنفسه مصيرا يعارض بشدة المجتمع المدني المحصور في إطار الاستعمار، حيت التضامن بينهما لم يكن أكثر من وهم. 

يعد جون لوك من أوائل من استخدم مفهوم المجتمع المدني في موضعين من كتابه “رسالة في الحكم المدني”. أما توماس هوبز فطابق بين الدولة والمجتمع المدني، وحدد مجاله في ما تتركه الدولة بإرادتها الحرة خارج نطاق أوامرها. أما هيغل فاعتبر المجتمع المدني قادرا على تحقيق أمن الأفراد وعلى حماية مصالحهم الخاصة. في حين استعمل كارل ماركس في سنة 1843 المفهوم بمعنى قريب مما استعمله هيغل (دوره الأمن والحماية).

شهدت الفترة الممتدة من 1850 و1920 توقفا مفاجئا في استعمال وتداول مفهوم المجتمع المدني، لكنه عاد كمفهوم وأداة تحليلية معيارية في ثمانينات القرن الماضي مع السياق البولندي (يقصد الثورة البولندية بزعامة رئيس نقابة “تضامن” ليش فاليسا ).

غلب على التداول السوسيولوجي لمفهوم المجتمع المدني، الذي اهتمت به في الأربع العقود الأخيرة، صياغته الإجرائية التي تعود لأسباب منها :

  • الفائدة المنهجية لهذه الصياغة
  • تأثير النظرية الوظيفية الأمريكية على السوسيولوجيا 
  •  أهمية ضبط المفاهيم في العلوم الاجتماعية.

مما سبق يتضح أن المجتمع المدني مفهوم ضبابي ومطاط على نحو لامناص منه، وهنا جزء من المشكلة، بحيث إنه لا يوفر بسهولة قدرا كبيرا من الدقة. فـ كاتو Cato يرى فيه تقليصا لدور السياسة في المجتمع، ويأمل فيه أنتوني غيدنز أن يكون الرابط المفقود في إنجاح الديموقراطية الاجتماعية. في حين يعتبره جيريمي ريفكين الأمل الأفضل والأخير للمجتمعات، ويتوقع ليستر سالا أن يكون للمنظمات غير الحكومية، وهي تعبير عن المجتمع المدني، دورا مهما في القرن 21م.

إن هذه المنظمات غير الحكومية (جمعيات، اتحادات) كهيئات وسيطة، تشكل ـ حسب دوركايم ـ سلطة شرعية قادرة على توجيه النزاعات وتهدئة الصراعات والقضاء على مخاطر الفوضوية، وذلك بفضل نظام التضامن الدائمين”. مما يسمح بالتوجه والمشاركة الفاعلة في المشروع التنموي للبلد.

إن النسيج الجمعوي، وهو الجوهر المؤسساتي للمجتمع المدني، تحول إلى قوة فاعلة اجتماعية فعالة ومنظمة، تعد الأقدر على تحقيق التواصل الأفقي، أي التعامل مع الأفراد عبر إشراكهم في الأنشطة والقرارات.. حيت أصبح معولا عليه للمساهمة في المسيرة التنموية. فجوهر هذا النسيج هو الجمعيات التي يجب أن تسلك منهج التشارك كآلية للتعاون التنموي وتحقيق الأهداف التنموية المشتركة. وهذا المقصد لابد أن يتم في إطار حكامة مؤداها: أن الفاعل الجمعوي غير الرسمي (وهو هنا الجمعيات غير االحكومية) لا يمكن أن يدعي امتلاكه رؤية خاصة به للعمل بطريقة مستقلة عما يجري حوله من حراك تنموي تقوده الدولة. 

فالفاعل الجمعوي الذي يشتغل في المجال التنموي لا يمكنه القيام بذلك إذ لم توفر له الدولة، جزءا على الأقل، من الموارد والأشخاص والتدبير. ففي برامج محو الأمية والتربية غير النظامية مثلا تحتاج الجمعيات المتدخلة إلى الدولة من أجل الدعم/التمويل من جهة بالإضافة إلى مأسسة مجهود هذه التنظيمات من جهة أخرى. 

نخلص إذن إلى ضرورة حضور فاعل جمعوي شريك ومؤهل ومنظم ومبادر في المشاريع التنموية إلى جانب دولة قوية راعية لهذه المشاريع. فلاشيء يضعف أو يحد من تطور المجتمع المدني مثل دولة ضعيفة ولامبالية/ سلبية وغير فعالة.

المراجع

ـ برنوصي عمر، مفهوم المجتمع المدني بين الفلسفة السياسية الغربية والسوسيولوجيا المعاصرة، محاولة في التركيب، مجلة فكر ونقد، ع:37، 2001.

عابد الجابري محمد، المجتمع المدني بين المعنى والمفهوم، سلسلة مواقف إضاءات وشهادات،ع39، ط 1، أديما للنشر المغربية، 2005.

ـ حمودي عبد الله، الشيخ والمريد النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، دار توبقال للنشر، ط:4، 2010.

ـ بشارة عزمي، المجتمع المدني: دراسة نقدية، المركز العربي للدراسات والأبحاث السياسية، بيروت، 2012، ط:6. 

Share
  • Link copied
المقال التالي