صدر مؤخرا للأستاذ الجامعي الدكتور “عبد الرحيم العماري” كتاب جديد معنون ب “حفريات نقدية عن المغرب السياسي، الصحراء وقضايا نسق ما بعد كورونا”، وهو بمثابة الجزء الثاني لمؤلفه الأول الموسوم ب “في منطق الترافع عن قضية الصحراء أو أصول القوة الترافعية، حفريات نقدية عن المغرب السياسي، ملف الصحراء: (1975-2015)”.
ونشر عن مطبعة شمس برنت بسلا، بعدد صفحات وصل إلى 409 في كتاب من الحجم المتوسط، فكك من خلاله خيوط جملة من قضايا المغرب السياسي كالديمقراطية، الصحراء، التنمية، العنف السياسي والإعلام باستحضار سياق ما بعد كورونا، وذلك في قالب تحليلي شيق.
استمرارا لنهج مؤلفه الأول، استهل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء “حفريات نقدية عن المغرب السياسي” في نسخته الثانية بصلات وصل لأحداث سياسية واجتماعية مثقلة بمعاني ودلالات سياسية مصحوبة بتعاليق المؤلف، من شأنها – حسب الكاتب – أن تشرح وتدعم مضامين الكتاب التي تنتظم في إطار قسمين يحيلان إلى حقب زمنية قد ولت وأخرى آتية، إذ يتضمن القسم الأول أربعة فصول همت أربعة أحداث سياسية واجتماعية من تاريخ المغرب الحديث بدءا بالمسألة الاجتماعية في الإعلام بالمغرب خلال سنة 2008، ثم النبش في حيثيات التقارير الدولية في علاقتها بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى تناول العنف السياسي ونقد الدولة المزدوجة من خلال انتخابات السابع من شتنبر سنة 2007.
كما احتلت قضية الصحراء حيزا مهما بين صفحات هذا الكتاب، حيث أفرد لها المؤلف فصلا خاصا في القسم الثاني، فضلا عن رصد الإستراتيجية التواصلية للمؤسسة الملكية على مدار عشرين سنة أي من خطاب 12 أكتوبر 1999 وصولا إلى خطاب 20 غشت لسنة 2019، ولم يغفل الكاتب الحديث عن سياق جائحة كورونا بتحليله لسيناريوهات تدبير الأزمة التي خلفتها خاصة بعد تمديد حالة الطوارئ، ليذيل كتابه بخاتمة عامة كانت فيصلا لمجموعة من القضايا والمستجدات التي شهدتها الساحة السياسية والحقوقية بالمغرب أبرزها تقرير النموذج التنموي الجديد، الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، مسلسل تطبيع المغرب مع إسرائيل وقضية ما يعرف باستقبال إسبانيا ل”ابن بطوش” على أراضيها بهوية مزورة.
يذهب الكاتب إلى وصف المؤشرات الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية أنها تقف مصرة على معطى التردي، ويقول في هذا الصدد أن “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا تعدو أن تكون إلا رهانا تواصليا مرهون بنسق تواصلي محوره “ملكية مواطنة” بعد نسق تواصلي موسوم ب”ملكية تنفيذية”، كما اعتبر تلك المبادرة تعيش معضلة في ظل غياب الحكامة الديمقراطية.
وفي التجاذبات الحاصلة بين المقاربتين الحقوقية والأمنية في التجربة المغربية، يقول العماري أن “منطق الموازنة بين المقاربتين الأمنية والحقوقية هو الذي يكسب الدولة هيبتها والمجتمع تماسكه: دولة قوية بمجتمع مواطنين أحرار لا كليانية أو شمولية إذ القوة بالحق، بالسلطة المشرعنة. تأسيسا على ذلك، لامعنى للحداثة والديمقراطية بدون حقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية”.
وعدَد الكاتب أبرز مبادئ المقاربة الأممية إزاء ملف الصحراء المغربية بضرورة حضور الإرادة السياسية لطرفي النزاع كأساس لاستمرار التسوية السلمية، كما تدرج المقاربة الأممية الدولتين المجاورتين (الجزائر وموريتانيا) ضمن الحلقة الأولى المباشرة المعنية بالنزاع، فضلا عن التحاق فاعلين دوليين (مجلس الأمن الدولي وأصدقاء الصحراء الغربية والاتحاد الإفريقي) ضمن الحلقة الثانية المعنية بالإسهام في إيصال التسوية السياسية غايتها، وتظل المرجعية القانونية الدولية أساس قرارات مجلس الأمن، الأصل لتدبير النزاع على أن السبل المرافقة لذلك تتعزز بتدابير وإجراءات واقعية منها تدابير بناء الثقة، وأشار كذلك إلى أن الخطاب الأممي (التقرير والقرار) يكرس صفات منها المصداقية والجدية لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
وخلص الكاتب إلى أن سياق جائحة كورونا وما بعدها يفرض الحاجة إلى منظومة تنموية متكاملة ومتضامنة تجعل من سؤال الإرادة السياسية مطلبا ملحا للتعامل بجدية مع مؤشرات التنمية الاجتماعية والسياسية كالصحة والتعليم والتشغيل والثقة بوصفها المتحكم في الرقي بالدولة والمجتمع إلى مصاف نادي الديمقراطية بمعناها الحقيقي والكوني.
تعليقات الزوار ( 0 )