غالبا ما يتخلى العلمانيون عن مبادئهم، ونضالاتهم من أجل تحقيق حلم الدولة المدنية، وهم يتحالفون مع أي قوة كانت أجنبية أو عسكرية أو بترودولارية من أجل هدف واحد هو الانتقام من غريمهم التاريخي والمتمثل في الإخوان والإسلاميين وجماعات الإسلام السياسي لكنهم غالبا ما تخيب آمالهم ويفشلون في تحقيق أحلامهم في الوصول إلى السلطة، فقد ذاقوا من نفس الكأس التي ذاقها خصومهم فصدق عليهم المثل العربي القائل أكلت يوم أكل أخي الثور الأبيض، ومع ذلك لم يتعلموا الدرس بعد وهاهم الآن يطبلون للثورات المضادة من أمثال من كان يحسبون على الانتليجينسيا العربية، والنخبة المثقفة، وبعض الأكاديميين من أمثال رضوان السيد وغيرهم ،وهؤلاء لم يتعلموا من الدرس المصري، وساحة الصراع اليوم هي الساحة الليبيبة والتونسية ومن بعدها ساحات أخرى قادمة سيحل بها ما حل بسابقاتها، وهاهو رضوان السيد وأمثاله يندمجون في سياق، الحملة على راشد الغنوشي ، وهذا الأخير مجرد شماعة فالحملة في الحقيقة على إجهاض أمل الديمقراطية الفتية الوليدة ، فنجده وغيره ينتقد التدخل التركي في ليبيا، متناسيا ما تقوم به على الجانب الآخر المليشيات الروسية والسودانية والأجنبية والطائرات الإماراتية والمصرية في دعم قوات حفتر و تقتيل الشعب الليبي.
فلماذا إذن التحيز لتدخل أجنبى دون غيره، ومما ليس فيه أدنى شك أن هناك تدخلان لجهتين وقوتين في الصراع الليبي، تدخل أجنبى لصالح العسكري الانقلابي من العهد البائد اللواء حفتر، وبالتأكيد فهو لم يكن ابدا وطنيا، لأنه ظل يخدم أجندة خارجية.
وهناك تدخل آخر جاء لصالح حكومة شرعية منتخبة معترف بها دوليا، هي حكومة السراج، قامت به تركيا دعما للشرعية.
التدخل الأول جاء لخدمة مصالح أجنبية ومن المعلوم أن الإمارات كان دورها دورا شريرا في إجهاض ثورات الربيع العربي ، فهي ساندت بأموالها كل الانقلابات العسكرية ودمرت اليمن بتحالف مع السعودية تدميرا.
ليس الموضوع هو أن نكون مع الإخوان أو ضد الإخوان ،الموضوع هو هل نحن مع الديمقراطية والمدنية أم مع العسكراتية والقتل والاغتيالات ودولة الرعب والخوف والصمت والقمع الدموي المجرد من كل الأخلاقيات الإنسانية، وقد انتهت هذه الدول مصر والإمارات والسعودية ثلاثي الشر إلى التحالف مع إسرائيل، ومن المعلوم أنهم قد انتهجوا كل الأساليب الشريرة وهددوا دولا في أمنها وتدخلوا في سياساتها فأي خير سيأتي بأيديهم؟
حقد البعض على الإخوان جعلهم يتحالفون مع الشيطان لكنهم غالبا ما تحولوا بدورهم الى ضحايا وخير مثال على ذلك ما وقع لشباب حركة 6 أبريل وحركة كفاية وما حدث للبرادعي المطرود المتهم بالخيانة، وصباحي، وكل رموز ثورة يناير ولشيخ الأزهر الطيب، الذي أصبح السيسي يهينه على رؤوس الأشهاد، في كل اجتماع أو مؤتمر.
كلهم الآن يشربون من نفس الكأس التي شرب منه الإخوان وكل من نادى أو ينادي بالديموقراطبة هو الآن بالسجن دون أمل في الخروج، وهم من كانوا يدعون للخروج في 31 يوليوز ومنحوا الديكتاتوري غطاء الشرعية الجماهيرية ومنحه تفويض الحكم المطلق، فكانت مذبحة رابعة ومذابح شارع رمسيس.
المسألة ليست الإخوان أو الغنوشي أو غيره، هؤلاء جاؤوا عن طريق صناديق الاقتراع ولم يأتوا على ظهر دبابة أو بواسطة أموال الفساد والشر الخليجي، والصندوق الذي جاء بهم يمكن أن يطردهم، هم مجرد تجربة تأتي وتذهب وليس لهم قوة السلاح وفوهة الدبابة.
ويبقى الشعب هو الحاكم وهو سيد نفسه، لكن عندما وضع العلمانيون يدهم في أيدي الشيطان وقعت المآسي، لأن المسألة كانت تتمحور حول مخطط صهيوني امبريالي استعماري قديم ينفذ الآن بأيد ووجوه عربية، لها مصالح شخصية مفروض عليها لعب هذا الدور القذر للبقاء في الحكم، وإلا سيجرفهم التيار الكاسح كما جرف الممانعين، وهدفهم كان هو إجهاض أي أمل بالنهضة والديموقراطية واستقلال القرار السيادي للأمم، والدول العربية، وكل دولة أبانت عن نوع من الصمود تم استهدفها و تخريبها والقضاء عليها، وخير مثال على ذلك ما وقع للعراق من خراب و إعدام رئيسه وصانع نهضته صدام حسين، وما وقع للقذافي الذي رفض صفقة القرن، وقد تنبأ بمصيره ومصير قادة آخرين في أحد المؤتمرات العربية ، دائما ما تملأ عيوننا الغشاوة ، وبدل أن نبصر تصبح ذاكرتنا مثل ذاكرة العصافير ننسى بسهولة فلا نتذكر إلا الأحقاد والكراهية والخلافات الأيديولوجية والسياسية الضيقة ، ويجعلنا ضعفنا وضعف العلمانيين والليبراليين واليساريين الانتخابي ننساق في خدمة أجندة الشيطان، فيحصل معنا ما حصل لفاوست في مسرحية جوته الرائعة، عندما أبرم ميثاقه مع الشيطان فحقق له ما أراد، لكنه أخذ روحه في نهاية المطاف، فمات فاوست نادما على ما أقدم عليه.
إن العلمانيين والنخب اليسارية واللليبرالية جرهم حقدهم إلى نسيان مبادئهم الديمقراطية فتحالفوا مع الأيادي الملطخة بالفساد والدماء وتغاضوا عن جرائم العسكر والأنظمة الفاسدة، من أجل القضاء على غريمهم التقليدي، ولكن لننظر إلى مصيرهم لقد همشوا وأدخل بعضهم السجون، وأهينوا، فهل استفادوا شيئا ، هل حققوا الديمقراطية الحقيقية، التي طالما نظروا لها وتغنوا بها ، لقد طواهم النسيان ، لم يقع لهم أيام حكم الإخوان بمصر ، ما يقع لهم الآن، لقد أشبعوا مرسي سبا وإهانة وكتبوا فيه قصائد ساخرة وقالوا فيه ما لم يقله أبو نواس في الخمر، وأطلقوا عليه لقب لحية الخروف ، في البرامج التلفزية ، ومع ذلك لم يعتقل يدخل أيامه، ولو صحفي واحد بسبب رأيه للسجون، انظروا الآن هل يستطيع أحد أن ينطق ببنت شفة أو كلمة تخالف ما يقوله القائد الملهم العظيم السيسي، ولو كان هراء، آلا ساء ما يحكمون.
قول الحقيقة صعب لا يستطيعه إلا الشرفاء من الفضلاء السياسيين والمفكرين وهم موجودين لكنهم قلة.
هناك علمانيون ويساريون وليبراليون مستنيرون يخاصمون بنبل ويختلفون بشرف ولا يقبلون الظلم ويناضلون من أجل حرية مخالفيهم وخصومهم ويدافعون بشهامة عن الحق بحيادية وموضوعية ودون حساسية.
ومثال ذلك ما حدث من تحالف حكومي تاريخي بين رفاق حزب التقدم والاشتراكية و إسلامي حزب العدالة والتنمية فساهموا في صيرورة الديمقراطية، وجنبوا المغرب سيناريوهات كارثية وأمنوا عبور المغرب إلى الديمقراطية، وواجه اليساريون التقدميون الشتائم والدسائس وتلقوا السهام في ظهورهم بدلا عن الإسلاميين، ومع ذلك لم يقبلوا الصفقات أو يساوموا خدمة لوطنهم، وخرجوا بذلك من الباب الواسع، ولم يدعهم خلافهم الأيديولوجي مع العدالة والتنمية الى الطعن فيهم من الخلف وكان بإمكانهم الحصول على مكاسب سياسية كبيرة. ولكنهم آثروا النزاهة ومصلحة الوطن رغم ما تعرضوا له من الإساءة وألهمز واللمز.
يجب على الإنسان أن يتجرد من هواجسه ومصالحه ونوازعه، لكننا مع الأسف نستمر في قول الكذب وشهادة الزور، سيذهب الإخوان وعملهم وسيسجل في سجل التاريخ، لكن ستضيع الأوطان وتخرب البلدان إذا أجهضت الديمقراطية ..
كان بالإمكان أن تصل النخبة المثقفة وحركة الإنقاد وحركة 6 أبريل واليساريون والعلمانيون وغيرهم إلى الحكم لو صبروا قليلا و استثمروا فشل الأخوان في الحكم، لكنهم سلموا رقابهم جميعا للعسكر والديكتاتورية وللمال الأسود.
هل يمكن أن نثق في السعودية الوهابية، والإمارات الأعرابية ، وهم يذبحون معارضيهم، بالخارج، ويعتقلون أمراءهم وبناتهم وإخوانهم ولا يترددون في طحنهم وإذابة جثثهم في مجاري المياه، وخير مثال على ذلك ما وقع للصحفي خاشقجي والذي لم يشفع له أنه خدم نظامهم سنين عددا.
إنهم ينادون الآن بشعارات الحرية و التقدمية والفن والخلاعة، ويمولون المراكز البحثية باستيراد عقول جاهزة وتحت الطلب، لكنك في نفس الوقت تجدهم ضد حقوق النساء وضد اي مطالب حقيقية تنادي بحرية التعبير وبالديمقراطية والحقوق السياسية المدنية ، فقد اعتقلوا الشيخ سلمان العودة وعوض القرني بدون ذنب اقترفاه أو جرم أو معارضة لحكمهم ، وكانت كل جنايتهم أنهم دعوا سلميا للمصالحة مع قطر، فاعتبروا إرهابيين ..
كيف يكونون لنا نموذحا و ليس لهم أبسط مقومات الدولة الحديثة، ليس لهم مجالس أو برلمانات، أو حكومات مدنية منتخبة ، إنهم مجموعة من الأمراء، جاءوا من الرمال على ظهر النوق، فسيطروا على الحكم بمساعدة أمريكا، وحلفائها، وقد قالها لهم دونالد ترامب صراحة حين صرح أنهم لا يستطيعون البقاء في الحكم أسبوعا واحدا بدون دعمه لهم، ورضاه عنهم، وأن عليهم أن يدفعوا مقابل ذلك، فهل هذا هو النموذج الذي تدعوننا للاقتداء به ، وترضونه لأنفسكم ولنا، هل تقبلون أن تكونوا عبيدا في مملكة الأسياد، ليس لثلاثي الشر، أي مشروع سياسي تنموي أوفكري، هدفهم الوحيد فقط هو الحفاظ على الكراسي،
وفي المقابل انظروا إلى تركيا هل جاء رجب طيب أردوغان من عائلة أميرية او جاء إلى السلطة بواسطة انتخابات ديمقراطية؟
خاف الأعراب من تصدير نسائم الحرية لبلدانهم، فحاولوا إجهاض الديمقراطية ودعم الانقلابات العسكرية بتدبير من الفلسطيني محمد دحلان. عميل الموساد والإمارات القذر ، ولهذا الأخير تاريخ حافل بالخيانة ، فبعد أن فشلت إسرائيل في كسر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإرغامه على التوقيع على تنازلات جديدة، استخدمت جاسوسها دحلان للانقلاب على عرفات وقتله مسوما في رام الله.
لم يستطع دحلان الانتظار طويلا، حيث انقلب لاحقا على الرئيس محمود عباس، والذي اكتشف خيانته ففصله من قيادة فتح والسلطة ولاحقه بتهم الخيانة والاختلاس لكن إسرائيل حمته وجندته فسعى لاستخدام كل خبرته ورجالاته وبأموال محمد بن زايد لافشال الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن، والدفع بكراكيز يأمرون بأمره، لتولي الحكم في هذه الدول، تستخدمهم الإمارات كيفما تشاء..
وقد حاول بأموال إماراتية تدبير انقلاب عسكري على أردوغان بواسطة الجنرالات وبمساندة ومباركة أمريكية، لكن الشعب التركي كان شعبا حيا، وليس شعبا ميتا كالشعوب العربية، لقد خرج عن بكرة أبيه ليلا إلى الشوارع والساحات ، وحمى الديمقراطية من بندقية العسكر والمتحالفين معه من حكام العرب الفاسدين لأن الشعب الحي، يعلم أن أردوغان رجل مدني سيحكم ، ما شاء الله له أن يحكم وينتهي حكمه ويرحل ويأتي حاكم مدني آخر، وأنهم هم في الحقيقة من يحكمون أنفسهم وأن أغتيال الديموقراطية ونجاح الانقلاب العسكري هو إغتيال لإ رادتهم، وهم من سيقررون في اللحظة المناسبة من سيبقى ومن سيذهب، وقد كان موقف الأحزاب السياسية العلمانية واليسارية التركية من خصوم أردوغان موقفا شجاعا وتاريخ يا ، حيث نددوا وشجبوا ورفضوا في حينه الانقلاب العسكري ولم يمنحونه الشرعية، وكذلك كان موقف الشرطة موقفا بطوليا . ،
هذا الوضع المزري لبعض الدول العربية في الانبطاح ، لا ينسحب على دولتنا العتيدة، فنحن و الحمد لله في المغرب في منآى عن هذا الصراع اللعين ، لأن دولتنا، دولة قديمة تضرب بجذورها في التاريخ، منذ ما يزيد عن 1000 سنة، ولنا تقاليد عريقة مرعية في الحكم، وإمارة المؤمنين وقفت سدا منيعا ضد كل التدخلات المجنونة، فلم تنجح فتعرضنا لهجوم الذباب والبعوض لكنه لم يفلح في تحقيق أهدافه، وهم يحاولون الآن اختراق عمقنا الاستراتيجي ويهددون وحدتنا الترابية لكنهم سيخيبون، رغم وجود بعض المطبلين اليائسين ، ،
وهاهم يحاولون بكل ما أتوا من قوة إثارة القلاقل والفوضى في تونس لإجهاض الديمقراطية الفتية بعد أن خاب مسعاهم في ليبيا مع حفتر المندحر إلى الجنوب،
بالنسبة لنا المطلب الأساسي والمهم هو التعايش مع كافة الفرقاء السياسيين لأننا شركاء في الوطن واللغة والدين والصراع السلمي بيننا هو تمرين جيد ومطلوب للوصول إلى الحكم، ليس عيبا أن نختلف ونتصارع صراع النبلاء ويدافع كل واحد على مشروعه، ويحاول تطبيقه.
والعمل الأهم هو التشبث بالملكية وصيرورتها تدريجيا إلى ملكية برلمانية، باعتبار الملكية هي ضامنة الوحدة والاستقرار، والنضال كذلك من أجل الدولة الديمقراطية المدنية سواء كان على رأس حكومتها ليبراليا أو اشتراكيا أو يساريا أو محافظا أو إسلاميا ، وأن لا ندع لأى أجنبى الفرصة في كبح جماع أحلامنا وتحويلها الي كوابيس ، ووقف نهضتنا، وأن نعمل متضامنين جميعا على تجنيب وطننا الحبيب شر الخراب والدمار الذي حل ببعض البلدان.
*محام بهيئة القنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )