Share
  • Link copied

العفو الملكي على مزارعي القنب الهندي بين التصحيح القانوني والمصالحة السياسية

أصدر الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى 71 لثورة الملك والشعب عفوًا عن 4831 شخصًا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي بمنطقة الريف .ولعل إقدام الملك محمد السادس على إصدار عفوه على آلاف مزارعي القنب الهندي، يصحح وضعا قانونيا أصبح نشازا مع تقنين هذه الزراعة من طرف الدولة ، كما يشكل استكمالا لمصالحة سياسية بين الدولة وساكنة هذه المنطقة.

  • العفو الملكي وتصحيح الوضع القانوني

    بعد مصادقة مجلس النواب على مشروع القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (الكيف) ب 119 عضوا من فرق المعارضة والأغلبية؛ و معارضة 48 عضوا من فريق حزب العدالة والتنمية، وامتناع لا أحد. وبعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ الذي ينص على إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص. وبعد إنشاء وكالة وطنية عهد لها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية فيما يتعلق بتنمية سلسلة فلاحية وصناعية تُعنى بهذه النبتة، أصبحت مسألة الاستمرار في ملاحقة مزارعي هذه النبتة وضعا قانونيا نشازا . إذ لا يعقل أن تقوم الدولة بتقنين زراعة هذه النبتة ورفع الطابع الجرمي عن فعل كان يُعتبر سابقًا جريمة، ويتم الاستمرار في ملاحقة أشخاص سبق أن أدينوا في تهم تتعلق بزراعة القنب الهندي ، حيث أصبح من غير الطبيعي الاستمرار في ملاحقة الأشخاص الذين صدرت في حقهم عقوبات في هذا الإطار. فهذه الخطوة الملكية قد أدت إلى رفع التناقض بين وضعية جديدة تشرعن العمل الذي توبع به الأشخاص سابقًا، وبين الاستمرار في ملاحقة هؤلاء الأشخاص، الشيء الذي سيعزز بلا شك من الانسجام في المنطق القانوني للدولة. وبالتالي فقد أتى العفو الملكي عن 4831 شخصًا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي ليصحح هذا الوضع القانوني النشاز . إذ كان هذا العفو الملكي ضروريًا حيث يندرج في السياق الذي نهجته الدولة خلال السنتين الأخيرتين من خلال مصادقة البرلمان على زراعة القنب الهندي، والإجراءات المتخذة إداريًا من طرف السلطات في هذا الإطار. ولعل هذا ما عكسه نص بلاغ الديوان الملكي الذي أشار بأن هذه الخطوة الملكية “ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي والأثر الهيكلي الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتجاته لأغراض طبية وصيدلانية وصناعية، وكذا المساهمة في تطوير الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية.” وبالتالي فبفضل هذا العفو، سيتم إرجاع هؤلاء المزارعين لحياتهم الطبيعية، من خلال التخلي عن ملاحقة فئة كبيرة من المزارعين الصغار، بما فيهم حوالي 800 امرأة ، الذين عاشوا سابقًا حياة مضطربة، خارجة عن القانون، حيث كان بعضهم لا يتوفر حتى على أوراقه الثبوتية من بطاقة هوية، وغيرها وحتى أبناؤهم أحيانًا كانوا يواجهون صعوبات في التسجيل في وثائق الحالة المدنية.
  • العفو الملكي وتكريس مصالحة الدولة مع ساكنة منطقة الريف

    من صلاحيات الملك الدستورية أن يقدم في كل مناسبة وطنية أو دينية على إصدار العفو عن المدانين والمتابعين في قضايا تتعلق بمختلف الجرائم التي ينص عليها القانون الجنائي . لكن يبدو أن هذا العفو الملكي على المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي بمنطقة الريف يختلف عن باقي أنواع العفو السابقة وربما اللاحقة ، نظرًا لارتباطه بسياق سياسي مختلف. إذ يندرج هذا العفو في إطار عملية مصالحة سياسية تزامنت مع الذكرى الفضية لتولي الملك عرش المملكة . وبالتالي ، فقد شهدت مناسبة عيد العرش عفو الملك عن 2476 شخصا، من بينهم صحافيون ومدونون مدانون في قضايا الحق العام كتوفيق بوعشرين، والصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني، فضلا عن المدونين رضا الطاوجني ويوسف الحيرش.بالاضافة إلى مستفيدين من برنامج مصالحة لمواجهة الخطاب المتشدد داخل السجون. لتأتي مناسبة ثورة الملك والشعب ويتواصل معها العفو عن المواطنين المدانين قضائيا بمنطقة الريف . فهذه المنطقة ،وإن لم تشهد تمردات انفصالية ، إلا أن علاقتها بالسلطة المركزية اتسمت بالمواجهة العنيفة كان من أبرزها أحداث 1958 ، وأحداث 1984 ، التي وجه فيها الملك الحسن الثاني لساكنة المنطقة تحذيرا سياسيا قويا ، وأحداث 2016 التي تم فيها اعتقال والحكم على العديد من نشطاء حراك الريف بتهمة خدمة أجندة انفصالية والتآمر للمس بأمن الدولة. وبالتالي ، فقد كان هذا العفو الملكي “بمثابة خطوة أولى مفصلية نحو إنهاء رسمي، وبتدخل ملكي، للحيف الذي وقع على بلاد الكيف لعقود طويلة رغم أن الطبيعة والبيئة الزراعية هما اللتان حددتا المزروعات وليس الساكنة بشكل حصري”، ولعل “من شأن هذا الأمر أن يفتح المنطقة أكثر ويخلق مناخا من الثقة تحتاجه الجهة كلها لإنجاح مشروع تقنين زراعة الكيف بالمنطقة التي كانت هذه الزراعة في الأصل بقرار سلطاني. فبعد الترخيص السلطاني من طرف الحسن الأول لبضع دواوير في منطقة كتامة بزراعة نبتة الكيف، تحقيقا للاستقرار والتوافق مع القبائل المحلية ، نص ظهير 1919 على أن زراعة الكيف لا يمكن أن تتم في المغرب إلا بإعلام السلطات بذلك، حيث يفرض الظهير على الفلاحين إبلاغ السلطات بالكمية التي يرغبون في زراعتها، في حين أن أي فلاح سيتعرض لعقوبات مالية في حالة زراعته للقنب بدون ترخيص. كما فرض هذا الظهير تسليم غلة القنب الهندي كلها إلى الحكومة، وفي حالة إكتشف المراقبون نقصان الكمية المسلمة عن المزروعة فإن الامر يعتبر مخالفة وبناء على ذلك سيتم تحديد عقوبة مالية في حق الفلاح الذي لم يسلم الكمية كاملة ل”صاكة التبغ”.وعلى الرغم من منح السلطان محمد الخامس ساكنة كتامة الحق الحصري لزراعة النبتة، فقد جرم الظهير الشريف الصادر في 21 مايو سنة 1974 زراعة وترويج وتعاطي المخدرات لتقوم الدولة سنة 1996 ب”الحملة التطهيرية” التي شملت اعتقال بارونات مخدرات ومسؤولين وسياسيين، في حين ظلت نبتة القنب الهندي تزرع رغم عمليات السلطات بإحراق محاصيل هذه النبتة في هذه المنطقة.

    وبالتالي ، فهذا العفو الملكي ، سيكرس بلاشك تقنين الدولة لعملية تحكمها في هذه الزراعة ، ويحسم في هذا التأرجح الذي طبع تعامل أجهزة الدولة مع مزاولة ساكنة هذه المنطقة لزراعة الكيف . كما أن هذا العفو سيقتلع من مخيال ساكنة هذه المنطقة بعض تداعيات “سخط السلطان” الذي شكل أحد آليات العلاقة التي كانت تجمع بين المخزن وقبائله السائبة بعد أن استفاد 24 من معتقلي حراك الريف من عفو ملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2018 . وإن كان هذا العفو قد غطى مؤقتا عن عدم الافراج عن ما تبقى من نشطاء الريف التي تقدر جمعية عائلات معتقلي حراك الريف عددهم بـ23 شخصا، بينهم ناصر الزفزافي الذي يوصف بزعيم الحراك والمحكوم عليه بالسجن 20 عاما.والذي ما زال يرفض ، حسب ما يروج ، تقديم طلب العفو إلى الملك.
Share
  • Link copied
المقال التالي