نجحت جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس في تحقيق تقدم كبير في تصنيف التايمز للتعليم العالي في 2020 باحتلالها الرتبة الأولى على الصعيد الوطني، والرتبة 601 – 800 على الصعيد العالمي. وقد جاء هذا الإنجاز تتويجا لحركية علمية غير مسبوقة شهدتها جامعة فاس خلال السنتين الأخيرتين، خاصة في مجال النشر في المجلات المصنفة في بيانات سكوبس scopus.
وبالإضافة إلى هذه الرتبة على الصعيد العالمي، فقد حازت جامعة فاس تقدما غير مسبوق ضمن صنف الجامعات الحديثة وأيضا في صنف الجامعات المنتمية إلى الاقتصاديات الصاعدة حيث حصلت على الرتبة 201- 250. أما على مستوى التخصصات العلمية، فقد حققت الجامعة نتائج مهمة في بعض الفروع العلمية، فمثلا في مجال الأبحاث السريرية وقبل السريرية والصحة حققت رتبة متقدمة وهي 301-400 عالميا. وتجدر الإشارة أن البحوث في مجال الطب والصيدلة تعد مفتاح التقدم في التصنيف الدولي للجامعات، بالإضافة إلى التخصصات العلمية المدرسة في كليات العلوم.
يوجد اليوم أكثر من أربعين تصنيفا للجامعات في العالم، بعضها يركز على تصنيف جامعات دولة واحد مثل تصنيفات الولايات المتحدة، وبعضها يصنف الجامعات في تخصص معين مثل إدارة الأعمال أو الطب أو القانون، والبعض الآخر يحاول أن يكون له بعد عالمي. لكن عموما هناك أربعة تصنيفات هي التي تتنافس الجامعات عبر العالم لتحسين موقعها فيها، وهي : أولا التصنيف التي تقوم به جامعة شنغهاي وهو الأشهر على الإطلاق، وثانيا تصنيف مجلة التايمز للتعليم العالي، وثالثا تصنيف المؤسسة البريطانية (كواكواريلي سيموندس) والمعروف اختصارا بـ(QS)، ورابعا تصنيف (ويبومتريكس) (Webometrics) لجامعات العالم بناء على معايير الحضور العلمي الافتراضي.
ويحاول تصنيف التايمز الذي يهمنا في هذه المناسبة أن يوازن بين التدريس والبحث والاقتباس، ويعطي أهمية أيضا لكل من الابتكار الصناعي والبعد الدولي للجامعة. ويعتمد هذا التصنيف على خمسة معايير، ويتضمن كل معيار على مجموعة من المؤشرات الفرعية.
يتمثل المعيار الأول في التدريس والذي يشير إلى بيئة التعليم، وحصلت فيه جامعة فاس على 25.2. ويتضمن هذا المعيار على مجموعة من المؤشرات وهي استطلاع السمعة، ونسبة هيئة التدريس إلى الطلاب، ونسبة عدد الطلاب المسجلين في الدكتوراه إلى طلاب الإجازة /البكالوريوس، ونسبة درجات الدكتوراه الممنوحة إلى هيئة التدريس. يهدف هذا المؤشر إلى معرفة ما إذا كان الجامعة لها استراتيجية لتطعيم الأجيال الأكاديمية المستقبلية.
وأما المعيار الثاني فهو معيار البحث، وحصلت فيه الجامعة على 7.6. و يتضمن هذا المعيارعلى ثلاثة مؤشرات، وهي: السمعة وهو يقيم سمعة الجامعة فيما يخص جودة بحوثها بين نظيراتها استنادا إلى استبيان السمعة الأكاديمي الذي يقوم به هذا التصنيف سنويا. ومؤشر دخل البحث الذي يتم من خلال قياس دخل البحوث نسبة إلى عدد هيئة التدريس ومطابقته بمعدل القوة الشرائية. ومؤشر الإنتاج البحثي الذي يعتمد على عدد الأبحاث المنشورة في المجلات الأكاديمية المفهرسة في بيانات سكوبس إلسفير (Elsevier’s Scopus). وهذا يعطي فكرة عن قدرة المؤسسة على نشر الأبحاث في المجلات المحكمة ذات الجودة العالية.
وأما المعيار الثالث فيتمثل في الاستشهادات أو الاقتباسات، والذي يحيل إلى تأثير البحث العلمي، وقد حققت فيه جامعة فاس على 53.2. ويعد مؤشر تأثير البحث العلمي الرائد في مختلف التصنيفات، وهو أحد المؤشرات الأكثر تأثيرا. فهو يقيم دور الجامعات من خلال نشر المعرفة والأفكار الجديدة، وذلك بقياس تأثير أبحاثها عن طريق معرفة عدد الاقتباسات من الأعمال المنشورة من قبل باحثي الجامعة على مستوى العالم.
وأما المعيار الرابع فهو الدخل الصناعي الذي يحيل إلى الإبداع، وحققت فيه جامعة فاس 34.4. ويسعى هذا المعيار لتقييم عملية نقل المعرفة من خلال حساب مقدار ما تكسبه الجامعة من دخل الأبحاث من الصناعة، وذلك نسبة لعدد أعضاء هيئة التدريس التي تشتغل في الجامعة، فقد أصبحت قدرة الجامعة على مساعدة القطاع الصناعي بالابتكارات والاختراعات والاستشارات من المهام الأساسية للأكاديميين.
وأمنا المعيار الخامس فيتمثل في النظرة العالمية، وحصلت فيه جامعة فاس على 23.6. ويضم هذا المعيار المؤشرات الآتية: نسبة الطلبة الأجانب إلى الطلبة المحليين (يشكل الطلبة الأجانب 2٪ من مجموعة طلبة جامعة فاس)، ونسبة هيئة التدريس الأجنبية لهيئة التدريس المحلية. يهدف هذان المؤشران إلى معرفة قدرة الجامعة على جذب الطلبة والأساتذة من مختلف أنحاء العالم. ويضم هذا المعيار مؤشرا ثالث وهو مؤشر التعاون الدولي الذي يهدف إلى قياس نسبة منشورات الجامعة في المجلات الدولية التي يكون فيها على الأقل كاتب مشترك (co-author) أجنبي، وعدد أعلى من المكافئات.
لجامعة فاس مؤهلات بشرية كبيرة وتراكم علمي ما يؤهلها لتحقق مزيدا من التقدم في هذا التصنيف وغيره إذا أحسن توظيفها. وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة تقدم حاليا حوافز مالية مهمة للباحثين الذين ينشرون في المجلات المصنفة في بيانات سكوبس تتراوح ما بين خمسة ألاف وعشرة آلاف درهم، وتصل إلى خمسين ألف درهم لم ينشر في مجلتي nature أو science.
إن ما حققته جامعة سيدي محمد بن عبد الله اليوم هو إنجاز مهم تستحق عليه كل التنويه، ويعيد شيئا من الاعتبار لمدينة فاس، العاصمة العلمية للمغرب، لكنه يبقى خطوة في مسيرة ألف ميل. إذا أرادت الجامعات المغربية أن تلعب في الدوري الممتاز في العالم، فعليها أن تعيد النظر في الكثير من المسلمات التي لا تزال تحكم عملها سواء في مجال البحث العلمي أو التدريس أو الترقية أو التمويل أو الحكامة.
———-
بعض منشورات الكاتب سعيد الصديقي في هذا الموضوع:
كتاب التصنيف الأكاديمي الدولي للجامعات العربية: الواقعوالتحديات (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2016)
فصل بعنوان ”موقع الجامعات العربية في التصنيفات الدولية للجامعات: قراءة نقدية“، في كتاب: الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)
مقال بعنوان “الجامعات العربية وتحدي التصنيف العالمي: الطريق نحو التميز“، مجلة رؤى استراتيجية، المجلد الثاني، العدد 6 (أبريل 2014)، ص ص.8-47.
مقال بعنوان “الجامعات العربية وجودة البحث العلمي: قراءة في المعايير العالمية”، مجلة المستقبل العربي، العدد 350 (أبريل 2008)، ص ص. 70-93.
وبدروكم تستحقون كل التنوية والإشادة على كل المجهودات التي تقومون بها للرقي بجودة البحث العلمي. صدقا هي خطوة في مسيرة الألف ميل، لكن الأهم من هذا هو تثمين المنتوج العلمي بجامعة فاس، وتشجيع كل المبادرات والأبحاث والملتقيات العلمية الهادفة إلى تعزيز الإشعاع الدولي للجامعة المغربية، وجعلها قاطرة بل وفاعل أساسي لتسريع الإنتقال إلى اقتصاد المعرفة، خصوصا ونحن أمام رهان بلورة نموذج تنموي جديد.
مقال متميز، وتستحق جامعة فاس استرجاع مكانتها الطبيعية المتعارف عليها
مقال غاية في الموضوعية يستحق صاحبه كل التقدير والاحترام