يُواجه المغرب الذي يُصدّر ملايين المهاجرين صوب أنحاء العالم، تحديات هائلة جراء تدفق المهاجرين الأفارقة صوب المملكة، مما جعله ينهج سياسة استثنائية في ميدان الهجرة، وذلك بفتح الباب لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين فوق ترابه وتركيز اهتمامه على تدبير هجرة مغاربة الخارج والاستجابة لحاجياتهم.
وعلى الرغم من أنّ قضية الهجرة كانت ولا تزال قضية شائكة، ودوما ما شهدت موجات الهجرات أخذ ورد بين المملكة المغربية وشركائها في الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط، لاسيّما إسبانيا، إلا أنّ المملكة تمكنت من التوفيق بين جدلية كونها بلدا مصدرا للهجرة إلى مستقبل لها.
سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، يرى أنّ المغرب تحول خلال العقدين الأخيرين من بلد مُصدّر لملايين المهاجرين لمختلف أنحاء العالم وخاصة أوروبا، إلى بلد عبور لآلاف المهاجرين وخاصة من إفريقيا جنوب الصحراء الذي يطمحون للوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ثم أصبح اليوم بلد استقبال بسبب فشل العديد من المهاجرين من الانتقال إلى القارة الأوربية بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي على حدوده الجنوبية.
وأوضح الصديقي في حديث مع جريدة “بناصا”، أنّ هؤلاء المهاجرين قصدوا المغرب في البداية كنقطة عبور إلى أروبا، لكن فشلهم في تحقيق هذا الحلم جعل المغرب -وباقي البلدان المغاربية- بلد استقرار دائم لهم، ولم يعد مجرد “محطة انتظار” للعبور إلى القارة الأوربية.
الأبعاد الثلاثة للهجرة:
ويمكن القول أنّ المغرب تتمثل فيه الأبعاد الثلاثة للهجرة، فهو بلد المصدر وبلد العبور، وبلد الاستقبال. ولا يوجد المغرب وحده في هذه الوضعية، بل هناك بلدان أخرى في العالم تتوفر فيها هذه الأبعاد الثلاثة نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يشكل نقطة اتصال بين قارتين، مثل باقي الدول المغاربية، وتركيا، والمكسيك
وأضاف المتحدث ذاته، أنّ المغرب لم يشجع قدوم المهاجرين إليه، بل وجد نفسه أمام وضعية إنسانية قائمة والتي تتمثل في تدفقات هجرة غير نظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء ومؤخرا من سوريا كما سلف ذكره، وأن هؤلاء وصلوا إلى المغرب بطريقة غير نظامية وخاصة عبر حدوده البرية من الشرق، ولم يصلوا إلى المغرب ضمن أي سياسية لهجرة منظمة.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية، أنه وأمام هذا الوضع الإنساني الصعب لآلاف المهاجرين، وأيضا مع تنامي الوعي الحقوقي سواء لدى المؤسسات الرسمية أو المدنية كان على المغرب أن يقوم بخطوات لتدبير وضعية هؤلاء المهاجرين. ولعل عملية التسوية القانونية لآلاف من هؤلاء المهاجرين، ومنحهم بطائق الإقامة، وتمكنيهم وباقي أفراد عائلاتهم ببعض الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة والحق في الشغل، تشكل خطوة متقدمة مقارنة مع باقي الدول المغاربية التي لا تزال تفتقد إلى سياسيات واضحة في هذا المجال، وبعضها لا تزال تطغى عليها المقاربة الأمنية.
ورداً على سؤال استفادة المغرب من عدمه من المهاجرين، أكد الصديقي، على أنّ المغرب وجد نفسه أمام وضعية إنسانية تستحق التضحية من قبل الدولة إعمالا للمقاربة الحقوقية الكونية، وأيضا لمبدأ التضامن، وكذلك لتعزيز علاقة المغرب مع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المهاجرين، وهذه السياسة أيضا جزء من القوة الناعمة للمغرب تجاه إفريقيا جنوب الصحراء.
المغرب يواجه تحديات داخلية وخارجية في ملف الهجرة
وشدّد المصدر ذاته، على أنّ المغرب لم يجلب هؤلاء المهاجرين، بل قدموا إلى المغرب بطريقة غير نظامية، وعندما نكون أما وضعية مثل هذه فإما تقوم الدولة بإعادتهم إلى دولتهم الأصلية أو آخر بلد دخلوا منه إلى المغرب إذا توفرت اتفاقيات الإعادة أو الترحيل بينه وبين الدول المعنية، أو يقوم المغرب بتدبير وضعيتهم وفق الإمكانيات المتاحة. ونظرا لأنه لا توجد اتفاقيات إعادة القبول بين المغرب وأغلب الدول المعنية بما في ذلك الجزائر، فإنه لا يوجد إلا خيار واحد وهو تدبير وضعيتهم.
ورغم ما يثار حول هذا الموضوع، يُضيف الصديقي، فإن عدد المهاجرين غير النظاميين في المغرب لا يزال محدودا، ويمكن حتى الآن استيعابهم في النسيج السوسيواقتصادي المحلي إذا اعتمدنا مبادئ حقوق الإنسان العالمية، واستحضرنا قيم التضامن والتآزر والتسامح التي يتميز بها المجتمع المغربي.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنّ هناك تحديين اثنين يواجههما المغرب، أحدهما داخلي ويتمثل في قدرة المغرب مستقبلا على الإدماج الفعلي لكل المهاجرين قانونيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، والتحدي الثاني وهو خارجي أو إقليمي، ويتمثل في غياب آليات للتعاون المغاربي في تدبير هذه الظاهرة لأن المغرب لا يستطيع أن يتحمل الجزء الأكبر من كلفة هذه الظاهرة، ولاسيما وأن جلهم يدخلون عبر الحدود المغربية الجزائرية،
وخلص سعيد الصديقي الذي ساهم، أخيراً، بفصل بعنوان: “المنطقة المغاربية والهجرة الإفريقية البينية: تحدي واحد واستراتيجيات مختلفة” في الكتاب الجماعي (باللغة الإنجليزية) بعنوان “الهجرة الإفريقية: الحدود باعتبارها تحديات وفرصا”، إلى أن جل المهاجرين يطمحون للعبور إلى أوروبا، بمعنى أن الاتحاد الأوروبي نفسه إلى جانب الدول المغاربية ينبغي أن يساهموا في التنسيق المستمر في المستقبل لتدبير هذا الملف وتقاسم كلفته.
تعليقات الزوار ( 0 )