حصل، مساء اليوم الأربعاء، الصحافي عبد الحفيظ المنوار على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بجامعة الحسن الثاني المحمدية، عن أطروحة “التواصل السياسي الحزبي بالمغرب، التنافسية السياسية بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة (2011- 2021)، أمام لجة مناقشة تألفت من الدكتور عبد الفتاح البلعمشي من جامعة القاضي عياض، مراكش، والدكتور محمد زين الدين والدكتور محمد المودن والدكتور صالح النشاط من جامعة الحسن الثاني، المحمدية، والدكتور عبد الحميد بنخطاب من جامعة محمد الخامس، أكدال، والدكتور أحمد إدعلي من جامعة ابن طفيل، القنيطرة.
ما التواصل السياسي؟
يثير موضوع التواصل السياسي مجموعة من الأسئلة، إذ يعتبر الموضوع ملتقى لمجموعة من التخصصات كالإعلام والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثربولوجيا، ولذلك حاول الباحث العودة إلى الجذور الأولى للتواصل السياسي، والتي تعود إلى عهد كل من أفلاطون وأرسطو، إلا أن دراسة هذا الحقل لم تبدأ إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، بغرض بحث وتتبع دور التواصل في العملية السياسية.
وعرج الباحث في عرض أطروحته على مجموعة من الباحثين الذيت تناولوا التواصل السياسي ولا سيما في أمريكا وأوربا.
وفي تناوله في الأطروحة للتواصل السياسي عند حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، خلال الفترة ما بين سنتي 2011 و2021، حاول الباحث إعطاء لمحة تاريخية عن سياق ما قبل هذه الفترة المدروسة والتي تميزت بظهور حركات احتجاجية بالمغرب وببعض دول العالم العربي وهو ما عرف ب”الربيع العربي”.
وحري بالذكر أن الانتخابات العامة التشريعية لسنة 2011 تميزت بكونها أتت في سياق الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب. كما تميزت بظهور “حركة 20 فبراير” التي رفعت خطابا “إصلاحيا”، كما أن هذه الاستحقاقات الانتخابية جاءت في ظل “دستور جديد” (دستور 2011).
وفي 25 نونبر 2011 جرت انتخابات تشريعية تميزت عن سابقاتها بكونها جرت في سياق وطني وإقليمي خاص، وشكلت منعطفا يمكن وصفه بالدقيق في تاريخ الحياة السياسية بالمغرب مقارنة مع نظيرتها لسنة 2007، حيث اتسمت بشيوع العديد من المفاهيم وبرز العديد من الأوراش بما فيها الورش الدستوري الذي شكل نقلة نوعية متميزة في الحياة السياسية بالمغرب، كما تميزت بظروف تنظيمية طبعتها الدعوة الحادة للمقاطعة من لدن الحركات الاحتجاجية التي تحمل العديد من المطامح وتعكس الكثير من المطالب.
وعرفت هذه الانتخابات التشريعية فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى ب 107 مقاعد متبوعا بحزب الاستقلال ب 60 مقعدا، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار ب 52 مقعدا، فيما احتل حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يخوض أول انتخابات تشريعية له، المرتبة الرابعة ب 47 مقعدا. وقد شكلت هذه النتائج بداية لمرحلة جديدة خاصة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة الذي احتل الرتبة الرابعة فقد كان يرشحه الكثير من المتتبعين للمشهد السياسي المغربي بتبوء المرتبة الأولى، خاصة بعدما استطاع أن يحصل على المراتب الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، حيث حصل على 6015 مقعدا رغم حداثة نشأته، في سياق كان يراد منه التمكين لهذا الحزب لصدارة المشهد وتعويض الأحزاب الإدارية التقليدية التي لم تعد قادرة على أداء مهام التأطير والتعبئة، بخلاف الأحزاب المصنفة كأحزاب إسلامية، وتحديدا حزب العدالة والتنمية، وذلك راجع لنوع التنشئة والقدرة على التعبئة لذا هذه الأحزاب عموما.
أهداف الأطروحة وأهمية الموضوع
تهدف الأطروحة التي تقد بها المنوار إلى التعرف على شكل وطبيعة التواصل السياسي الحزبي بالمغرب، وعلى طبيعة الاستخدامات المختلفة للأحزاب السياسية المغربية لفضاء التواصل بشقيه التقليدي والحديث. كما تسعى أيضا إلى التعرف على تأثير الوسائط الحديثة للاتصال في التواصل السياسي الحزبي بالمغرب، ومعرفة طبيعة الخطاب السياسي الذي ميز الفترة من 2011 إلى 2021 بالنسبة للحزبين عينة الدراسة.
إن لدراسة التواصل السياسي الحزبي أهمية كبرى، باعتبار هذا الحقل يجمع عدة مجالات متقاطعة باتت تحظى بأهمية كبرى من طرف رجال السياسة ورجال الإعلام. فالتواصل السياسي يجمع بين علوم الاتصال والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم اللغة والخطاب وغيرها.
إن هذه الأطروحة ترصد التواصل السياسي عند حزبين سياسيين أثرا في المشهد السياسي في العقد الأخير، وبات ينظر إليها كقوتين سياسيتين مؤثرتين في المشهد الحزبي المغربي، من خلال النتائج المحصل عليها، وعبر الخطاب السياسي المنتج خلال الفترة المشار إليها، ويتعلق الأمر بحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، اللذين شغلا حقل التواصل السياسي الحزبي بالمغرب في العقد الأخير عبر التدافع السياسي من منطلقين مختلفين (ثنائية التقليدانية والحداثة). كما تتناول الأطروحة علاقة الخطاب السياسي ومنتجه بالوسائط المعتمدة، وهي أساسية في العملية التواصلية، تستدعي الدراسة والتحليل.
أسباب اختيار الموضوع
إن البحث في مجال التواصل السياسي الحزبي بالمغرب أملته مجموعة من الحوافز والمنطلقات منها الذاتي ومنها الموضوعي. وفي هذا الشأن،شكل بحث الماستر الذي أنجزته سنة 2016 في تخصص التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط حافزا كبيرا لمواصلة البحث وتعميقه في هذا المجال الحيوي والذي عرف تحولات كبيرة بالمغرب في العقد الأخير وينفتح على تطورات كبرى في الحاضر والمستقبل.
إن اشتغال المنوار في مجال الإعلام والتواصل السياسي جعله يطرح العديد من التساؤلات والتي ارتأى أن تكون مجالا للبحث الأكاديمي.
كما أن طبيعة عمله كصحافي مهني منذ سنة 2006، ومسؤولا عن القسم السياسي بالقناة الثانية، مكنه من التغطية الميدانية لمختلف المحطات الانتخابية بالمغرب منذ 2007، وخاصة الانتخابات قيد الدراسة وهي 2011، و2015، و2016، و2021، ومن خلال حضور المؤتمرات الوطنية لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، عينة الدراسة، وللتجمعات الخطابية خلال الفترات الانتخابية، وتتبع تدخلات ممثليها في وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وأيضا تتبع تدخلات الحزبين في مجلسي النواب والمستشارين، ومتابعة الجلسات الشهرية لرئيسي الحكومة من العدالة والتنمية ويتعلق الأمر بعبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، وهي مناسبات سياسية متنوعة عرفت وضعيات تواصلية مختلفة وإنتاج خطابات سياسية متنوعة جعلتني أهتم بدراسة الموضوع في إطار بحث أكاديمي صرف.
أما فيما يتعلق بالدوافع الموضوعية للأطروحة، فإنها تنطلق من المكانة التي بات يحظى بها التواصل السياسي بالمغرب، والذي بات يشكل محط اهتمام العديد من الفاعلين السياسيين وكذا عموم الباحثين، غير أن المنجز العلمي في المجال ما زال محدودا. كما أن جل الكتب والمؤلفات التي كتبت لحد الآن هي عبارة عن ترجمات من لغاتها الأصل وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
الإشكالية والإطار النظري للموضوع
تنطلق الأطروحة من رصد التحولات التي طالت التواصل الحزبي للأحزاب السياسية من خلال دراسة وتحليل المضامين والوسائط المعتمدة في التواصل السياسي خلال الانتخابات التشريعية والجماعية الممتدة ما بين الفترة 2011 و2021، كما تهم كذلك بالفترات الخارجة عن الزمن الانتخابي خلال المدة الزمنية المدروسة، عبر الجواب على إشكالية مركزية تأتي على الشكل التالي:
إلى أي حد يمكن للأحزاب السياسية ممارسة التواصل السياسي في ظل التحولات التي يعرفها الفضاء الحزبي من خلال استغلال الوسائط التقليدية إلى جانب الحديث منها بما يكفل تخليق الفضاء العام للتواصل؟
وللوصول إلى نتائج علمية تجيب على الإشكالية المركزية وعن الأسئلة المتفرعة عنها تم وضع الفرضيات التالية:
الفرضية الأولى: استغل حزبا العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة كل وسائل التواصل المتاحة لتحقيق أهدافهما في تبليغ الرسائل للمتلقي، كما أن توظيفهما للوسائط الحديثة للتواصل لم يحد من فعالية الوسائط التقليدية.
الفرضية الثانية: حزب العدالة والتنمية وظف الخطاب الديني لأهداف سياسوية.
الفرضية الثالثة: حزب الأصالة والمعاصرة بنى جزءا كبيرا من خطابه كرد فعل على خطاب العدالة والتنمية.
إن بلوغ نتائج علمية موضوعية لا يتم إلا من خلال مقاربة الموضوع من جوانب مختلفة. وفي هذا الشأن، تم الاعتماد على مجموعة من النظريات ومن أبرزها: نظرية الفاعل والنسق (L’acteur et le système) لميشيل كروزيي، ونظرية الفعل التواصلي (L’agir communicationnel) ليورغن هابرماس، كما تم الاعتماد على نظرية ترتيب الأولويات) الأجندة(. (Agenda-setting، ونظرية الاعتماد على وسائل الإعلام. (Media system dependency theory)
إن اختلاف موضوعات البحث هو المحدد للمناهج التي تصلح للبحث عن حقيقتها من قبل الباحثين، والذين يمكن لهم اتباع مناهج علمية مختلفة. ووفقا لذلك، تم الاعتماد على عدد من المناهج: ويتعلق الأمر بالمنهج الوظيفي والنسقي والمقارن، على اعتبار أن التواصل الحزبي المغربي يندرج ضمن نسق سياسي خاص يتفاعل فيه عدد من الفاعلين، وعلى أساس أن العملية الانتخابية تعرف سيرورة متحولة بين مدخلات ومخرجات، بالإضافة الى الاعتماد على مقاربة تاريخية، وهي مقاربة تستند إلى الأحداث التاريخية في فهم الحاضر والمستقبل، إذ لا يمكن فهم وإدراك أية حالة سياسية، إلا بالعودة إلى جذورها التاريخية، وتطورها.
وبما أن البحث قام على شق ميداني فقد تم الاعتماد على مجموعة من التقنيات البحثية ومنها بالأساس: دراسة الحالة وتحليل المضمون والمقابلة.
أهمية التواصل السياسي
حظي موضوع التواصل السياسي بالمغرب باهتمام العديد من الدراسات منها: دراستان يمكن اعتبارهما بحثا في الجذور الأولى للتواصل السياسي بالمغرب. وقد قاربت إحداهما فضاء التواصل السياسي بالمغرب المعاصر 1844/1999 من زاوية دور الاستراتيجيات التواصلیة التي ینهجها الفاعلون السیاسیون في تحدید مسار بناء مشروعیتهم والحفاظ علیها، مع جرد أنماط التواصل السیاسي والاختلافات الموجودة بین التواصل السیاسي الحدیث والتواصل الطقوسي على مستوى القدرة التفسیریة الإجرائية للفعل التواصلي في مراحل مختلفة، كما تطرقت لعدد من المظاهر أهمها أزمة التوزیع، أزمة التمثیل، أزمة التواصل، كل ذلك في حقل التواصل السیاسي.
أما الدراسة الثانية فقد عمقت التدقيق في التواصل العمومي والتواصل السياسي بالمغرب (1956ـ1999) ، من خلال معالجة أنماط التواصل المختلفة وعلاقتها بالسلطة السیاسیة عبر مراحل متعاقبة، وكذا أشكال التعبیر المرتبطة بها، ودور النخب وحضورها في هذه السیاسات العمومية الاتصالية ومدى قدرة التواصل السیاسي على تحقیق الشرعیة الدیمقراطیة.
وعلى الرغم من أهمية هاتين الدراستين في رصد تحولات التواصل السياسي، إلا أنهما توقفتا عند زمن ما قبل 1999، وارتأى الباحث أن يكون هذا العمل مكملا لهما عبر الزمن الذي يلحق، وهي الفترة التي نعتبرها ذات أهمية، بالنظر لكونها عرفت تحولا سياسيا كبيرا في المغرب مع تولي الملك محمد السادس العرش، وهو ما عرف ب”العهد الجديد” والذي جاء بعد عدة تحولات عرفها المغرب وساهم في تحولات أخرى مؤسساتية أثرت في بيئة التواصل السياسي بالمغرب، سواء عبر تحرير المجال السمعي البصري، الذي انشأته الدولة واحتكرته لعقود، أو من خلال ترسانة قانونية، يراها المتتبعون مهمة، واكبت هذا العهد الجديد. كما عرف العقدان الأخيران تطورا ملموسا في بنية التواصل، عموما، بظهور أشكال جديدة، وأساليب مستحدثة، استفادت من الانتشار الواسع لشبكة الأنترنيت وما تلاها من وسائط حديثة، غيرت نمط التواصل كما أثرت في مضامينه.
ويرى الباحث أن التواصل الحزبي بالمغرب شهد بدوره “ثورة” تواصلية، أثارت اهتمام الدارسين في الأونة الأخيرة. وقد تنوعت هذه الدراسات بين من تناول أصحابها مفهوم التواصل بين المؤسساتي والسياسي، وبين من عمل على معالجة مفهوم التواصل السياسي بالمغرب وأدواته المختلفة والنظريات والنماذج الاتصالية، وخصائص وخطاب بعض الأحزاب السياسية.
ولذلك توقف الباحث عند إحدى الدراسات عند بلاغة الخطاب السياسي السجالي عند الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران”، والتي عملت على دراسة الخطاب السياسي، وذلك بالاعتماد على متن يتكون من مجموعة من الخطب التي ألقاها الرجل في مناسبات مختلفة تمتد من 2011 إلى 2017.
وقد حاولت هذه الأطروحة، والتي أعدها الباحث محمد الأمين مشبال، الإجابة عن تجليات الخطاب السجالي لدى هذا الزعيم السياسي والاستراتيجيات الخطابية التي اعتمدها للتأثير في الجمهور بهدف الحصول على تعاطفه والتصويت على مرشحيه. وعلى الرغم من أهمية هذه الدراسات، إلا أننا نعتبرها لم تحط بالموضوع على اعتبار حقل التواصل السياسي شاسعا تتداخل فيه عدة قوى متضامن أحيانا ومتنافسة أحيانا أخرى.
إن الدراسات السابقة بالمجمل، والتي تناولت التواصل السياسي هي أدبيات مهمة جدا لهذه العمل، ونعتبر هذه الدراسة تأتي بما يكمل الدراسات المشار إليها.
كما أنها ستقف أمام أهم النقاط والعناصر التي تم إغفالها ولم تتطرق لها هذه الدراسات. وقد حاول عبد الحفيظ المنوار من خلال هذه الدراسة استكمال مسار دراسة فضاء التواصل السياسي بالمغرب، بالتركيز على التواصل الحزبي والتحولات على مستوى الوسائط والمضامين.
كما اهتمت هذه الدراسة بالوضع الراهن من خلال التركيز على العقد الأخير من زمن التواصل السياسي الحزبي بالمغرب والذي عرف تحولات ملحوظة شكلا ومضمونا والتي يمكن اعتبارها تظل مفتوحة على تحولات جديدة في المستقبل.
تعليقات الزوار ( 0 )