Share
  • Link copied

الصحافة في المغرب بين نبل المهنة وشذوذ الممارسة

ليس من الغريب في شيئ أن تصنف الصحافة كسلطة رابعة إضافة للسلط التقليدية الثلاث ” التشريعية، التنفيذية، القضائية”، فهي المؤثر الأول على صناع القرار، وهي لسان حال الأمة، وهي الأمل الوحيد والأخير حين تقف السلط المذكورة عاجزة عن القيام بأدوارها، سواء أكان عجزها هذا ذاتيا أو كان بفعل فاعل خلف الكواليس.

والصحافة مهنة نبيلة لا ينالها إلا ذوو حظ عظيم، ممن يتسمون بالمروءة والأخلاق الحميدة، وممن يشهد لهم بالكفاءة ونظافة اليد، نظافة تتجاوز تعبيرها الحرفي لتعبر عن الإستقلالية التامة بعيدا عن أصحاب المال والأعمال، ممن هم على استعداد دائم لمفاوضة الأقلام المزعجة وشراءها بثمن مهما كثر يبقى بخسا زهيدا.

وسيكون من غير الصائب تماما أن نعتبر أن ما تقدم ذكره لا يتعدى كونه وصفا مثاليا لمهنة الصحافة، وأن هذه الأوصاف لن تتحقق إلا إذا تحققت نبوءة أفلاطون عن المدينة الفاضلة، والتي سنجد فيها الصحافي الفاضل، لكن نبل هذه المهنة وسموها على باقي المهن، يستدعي ويجعل من الضرورة بمكان أن يكون الصحافي فاضلا أولا، حتى وإن لم يكن وسطه كذلك.

إن مهنة كهذه، ووصفا يملؤه المدح كالذي وصفته بها الآن، لم أكن الأول الذي أطلقته عليها ولن أكون الأخير بالتأكيد، هما عاملان يجعلان أمر الإنتساب لهذا الميدان أمرا مغريا جدا، ويجعل كل من قرأ عن الصحافة كلاما كهذا تحذوه الرغبة في أن يصير صحافيا أو أقله أن يحاول، وقد كنت أولهم، حتى رأيت جانبها الممارساتي الشاذ، فإستحييت.

نعم إستحييت، لإن الصحافي في مغربنا الحبيب، خذل تلك الصورة اللامعة التي دأبت على تشكيلها في مخيلتي عنه، والتي كانت دوما تتصوره شخصا واسع العلم والمعرفة، ذو إلمام شامل بقضايا عصره، صاحب أسلوب تحريري ببساطة خاذعة تخفي تحتها بلاغة الكتاب والشعراء، بل وتماديت في خيالي حتى تصورته لا يكاد ينشر مقالا إلا واتصل بزوجته ليوصيها على البيت والأبناء، بلازمة مضمونها قد أعود وقد لا أعود.
وماذا وجدت بالمقابل؟

وجدت الصحافة في مغربنا بناية كبيرة أبوابها كثيرة مشرعة، وغياب البوابين عنها جعل الولوج إليها سهلا يسيرا، كما أن خلو البناية من أي لافتة تحدد من هم المسموح لهم بالدخول ومن هم الممنوعون جعلها عرضة لعديد من الإنفلاتات والتجاوزات، والتي كانت ستكون في غنى عنها لو فكرت قليلا فقط، ووضعت لافتة مكتوب عليها ” للبشر فقط”، لافتة كهاته كانت ستكفيها شر الحيوانات المتسللة إليها بكل تأكيد.

أما داخل البناية، فما أخفته لم يكن أعظم بقدر ماكان أغرب وبكثير عن ظاهرها، فالسبق الصحفي على سبيل المثال لا الحصر، صار مرتبطا بأن يكون الصحفي أول من يكشف عن العلاقة غير الشرعية بين فنان وراقصة، أو أن يكون أول من يلتقط صورة لفنانة تأكل طبقا من السمك وهي التي صرحت قبلا بأنها تكرهه، بعد أن كان هذا السبق مرتبطا بمن سيكون الأول في كشف الطريقة غير القانونية التي سلكها مثلا أحد المترشحين للفوز بالإنتخابات، أو من سيكون الأول في أخذ تصريحات معينة بمنطقة منكوبة يتكبد فيها المسافر بدل المشقة مشقتين في سبيل الوصول إليها.

وبخصوص ضيوف هذه البناية، فبعد أن اعتادت في زمن أن تستضيف كبار العلماء والسياسيين وأبرز الأدباء والمفكرين، ها نحن نجدها اليوم تمنح حصة الأسد من برامجها لميادين الفن والرقص وقس على ذلك، بحفاوة إستقبال وضيافة كبيرتين، وبعشرات الميكروفونات التي لم تكن لتوضع حتى لإبن خلدون نفسه لو كتب مقدمته الشهيرة في زمننا الآن.

والغريب أنه حين يقوم أحد بإنتقاذ منتوجهم الإعلامي، يتحقق آنذاك إجماع تام على إجابة واحدة، مضمونها أننا نقدم للمستهلك ما يريد، فيتبادر لذهني حينها سؤالين إثنين، أولهما من من المفروض أن يؤثر على الآخر؟ وثانيهما، هل عملية تلبية رغبة المستهلك هاته مقرونة بحد أقصى أم أنها كالأعداد لا نهاية لها؟

والإجابة على كلا السؤالين سهلة بسيطة، لكن، ياليت قومي يعلمون.

إن هذا الواقع المرير الذي يجاهد لتحليته قلة قليلة من الغيورين على هذه المهنة – بدون جدوى طبعا-، يصطدم بجيش ضخم من السخافيين الذين أبت كلمة “صحافة” أن أربطهم بها وأنا على مشارف إنهاء هذا المقال، سخافيون أميون وإن درسوا، فقراء مهما كسبو، وبدون شرف مهما إدعوا، فرفقا بهذه المهنة النبيلة، ورجاءا أن تكفوا عن تسمية أنفسكم صحافيين، أو من الأفضل أن تكفوا عن تسمية المجال الذي تشتغلون فيه ب “الصحافة”.

Mansarayoub1@gmail.com

Share
  • Link copied
المقال التالي