يمثل يوم الثالث عشر شتنبر اليوم العالمي للقانون، وهو مناسبة للاحتفاء بالقوانين وفرصة للتأكيد على ضرورة الاحتكام إليها لأهميتها في تحقيق العدالة والمساواة بين الناس. لكن اليوم وفي إطار الحديث عن قضية مقتل الطفل عدنان، هل يمكن أن يكون فرصة لطرح إشكالية تغيير الترسانة القانونية وملاءمتها مع الجرائم المرتكبة في ظل ضغط شعبي ومطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام في حق الجاني؟
يطالب العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والمتظاهرين بمدينة طنجة بتطبيق عقوبة الإعدام على الجاني، عقابا على فعله الجرمي في حق الطفل، على اعتبار أن السجن بمثابة الجزاء لأنه يستفيد من الملجأ والمأكل والمشرب. في هذا الإطار يطرح سؤال عن إمكانية أن تكون القوانين الحالية مرتعا للمجرمين، خاصة في هذا النوع من الجرائم التي تمس الطفولة والبراءة؟
بالحديث عن عقوبة الإعدام فإن آخر تطبيق لها في المغرب كان في سنة 1993 في حق من يعرف ب” الكوميسير الحاج ثابث”، الذي اغتصب ما يقارب 1600 امرأة طيلة 3 سنوات. بسبب أفعاله الجرمية التي أثبتت بأشرطة فيديو المتواجدة بشقته عوقب بالإعدام رميا بالرصاص.
يعاقب مختطفو الأطفال في القانون الجنائي المغربي بالحبس من خمس سنوات إلى عشر حسب ما ينص عليه الفصل 471 من القانون الجنائي؛”من استعمل العنف أو التهديد أو التدليس لاختطاف قاصر دون الثامنة عشر عاما أو لاستدراجه أو إغرائه أو نقله من الأماكن التي وضع فيها من طرف من له سلطة أو إشراف عليه، سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة غيره، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات”.
وفي قضية الطفل عدنان وبما أنه لا يتجاوز عمر الحادي عشر سنة فلابد من إدراج الفصل 472 الذي يعاقب الجاني الذي ارتكب الجريمة السالفة الذكر على قاصر لا يتجاوز عمر اثني عشر سنة بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة. وبما أن جريمة الاختطاف تلاها اغتصاب فإن الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي ينص على كون الاغتصاب جريمة يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، غير أنه إذا كان سن الضحية يقل عن ثمان عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة.
الجاني في قضية الطفل عدنان لم يتوقف عند الاختطاف والاغتصاب بل تعدى ذلك إلى القتل، وبعدها أرسل رسالة نصية إلى أب الضحية لطلب الفدية كما صرح بذلك مقربو الضحية، في هذه الحالة فإن العقوبة هي المؤبد كما جاء في الفصل 473 من القانون الجنائي المغربي:” إذا أخذ الجاني من الشخص الذي كان القاصر تحت سلطته أو تحت إشرافه فدية مالية، أو كان غرضه أن يحصل على هذه الفدية، كانت عقوبته السجن المؤبد، مهما تكن سن القاصر المجني عليه. ومع ذلك، فإنه إذا عثر على القاصر حيا قبل صدور الحكم بالمؤاخذة، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة”.
تختلف القوانين عما يطالب به المجتمع المدني والنشطاء، فقد انقسموا بين مطالب بالإعدام، ومطالب الإخصاء في حق الجاني كنوع من القصاص، في حال إذا لم يتم تطبيق عقوبة الإعدام.
في هذا الإطار يقول المحامي بهيئة بني ملال الأستاذ عثمان العرباوي في تصريح لجريدة “بناصا”:” تتبع الشعب المغربي أطوار قضية الطفل عدنان التي بدأت بالغياب أو التغيب لكن للأسف خاب الأمل وصار الجرح عميقا، هذا الجرح الذي لحق كافة الوطن وليس أسرة الفقيد فقط”. مضيفا بأن هذا الجرم يثبث أننا في أزمة أخلاقية، لذلك فكلما توسعت أزمة الأخلاق لابد من تضييق دائرة القوانين لتتمكن من الحد من انتشار الجرم، وتحرص على تأديب المجرمين من خلال قوانين زجرية”. في نفس السياق أبدى الأستاذ العرباوي ألمه وأسفه عن ما وقع لهذا الطفل البريء.
وفي سؤال عن السيناريوهات المرتقبة حول عقوبة الجاني، يجيب المتحدث ذاته بأن “الملف لا زال مفتوحا على جميع السيناريوهات، كما أنه لا زال قيد التحري والبحث لدى الضابطة القضائية”، مضيفا بأن “الحكم الذي سيتم إصداره متعلق بالمعطيات التي تحكم الجاني يعني هل هو فعلا جاني أم شريك، علما أن المعطيات المتوفرة تقول بأن الجاني كان مكتريا بالحي رفقة أشخاص آخرين وبالتالي يطرح السؤال حول علم الشركاء بالجريمة. وأيضا حول هاتف الجاني هل أجريت عليه تحريات تمكن من إجلاء حقيقة وجود متسترين عن الجرم”.
وجوابا عن إمكانية تنفيذ عقوبة الإعدام يقول المحامي العرباوي:” عقوبة الإعدام صارت مطلبا اجتماعيا، وهي عقوبة نص عليها القانون لكن شتان بين ما بين التنصيص والتطبيق. بما معناه أن الردع موجود لكن يبقى إشكال التنفيذ وما يزيد الأمر استشكالا هو توغل كل ما هو سياسي فيما هو قضائي وتعليمي ورياضي واجتماعي”.
وأكد المتحدث نفسه “بأن المطالبة بالإعدام هي حل وقتي لأن المقاربة الزجرية ليست الحل وإنما هي ضمادة جراح آنية “، مشددا على أن الحل هو” الإرادة من طرف الأطياف السياسية في مراكز القرار كل من موقعه، بهدف تطوير المنظمة التعليمية والصحية والاجتماعية واجتثاث الفساد بغية الوصول إلى مواطن بكل صفات المواطنة. وبالتالي التمكن من سن قوانين تتماشى مع كرامة الإنسان والمواطن، وتساهم في الحد من انتشار الجريمة. ليس بالشكل النهائي وإنما حتى إذا كانت هناك جرائم فلن تكون بهذه الوحشية”.
وأشار الأستاذ العرباوي إلى أنه من مؤيدي تطبيق عقوبة الإعدام في هذه القضية ” إذا ثبث فعلا ارتكابه للفعل الجرمي بما لا يدع مجالا للشك بالاعتماد على الخبرة ” وزاد قائلا :” إن الطفل عدنان ما هو إلا واحد من القائمة للأسف، الأمر الذي يدفعنا لتأمل مقولة سيزار والتأكد من صحتها :’ المجرم حينما يقدم على ارتكاب الجريمة يوازن بين أمرين، بين لذة الجريمة وألم العقوبة، فإذا وجد أن ألم العقوبة يفوق لذة الجريمة فإنه يتراجع عن ذلك”.
يضيف المتحدث ذاته في السياق نفسه “بأن انخراط وزارة العدل في اتفاقية دولية أدى إلى تجميد عقوبة الإعدام، لكن هناك استثناء وهو التكرار تكرار هذه الجرائم، لذلك وبهدف عودة الأمور إلى نصابها مجراها الطبيعي لابد من الردع الخاص والعام وذلك بهدف إحساس الناس بالعدالة”.
وبالحديث عن العدالة فإنه يؤكد على أن “هذه الجرائم لا تمس فقط على عائلة الجاني وإنما الوطن كافة، لأن هناك إحساس بالخوف والظلم واللا عدالة. وفي نفس السياق أستحضر تصريح أب الضحية الذي أحس بالعدالة بعد أن رآى تعاطف فئة عريضة تتضمن تعزية المسؤولين، وبالتالي فإن الإحساس بالعدالة هو شيء مهم يخفف من وطأة الفعل”.
وختم قائلا:” لدينا ثقة كبيرة في القضاء المغربي لأنه لدينا القدرة على الضرب على أيديهم إذا ثبث ما يوجب على النطق بعقوبة الإعدام”. مضيفا “أملنا في تغيير المنظومة القانونية وأملنا الأكبر في وجود إرادة حقيقية لدى كل الفاعلين وخاصة المسؤولين على مساطر التنفيذ”.
تعليقات الزوار ( 0 )