بناصا ـ الأناضول
بنحو 50 عاما حاكما، انسدل ستار الحياة في صمت على أقدم حاكم بالشرق الأوسط، تاركا خلفه عرشا بلا وريث، وسياسية خارجية عرفت بالحياد، وداخلية هادئة عرفت استقرارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، دون معارضة.
هو قابوس بن سعيد بن تيمور البورسعيدي، سلطان سلطنة عمان، ورئيس مجلس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة بتلك البلاد التي عرفت بالهدوء بين بلاد عربية يعلو صوتها بالأزمات، وكذلك الثورات، الذي رحل عن عمر يقترب من 80 عاما.
بطاقته الشخصية، التي صدرت عام 2004، تحمل الرقم المدنى 1، ومكان ميلاد بمدينة صلالة بتاريخ 18 نوفمبر/ تشرين ثان 1940، وكان يفترض أن تنتهي صلاحية البطاقة في 31 ديسمبر/ كانون أول 2099.
ويعد السلطان الثامن المنحدر رأسا من المؤسس الأول للدولة البوسعيدية (الإمام أحمد بن سعيد ) عام 1741 م ووصل السلطة بعد ان كان الابن الوحيد للسلطان سعيد بن تيمور، وتعد الأسرة من أقدم الأسر العربية الحاكمة بصورة متواصلة في عالمنا العربي، حيث انقضت أكثر من 278 عاما على توليها زمام الحكم في البلاد، وفق الموقع الإلكتروني الرسمي للسلطان.
ووفق المصدر ذاته، درس قابوس المرحلة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة، وفي سبتمبر/أيلول 1958م أرسله والده السلطان سعيد بن تيمور إلى انجلترا حيث واصل تعليمه لمدة عامين في مؤسسة تعليمية خاصة (سافوك).
وفى عام 1960م التحق بالأكاديمية العسكرية الملكية (ساند هيرست) كضابط مرشح، حيث أمضى فيهـا عـامين درس خـلالها العلوم العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان، ثم انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية العاملة آنذاك في ألمانيا الغربية حيث أمضى ستة أشهر كمتدرب في فن القيادة العسكرية.
بعدها عاد إلى بريطانيا حيث درس لمدة عام في مجال نظم الحكم المحلي، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة. ثم فقام بجولة حول العالم استغرقت ثلاثة أشهر، عاد بعدها إلى البلاد عام 1964م حيث أقام في مدينة صلالة يتعمق في دراسة الدين والحضارة والتاريخ.
وتسلم السلطان قابوس بن سعيد مقاليد عرش سلطنة عمان في 23 يوليو/ يوليو 1970، خلفا لوالده، الذي تقول تقارير إنه تنازل عن الحكم لنجله الوحيد، وروايات تقول إنه أطاح به.
وهواياته وفق ما يقول ركوب الخيل، والرماية، والمشي، هناك هوايات والتصوير، والرسم للمناظر الطبيعية، والقراءة وعلم الفلك ومراقبة الكواكب، حيث يملك مرصداً صغيرا، بجانب لعبة التنس، وألعابب القوى”، وفق المصدر ذاته.
“سويسرا الخليج”
وصفت تقارير عدة، السلطنة في عهد قابوس بأنها أشبه في هدوئها الداخلي والخارجي، سويسرا، حتى باتت تعرف بسويسرا الشرق أو الخليج.
**السياسة الخارجية
لعبت سلطان عمان في عهد السلطان في دور المحايد بشكل دفع لقيادة وساطة بين القوى الغربية وطهران حليف مسقط، واستضافت مشاورات إيرانية – أمريكية، بخلاف دور في ملف الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية عقب استقبال قابوس رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتيناهو، في مسقط نهاية شهر أكتوبر/ تشرين أول 2018،، في ثاني زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مسقط، منذ أن زارها عام 1994 الراحل إسحاق رابين.
وفي مؤتمر دولي عقب الزيارة بيوم، قال وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي، إن “الزمن أصبح مناسبا للتفكير بجدية في التخلص من المشكلات التي لا تسمح لدول المنطقة بالتطور الذي تستحقه”، وإن بلاده “تساعد على تقارب الطرفين” الإسرائيلي والفلسطيني.
كما كان السلطان قابوس بن سعيد، من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ولعبت بلاده دور الحياد في ملف الأزمة الخليجية التي اندلعت صيف 2017.
وتقول تقارير إن السلطنة في عهد قابوس كانت قوة ناعمة خليجة حيث تركز على شئونها الداخلية، ولم يسجل تاريخها حالة واحدة لمحاولات عمان التدخل فى شئون الدول الأخرى أو دول الجوار، حيث ترتبط بحدود مشتركة مع كل من اليمن والسعودية والإمارات.
**السياسة الداخلية
مشاريع عدة نفذت في عهد قابوس منذ توليه مقاليد الحكم، على مستوى المشافي والمدارس، وإنشاء أول أوبرا في الخليج، وحتى مع وصول الربيع العربي، ظهر احتجاج في محافظة ظفار للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية
وتحدث السلطان قابوس آنذاك، مع مجلسيه الاستشاريين -مجلس الدولة ومجلس الشورى- وهما كيانان شبه برلمانيين لهما صلاحيات تشريعية محدودة.
وتم احتواء هذا المطلب بوعود بتوفير وظائف وزيادة المعاشات والرواتب، تم ترجمتها فيما بعد بأمور أبرزها رفع الحد الأدنى لأجور المواطنين العمانيين العاملين بالقطاع الخاص، وتوفير 50 ألف فرصة عمل للعاطلين، وإقالة وزيرين من حكومته وتشكيل حكومة جديدة، وسط تغييرات جعلت من مسقط مستقرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
** المرض والوريث
ما ظهر المرض واختفى السلطان قليلا حتى ظهر الحديث عن وريثه، إذ بات الاختفاء عن الإعلام والمرض ثنائية عندما تذكر يحل معها الحديث عن من يتقلد مقاليد الحكم، إذ على خلاف نظرائه من حكام منطقة الخليج العربي، فإن السلطان قابوس لم يسمِّ وريثًا للعرش، ولا ولي للعهد، وليس له أبناء ولا أشقاء.
وكان سلطان عمان غادر بلاده يوم 13 فبراير/ شباط 2016 لإجراء “فحوصات طبية دورية” في ألمانيا، بعد أقل من عام على عودته منها بعد رحلة علاجية استمرت 8 شهور، من مرض لم يتم الإعلان عنه.
وعاد سلطان عُمان إلى بلاده، في 12 أبريل/نيسان 2016، وأصدر ديوان البلاط السلطاني بيانًا آنذاك جاء فيه، أن “سلطان البلاد عاد إلى أرض الوطن بعد إتمام الفحوصات الطبية الدورية في ألمانيا، والتي تكللت بفضل الله بالنتائج الجيدة المرجوة”، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
وهو ما دعا وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، في تصريحات له 13 أكتوبر/ تشرين أول 2016 أن السلطان “بصحة طيبة”، وبين أن أمور خلافته “مرتبة بشكل واضح”.
وأعلن الديوان مغادرته للبلاد في 7 ديسمبر/ كانون أول 2019، ضمن رحلة علاجية وفحوصات طبية في بلجيكا، قبل أن يعلن عودة في 13 ديسمبر أي بعد نحو أسبوع، ومعها تجددت مخاوف بشأن صحته.
وتنص المادة 6 من النظام الأسياسي للدولة “يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تـنتـقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة”.
كما تنص المادة 8 على “تستمر الحكومة في تسيير أعمالها كالمعتاد حتى يتم اختيار السلطان ويقوم بممارسة صلاحياته”.
للسلطان قابوس عدد من أبناء الأعمام في الأسرة المالكة يشغلون قيادات حكومية عليا بالبلاد يمكن لأي واحد منهم أن يلي العرش من بعده ويكون ذلك بانتخابه من مجلس الأسرة الحاكمة، كما نصت على ذلك بنود الكتاب الأبيض المختص بشؤون الحكم والمُلك والإدارة للبلاد.
ومن أبرز أسماء الأسرة الحاكمة الذي لا يعرف عددا لها بشكل رسمي، أسعد بن طارق آل سعيد خريج أكاديمية ساند هيرست وقاد القوات المسلحة العمانية لعدة سنوات ويشغل الآن منصب الممثل الشخصي للسلطان قابوس.
**الجوائز
حصل السلطان قابوس على عدد من الجوائز أبرزها السلام الدولية، وسام جلالة الملك عبد العزيز آل سعود – عام 1971م، إستحقاق الجمهورية الإيطالية – عام 1974م، قلادة النيل العظمى المصرية- عام 1976م، وسام جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي – عام 2004م، وسام أسد هولندا – عام 2012م، وسام الإستقلال القطري.
** رحيل وحداد
أعلن الديوان السلطاني، وفاة قابوس بن سعيد، فجر السبت 11 يناير/ كانون ثان الجاري، مشيرا إلى إعلان الحداد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص لمدة 3 أيام وتنكيس الأعلام 40 يوما.
تعليقات الزوار ( 0 )