Share
  • Link copied

الزيارات المغاربية المتزامنة للسعودية: الأسرار، والخلفيات، والأبعاد؟!

فجأة تتحول العربية السعودية إلى مزار لحج سياسي ديبلوماسي لقادة وملوك الدول المغاربية، حيث حل أولا الرئيس الموريتاني ولد الغزواني ثم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ويرتقب زيارة ملك المغرب، وتواجد من ذي قبل مستشاره الأمني ووزير خارجية المغرب.

فهل هذا “الحج الديبلوماسي” المغاربي رفيع المستوى، من قبيل الصدفة المجردة المحضة؟ أم أنه مرتب له ومعد له سلفا؟، وأن العربية السعودية تدفع باتجاه مبادرة صلح مغاربية؟ أو أن المملكة في حاجة إلى هذا النوافذ غداة الصعوبات التي لقيتها في السنوات الأخيرة، بعد عاصفة الحزم، والأزمة مع قطر؟

هي أسئلة عريضة، تحتاج إلى تحليل رصين، فبين توقيع موريتانيا لاتفاقيات تعاون اقتصادية مع السعودية. توجد حاجة الجزائر للعب دور في الملف الليبي، وفي الوقت نفسه تسعى إلى ضمان إنجاح القمة العربية التي تستضيفها، وقيادتها في حاجة ماسة لهذا الإشعاع في ظل استمرار الحراك الجزائري.

وبين الحاجة الموريتانية والغاية الجزائرية تحضر أهداف المغرب لصد ومنع حضور البوليساريو في القمة العربية الإفريقية الخامسة التي كان محددا لها يوم 16 مارس، وتم تأجيلها إلى موعد لم يتم التفاهم عنه بعد. فهل هذه الجزئية وحدها كفيلة بتعليل وتبرير ثقل الحضور المغربي نحو السعودية؟.

يقال عادة إن الصدفة لا تصنع الحدث، ومع وقوع الحدث الذي أصبح حقيقة، فلا شك أن سرا يسكن استقبال العربية السعودية لهذه الزيارات المغاربية المتزامنة، صحيح أن الرياض تسعى جاهدة إلى تسجيل عودة قوية إلى الساحة العربية، والظهور بمظهر المهتم بالشأن العربي ولو في أقصى غربه، وبالوضع الاقليمي المغاربي.

وبيد أن كل هذا لا يفسر لغز وسر هذا الحدث الكبير مالم يكن مقرونا بفعل مادي في شكل مبادرة محكمة الاعداد تقدمها للأطراف المغاربية التي تحضر عندها. فهل أعدت السعودية مبادرة تهم الشأن والوضع الاقليمي المغاربي؟.

قد لا أظن ذلك! بيد أن تحويل ليبيا إلى محل اهتمام ومجال صراع وتدخل اقليمي ودولي، وتهميش الدور العربي في قمة برلين؟ فرض وحتم على الدول المغاربية والعربية وعلى رأسها السعودية القيام بردة فعل تعطي الإشارة برفض ذلك الإقصاء، لأن الشأن والمجال عربي مغاربي. وتفهم السعودية أن ذلك لن يتأتى إلا بضمان تفاهمات بين الدول المغاربية وخاصة المغرب والجزائر.

هذا التفاهم؛ أمر عصي بالنظر إلى وجود تنافس بين المغرب والجزائر قد يتحول إلى صراع في أية لحظة، فالمغرب بذل مجهودات في سبيل ايجاد الحل في ليبيا على قاعدة اتفاق الصخيرات بينما الجزائر تريد اتفاقا خارج الحضور المغربي. وأن جمع المتناقضات ممكن أن تقوم به السعودية، لتضمن في الوقت ذاته عائدا سياسيا يكفل حضورها في الملف، لأن توافق المغرب والجزائر يعزز فرص وإمكانيات اجتماع فرقاء ليبيا من أجل الحل، وهو الاحتمال الذي يقطع الطريق على باقي المتدخلين الإقليميين والدوليين.

فالسعودية تحاول لملمة وجمع قوة الإرادتين المغاربية بحضورها وتحت مظلتها، وهو احتمال ممكن بالنظر إلى تداعيات الحالة الليبية التي قد يكتوي بها الجميع؟ فهل سيتم هذا المشروع المفترض والمبادرة المحتملة في إطار مبادرة تجمع الثلاثي السعودية والمغرب والجزائر، على أساس تعاون الثاني والثالث على هذا المستوى فقط وترك باقي الملفات؟ أم قد يمتد ليشمل ويتناول كل الملفات بما فيه ملف الصحراء؟.

بين حاجة الدول المغاربية إلى مبادرة لرأب الصدع ولم الشرخ وتقريب وجهات النظر المتباينة والمتناقضة، تجد السعودية نفسها في حاجة ماسة لهذا الحدث بفعل مجموعة من الأحداث المتسارعة والتي مست بسمعتها وقوتها وتحتاج إلى مبادرات ترمم بها هذا التصدع.

من جهة، فعاصفة الحزم لم تحقق أي من الأهداف المرسومة، كما انفض من حولها التحالف العسكري العربي الإسلامي، وبقي رهان السعودية في اليمن منصب على حل تفاوضي فقط، وهي في حاجة إلى رص الصف المغاربي لاسترجاع الريادة العربية بتحالف مغربي كقوة اقليمية مغاربية لا محيد عنها. ويعزز من هذه الفرضية ومن حاجة السعودية إلى تحالف جديد وبديل كون التحالف القائم بينها وبين الإمارات تضررت منه كثيرا في مقابل استفادة الإمارات وحيدة منه.

أما على المستوى الاقتصادي في علاقة بإفريقيا. فإن المغرب أصبح وبشهادة الدول العظمى والصاعدة مفتاح الاستثمار في إفريقيا، بعد الخبرة والمعرفة التي راكمها، وهي ثمرة سياسته الجديدة في إفريقيا، بإشراف وقيادة مباشرة وميدانية لملك محمد السادس. هذا دون نسيان حفاظ المغرب على التوازن في علاقاته مع جميع دول الخليج التي أغضب السعودية نفسها، الأمر الذي يؤهله الآن للعب دور في المصالحة السعودية الإماراتية والقطرية.

وإلى أن تتضح الأمور جليا، فإن الظاهر أن حاجات متكاملة ومتطابقة بين الدول المغاربية والسعودية قائمة. فالأولى في حاجة لقوة تفك عنهم عقدة الجفاء وانعدام الثقة، والثانية السعودية أكثر منهما حاجة للعودة بدور ولاسترجاع الريادة العربية الإسلامية بتحالف مع قوى مغاربية وخاصة حليفها الاستراتيجي المغرب. ولكل امرئ ما نوى.

محامي بمكناس – خبير في القانون الدولي، ومحلل سياسي

Share
  • Link copied
المقال التالي