تشهد دول منطقة الساحل جملة من التحديات الكبرى، نظير الصراع الإثني والإتجار بالمخدّرات والبشر والإرهاب، سببها الحوكمة الرديئة والنمو السكّاني السريع والإتجار بالموارد والانقلابات العسكرية وتهميش الشباب. وتمثّل الأزمة في مالي نموذجاً مصغّراً عن مشاكل تلك المنطقة.
ونصب إرهابيو تنظيم “داعش” كمينا لقوات عسكرية من جيش مالي، قرب بلدة ميناكا بشمال شرقي البلاد، أول يوم أمس (الخميس)، كانت في طريقها إلى النيجر، حيث إن غياب الاستقرار في المنطقة أصبح يهدد مصالح المغرب، لاسيما أن منطقة الساحل تعتبر نقطة تفاعل بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، وتجري فيها تبادلات بشرية ومالية ودينية متعدّدة الأوجه.
وفي هذا السياق، يرى محمد الروين، المحلل سياسي والباحث في جامعة مدريد المستقلة، أن ما سلف ذكره من أحداث يجب وضعه في سياقين مختلفين، سياق عام وآخر خاص، الأول يتعلق بالتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، والثاني، بتعطل مسلسل التحول الديمقراطي في دول الساحل الافريقية وفشل مخططات التنمية.
السياق العام:
واعتبر الروين في تصريح خصّ به جريدة “بناصا” الإلكترونية، أن “التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب يخضع لتوازنات دولية، وتنافس بين مراكز القرار العالمي على دول منطقة الساحل. وهذا واضح من خلال تزايد الحضور الروسي وانخراطه الغير المباشر والدعم المعنوي للحالة الثورية في بوركينافاسو ومالي من جهة. والقواعد العسكرية الامريكية الموجودة في المنطقة من جهة ثانية”.
كما أن دول منطقة الساحل تحتضن كل شروط تفريخ الجريمة الارهابية والجريمة السياسية، أحيانا كثيرة يكون ذلك بدعم من هذا الطرف أو ذاك أو ربما من دول بعينها. كما هو الحال في مالي وبوركينافاسو البلد الغني باليورانيوم الذي تنهبه فرنسا والذي حولها للقوة النووية الأولى في أوربا.
وأضاف، أن “فرنسا التي تدعم أي جهة تحمي مصالحها حتى وأن كانت محسوبة على التنظيمات الارهابية لها ارتباطات خارج إفريقيا، أو جماعات إرهابية عابرة للقارات ، حيت منها من تتوفر على مطارات خاصة (مالي مثلا) تستقبل المخدرات من دول أمريكا الاتينية لتعبر إلى أوربا من خلال المياه البحرية لدول شمال إفريقيا ومنها المغرب. وهناك بحوث علمية وميدانية مهمة في هذا الموضوع”.
السياق الخاص:
ويرى محمد الروين، أن “تعطل مسلسل التحول الديمقراطي في دول الساحل الافريقية وفشل مخططات التنمية، وتوفير بيئة طاردة للأفارقة نحو دول أوربا، وتشجيع الهجرة غير النظامية، إلى جانب ظهور الإرهاب المدعوم من طرف جهات ودول لخدمة أجندات ومصالح غير إفريقية، جاء في ظل حالة من الاستقرار آخرها انقلاب النيجر وقبله بوركينافاسو”.
وأوضح، أن “المغرب من جهته منخرط في الحرب الكونية ضد الإرهاب، وله مصالح قوية تجارية واقتصادية مع الدول الافريقية. لذلك فهو حريص على الاستقرار بهذه المنطقة ويوظف مجموعة من ألاوراق (الدبلوماسية الدينية والروحية والاقتصادية التنموية..) خدمة للسلم العالمي”.
وفي هذا السياق، يردف: “يمكن القول إن معبر الكركارات يشتغل في انسيابية. لكن إن توسع الصراع وتوسعت أنشطة التنظيمات الارهابية، قد تصبح مصالح المغرب مهددة في منطقة دول الصحراء الكبرى. لذلك فالآلة الدبلوماسية الدولية و الافريقية اليوم تشتغل من أجل عودة الوضع الدستوري، خصوصا بالنيجر في ظل احتمال التدخل العسكري من طرف دول مجموعة سيداو”.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن “الرباط تربطها علاقات جيدة مع دول الجوار الافريقي، وبإمكانها أن تلعب أدوار مهمة لتقريب وجهات النظر بين أطراف العملية السياسية لتسهيل عملية مواجهة الجماعات الإرهابية التي أصبحت لها قدرات وإمكانات قد تنافس الدول بإفريقيا أحيانا. وأن المشكلة الإرهابية بإفريقيا تحتاج لدراسات وبحوث علمية”.
وخلص محمد الروين، إلى أن “المقاربات العسكرية الأمنية لا تكفي لوحدها، وأن الموضوع تحكمه أبعاد سياسية كثيرة مرتبطة بطبيعة النظام الدولي والتطورات النيوليبرالية في شقها الاقتصادي المرتبط بمصالح دول ومراكز قرار بعيدة عن الأجندة الافريقية”.
تعليقات الزوار ( 0 )