Share
  • Link copied

الروداني: الجائحة نقطة تحول بالنسبة للمغرب لتطوير استقلالية استراتيجية شاملة‎

أدخل انتشار جائحة “كورونا” دول العالم في مفترق طرق، صعب عليها المزاوجة ما بين مواجهة انتشاره السريع والعمل على الحد من تداعياته، وما بين إعداد تصورات ومخططات لمرحلة ما بعد الجائحة.

الأزمة التي جاءت في ظرف يعيش فيه العالم في ظل اقتصاد عالمي مترابط، مبني على سلسلة انتاج وتخزين مترابطة، من المتوقع أن تكون فارقة في تاريخ البشرية، تتجاوز حدتها وتداعياتها أزمة 1929، أو تلك المرتبطة بالحربين العالميتين الأولى والثانية.

المغرب الذي تملَّك في وقت مبكر الجرأة على اتخاذ رزنامة من القرارات والإجراءات الاحترازية بشكل استباقي، شأنه شأن باقي دول العالم، يتطلع استشرافا لمرحلة ما بعد الأزمة، إلى السيناريوهات الممكن تطبيقها بناء على المتغيرات التي تطرأ في كل وقت وحين.

الجائحة . . فرصة من ذهب

الخبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، يرى أن الأزمة التي خلقتها جائحة فيروس “كورونا” تُقدِّم للمغرب فرصة من ذهب لإعادة قراءة مجموعة من الأمور المتعلقة بالتدبير الاقتصادي والاستراتيجي، سواء على المستوى الداخلي أو في علاقة المغرب بالخارج، ليتموقع بشكل أفضل في عدد من القطاعات المهمة، مثل النسيج والسياحة، هذه الأخيرة، أشار الروداني، إلى أن المغرب مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى ببناء قطاع سياحي مغاير لما هو عليه اليوم، خاصة وأن الطريقة التي دبر بها المغرب أزمة كورونا، أعطته مكانة كبيرة على المستوى الدولي وهو ما ينبغي استثماره بشكل جيد من خلال تقديم عرض سياحي متجدد ومبتكر يشكل الأمن السياحي للناس عالميا.

كما يمكن تعزيز الصورة النموذجية للمغرب عالميا، يقول الشرقاوي، والتي أكدها من خلال التدبير النموذجي لهذه الجائحة، عن طريق العمل على توفير عرض سياحي خاص يواكب هذه المرحلة ومتطلباتها، وهو ما يمكنه من أن يتموقع عالميا بشكل أفضل في ظرف سنة من انقضاء الجائحة إذا ما اعتمد رؤية تدبيرية أفقية وعمودية للقطاع، إضافة إلى إعادة النظر في بنية استقبال السياح من المطار إلى الفنادق، مرورا بالمطاعم وكل الفضاءات التي يقصدها السائح، وكل المدارات والمراكز السياحية التي تم الاعتماد عليها في الفترة السابقة.

لافتا الانتباه إلى أن الآثار الوخيمة للبعض للجائحة على الدول الكبرى في القطاع مثل فرنسا واسبانيا وإيطاليا والصين وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه البلدان هي من ستعاني من الضغط السلبي للقطاع السياحي، خاصة مع حجم الإصابات المسجلة بهذه الدول، وأيضا نظرا لتذبذب السياسيات المحلية في التعاطي مع الجائحة وظهور ثغرات في منظوماتها الصحية.

ما بعد كورونا . . تعثر أم انطلاقة؟

وفي الوقت الذي يجمع فيه عدد من المتتبعين على صعوبة الوضع العام في عز الازمة، وكيف سيؤثر ذلك على المنظومة التنموية بمختلف روادها الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها، لم يخفي الخبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية تفاؤله بخصوص الوضع المغربي لما بعد “كورونا”.

ففي تصريح خـص به موقع “بناصا” الاخباري، أكد الأستاذ الجامعي أنه في إطار سياسة رفع الحجر الصحي التدريجي، من الضروري التوفر على سياسة استباقية براغماتية ومتدرجة، تعتمد على “تشجيع الصناعة المغربية الخالصة، Made In Morroco، من خلال تحويل إنتاج بعض المعامل والشركات لما يدعم الطلب الداخلي والعرض الوطني، لتشجيع وتقوية الاستهلاك الداخلي، وهو ما يتطلب وضع تصور متكامل للإنتاج الاستراتيجي المغربي، بغية تحقيق هدف الاستقلالية الاستراتيجية في إنتاج المواد المغربية.

وبعكس ما ذهبت إليه المكونات البرلمانية أغلبية ومعارضة بخصوص التفويض للحكومة الاستدانة الخارجية لتوفير العملة الصعبة، أكد الشرقاوي أنه لا يشجع على الاقتراض أكثر تحت ذريعة توفير العملة الصعبة، لأن المغرب، شأنه شأن مجموعة من الدول الناشئة اقتصاديا والتي ليست لها مدخرات من العملة الصعبة، الفرصة للاستفادة من حقوق السحب الخاص بصندوق النقد الدولي، وهو أصل احتياطي دولي أنشأه صندوق النقد الدولي لتكملة الاحتياطيات الأجنبية الرسمية للدول الأعضاء فيه. هذه الالية ستمكنه من التوفر من الاحتياطي الكافي من العملة الصعبة خلال السنتين المقبلتين، شريطة أن تكون العملة المغربية قادرة على امتصاص الصدمة، لافتا الانتباه إلى عدم السقوط في فخ طباعة العملة محليا كما تفعل الجزائر وبعض الدول الإفريقية.

وبفضل الانخفاض الكبير في أثمنة البترول في السوق الدولية، استطاع المغرب توفير حوالي 20 مليار درهم، والتي يمكن تحويلها لتطوير العرض السياحي ومواكبة بعض القطاعات الإنتاجية المتضررة، ليساهم في وضع أسس نموذج متفرد لقطاع السياحة، يؤكد به الصورة المرسومة لدى العالم، كون المغرب الذي نجح في وضع خطة استباقية وفعالة لمواجهة “كورونا” هو المكان الأكثر أمانا لزيارته والاستمتاع بالسياحة فيه.

اتفاقيات التبادل التجاري منتهية الصلاحية

يقول الشرقاوي الروداني إن “المنظومة العالمية على مستوى تدبير السلع وسلسلة الإنتاج تعرف خللا بَيِّنا، خصوصا وأن الإنتاج العالمي مترادف، ذلك أن ما يُنتج بعضه في المغرب، يصنع جزؤه الآخر في اسبانيا ويستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى التطور الكبير في المنظومة الاقتصادية العالمية بسبب وجود شرخ كبير في ما يسمى بشبكات الإنتاج الدولي، وهو ما يصطلح عليه بالإنتاج الشبكي”،

وشدد المتحدث نفسه على أنه وفي ظل هذه “المتغيرات العالمية، يجد المغرب نفسه امام فرصة غير مسبوقة لمراجعة جميع الاتفاقيات التجارية التي سبق أن أبرمها مع مختلف الدول والتجمعات الاقتصادية، والتفاوض أكثر قصد التخفيف من العجز الحاصل في الميزان التجاري ولم لا جعله يحقق فائضا، سواء مع تركيا، فرنسا، الصين أو حتى أمريكا، إضافة إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي لتحقيق مكتسبات على مستوى اتفاقية التبادل الحر، ومن وضعه المتقدم والرائد افريقيا، وايضا من علاقاته الثلاثية الابعاد، سواء مع الصين، روسيا أو أمريكا”. مضيفا بالقول أنه آن “الأوان لمراجعة كل هذا، على أساس إعطاء دفعة قوية للإنتاج الاستراتيجي المغربي”.

ودعا الروداني إلى وضع تصور استراتيجي يتعلق بالاستهلاك، لأنه “أصبح من غير المقبول أن يستورد المغرب بالعملة الصعبة منتجات ثانوية وغير أساسية مثل السيارات والعطور، واليوم ينبغي تعويض هذا الخصاص بالاستهلاك الداخلي في حدود الثلاث سنوات المقبلة”.

وبالرغم من دوام الاضطرار إلى استيراد مجموعة من المنتجات الأساسية من أدوية وغيرها، إلا أن الخبير الاستراتيجي أكد على أن تعزيز الاستهلاك الداخلي يتم عبر “إعطاء قيمة أكبر للمنتوج المغربي الذي على مختلف المتدخلين في دورة الإنتاج العمل على تنويعه وتطويره، خصوصا وأن لدينا كفاءات عالية وطنيا ودوليا في مجالات الصحة والأدوية وغيرها”.

وأوضح أن “الجائحة أفرزت -العبقري المغربي-، الذي لم يسبق، مع كامل الأسف، الاستفادة منه وتوظيفه بالشكل الأنسب في سلسلة البحث والابتكار والإنتاج، واليوم علينا الانتباه إليه، وإيقاظ الذكاء الجماعي المغربي”. مسترسلا بالقول: “اليوم نحن أمام مغاربة يصنعون طائرات مسيرة عن بعد، وأجهزة التنفس الاصطناعي التي تكلف حوالي 10 ملايين أورو. وإيلاء العناية بمراكز الصناعة المغربية، خصوصا تلك المتعلقة بمحالات النسيج والصناعة الغذائية وصناعة السيارات والصناعة الدوائية “.

العلاقات الدولية.. أبواب مشرعة وتحديات جمّة

وفي إطار تجميع الرؤى وبلورة التصورات ذات الارتباط بمكانة المغرب دوليا، أكد ذات المتحدث أن “مخلفات جائحة كورونا وطريقة تدبير المغرب لهذه الأزمة تجعل منه أكثر حضورا وقوة على مستوى السياسة الدولية، خصوصا اتجاه القارة الافريقية، في استحضار للمبادرة الملكية للتعاطي مع الجائحة وفق مقاربة افريقية-افريقية، وهو ما قد يتطور إلى وضع هذه المبادرة من خلال استراتيجية  مغربية من داخل الاتحاد الافريقي كآلية جديدة لتدبير الأوبئة داخل القارة، سواء من خلال كبح الأوبئة أو تدبير الأزمات المرتبطة بها، وهنا يمكن إدخال منظمة الصحة العالمية كشريك أساسي في هذا المسار”.

وبخصوص تداعيات الأزمة على المستقبل القريب والمتوسط، يرى الأستاذ الشرقاوي الروداني أن أي منظور أو فعل سياسي في إطار تدبير الأزمة سيكون له تداعيات سياسية داخل المعادلة الجيو استراتيجية، وهو ما سيجعل من المغرب رائدا على مستوى القارة الافريقية في إبداع الحلول الناجعة لمواجهة الأوبئة والحد من انتشارها، خصوصا وأن العالم سيعيش تداعيات هذه الجائحة على امتداد العشر أو عشرين سنة المقبلة.

ومن المهم، يضيف الأستاذ الروداني، أن نجد دولا عديدة مثل فرنسا، إسبانيا وإيطاليا وغيرها، يشيد قادتها السياسيون بمكانة المغرب ومقاربة جلالة الملك محمد السادس في التدبير الشمولي لهذه الأزمة. نجاعة هذا التخطيط الاستراتيجي من خلال محاربة نموذجية لهذا الوباء على المستوى الوطني والرؤية الاستباقية لاستشراف حلول مشتركة على المستوى القاري يظهر التموقع الجديد في الخريطة الجيوسياسية للتأثيرات الوباء. على المستوى الأمني”.

وأضاف المتحدث نفسه “هذا الوباء أماط اللثام على معطيات استراتيجية للأمن الصحي للمجموعة من البلدان وهشاشة تفاعلها الفعال مع الأوبئة. في هذا الصدد، هذه الجائحة ابانت على ارتباط الولايات المتحدة الامريكية بالصناعة الدوائية الصينية حيث أن 90 في المائة من المضادات الحيوية التي يستهلكه الأمريكي مرتبط بالصين.

وتابع الروداني “هذا ما يجعل الاستقلالية الاستراتيجية للمجموعة من البلدان تبقى نسبية وتأثيراتها تتجاوز التبادل التجاري إلى معادلات جيواستراتيجية. كما أن هذا الوباء فرض أمرا واقعا عرى خلفيات تخص العالم الأمني والاستخباراتي خاصة إذا ما اعتبرنا أن الهشاشة الصحية وقدرة انتشار وباء يعتبر إلى أمس قريب تجارب تحاكيها فقط معادلات رياضية داخل مختبرات تابعة لأجهزة والمؤسسات الأمنية للدول عظمى”. 

وبالتالي، يضيف الشرقاوي الروداني، أن هذا الوباء فرض دروسه على مجموعة من الدول خاصة الفاعلة في السياسات الدولية، وهي أن تطلب المساعدة بسرعة من أي كان يستطيع توفيرها وإلا فإنها ستخاطر بخسارة حياة شعوبها. وهذا ما يحد من القوة الاستراتيجية ومحدداتها الثابتة للمجموعة من الدول.

Share
  • Link copied
المقال التالي