حين يقال في بعض الخطابات أو المقالات: “الربيع العربي ما له وما عليه”، يقصدون الموازنة بي الكفتين، وإثبات ما للربيع العربي من حسنات فتحسب له وتشكر له، ومن سيئات تنسب إليه وتُـنكَر على أصحابه..
ولكن مهلا؛ “من هو” هذا الربيع العربي حتى يحاسب ويدان، وربما يعاقب ماديا ومعنويا؟
الربيع العربي كان عبارة عن ألوف من الشباب العربي، المظلوم المهضوم، الذين خرجوا إلى الشوارع والساحات، ليقولوا ويكرروا: كفاية، كفاية.. اللهم إن هذا منكر، كفى من الظلم، كفى من النهب، كفى من الاستبداد، نريد شيئا من حقوقنا، نريد كرامتنا، نريد حريتنا.. تماما مثلما يخرج الناس إلى المصلَّيات إذا اشتد عليهم القحط، ليسألوا الله تعالى الغيث، ويأتيهم الإمام ليقول لهم: كفى من المعاصي والمنكرات، كفى من تعطيل الزكوات، وغيرها من الواجبات.. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
الشعوب العربية، وخاصة شبابها، خرجوا لينكروا المنكرات، ويشتكوا من المظالم، لكن بصوت مرتفع، عسى أن يسمعه الذين لا يسمعون..
وربنا عز وجل يقول: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148].
فمن ظُلم مرة واحدة، جاز له أن يرفع صوته بالتظلم، وأن يصف ظالميه بأوصافهم القبيحة، وأن يُغلظ لهم القول في شأن ما هم عليه من غصب ونهب وظلم..
والذين خرجوا أيام الربيع العربي، ورفعوا أصواتهم بالشكوى، لا شك أنهم مظلومون محرومون، ليس لمرة واحدة، أو لعام واحد، وليس لجيل واحد، بل لأجيال متعاقبة. وأخيرا: قاموا يقولون لظالميهم وجلاديهم: كفاية كفاية.. كفوا عنا.. ارحلوا عنا..
فالعجب ليس من كونهم خرجوا ورفعوا أصواتهم، وعبروا عن بعض ما تُـكِـنُّ صدورهم، بل من كونهم استكانوا وسكتوا لهذه الفترات الطويلة، وتحملوا تلك المظالم المتلاطمة اللامحدودة!!
فإلى هنا ينتهي الربيع العربي..
بعد ذلك: هرب من هرب، وتنحى من تنحى، وتولى من تولى.. وقاتل من قاتل، من الرؤساء وبطائنهم..
بعد ذلك بدأت مرحلة ما بعد الربيع العربي..
فجاءنا الجحيم العربي. انتقلنا من ربيع الشعوب وربيع الشباب، إلى جحيم الأنظمة، وجحيم ما سمي بالثورة المضادة: عساكر مصر وأجهزتها، وكتائب القذافي، وشبيحة الأسد، وتدخل إيران وحزب الله وروسيا، والانقلاب السيسي الخليجي، وتسمين الحوثي، وصناعة حفتر، وإبراز سيف الإسلام، وتجنيد الذباب الإلكتورني، وجيوش من المرتزقة عبر العالم..
أما الصهيونية ودهاقنة الغرب، فمن وراء حجاب، وبقفازات ناعمة وكمامات واقية..
وما لا ينتهي عجبي منه هو أن بعض “أهل الكلام”، من الشيوخ والخبراء والمحللين والإسلامولوجيين، يسجلون ويحسبون كل هذه الشرور على الربيع العربي، المظلوم حيا وميتا، بينما هي صادرة من ضده ونقيضه وعدوُّه.
ولكي يَظهروا بمظهر التوازن والإنصاف والموضوعية يقولون عادة: “ما له وما عليه”!!، بينما كل “الذي عليه”، إنما هو على أعدائه..
إذا تقررت لدى العالم فتواه أو كلمة حق لديه، بناء على أدلة الشرع وقواعده، فلا ينبغي له أن يلتفت أو يكترث لمن ستُعجبه ومن ستُغضبه..
تعليقات الزوار ( 0 )