يُحيي المغاربة خلال سنة 2021 الذكرى المئوية لانتصارات أنوال، (الموافقة لشهر يوليوز 1:921)، على الجيش الإسباني، الذي قُدر تعداد مهاجميه على الريف الأوسط بـ 24000 ألف عسكري، مدجج بأحدث الأسلحة ووسائل اللوجستيك الكبرى، مرؤوس بضباط من ذوي الرتب العسكرية العالية، يرأسهم ويقودهم الجنرال سلفِستري (Silvestre )، الصديق المقرب للملك الإسباني الفونسو 13 Alfonso XIII)).
كان الجنرال سلفِستري واثقا من نفسه بسحق من يقف في طريق جيشه، واعدا صديقه الملك أن يشرب الشاي خلال أيام قليلة، في بقايا بيت عبد الكريم الخطابي في أجدير – الحسيمة؛ ولم يكن يدري أنه سيواجه شعبا يتمثل ثقافة “اطلبوا الموت تُهب لكم الحياة”.
ودون التذكير بدور الريفيين، المعروف وطنيا وتاريخيا أنهم قوم لا يرضون أن يكون غيرهم مستوليا على وطنهم؛ وأن الثغريْن أو الجيْبيْن البحريين، سبتة ومليلة، اللذين حدث احتلالهما في القرن الخامس عشر الميلادي. واستمر الاحتلال بعد ذلك، باستيلاء إسبانيا على كل الجزر الصغيرة المحاذية للبر المغربي في البحر الأبيض المتوسط، وكذا الأحجار التابعة لهما؛ بسبب غياب أو انسحاب المغرب من البحر منذ العصر المريني في القرن الرابع عشر الميلادي.
ودون التذكير كذلك بدور الريفيين وقيادتهم للمجاهدين في استرجاع المدن الواقعة على شواطئ المحيط الأطلسي من الاستعمار الإبيري، (البرتغال وإسبانيا)، الذي أشاد به الملك محمد الخامس، كون موالاتهم لخدمة الوطن قديمة، وكان لهم فضل مساهمتهم الفعالة في تحرير طنجة وأزيلا والعرائش والمهدية على المحيط الأطلسي، كما كان لهم أسبقية في مقاومة الاستعمار، ذودا عن الوطن وحمايته من الاستعمار المعاصر، منذ الشريف سيدي محمد أمزيان، ووصولا إلى محمد بن عبد الكريم الخطابي. (خطاب 29- 9 – 1957).
من المعلوم أن المغرب الرسمي المعاصر اضطر، عقب هزيمة تطوان 1859، إلى توقيع اتفاقية (شروط) واد راس في 24 غشت من السنة نفسها، التي رخص فيها المخزن لإسبانيا توسيع حدود جزيرتي النكور وبادس، وحدود مدينة سبتة إلى بنيونش وجرف قبيلة أنجرة، والحدود البرية لمدينة مليلة بمقدار ضربة مدفع. إلاّ أن السكان كان لهم ردة فعل، فاندلعت المقاومة على حدود مدينة مليلة، المشتهرة بـ”حرب سيدي ورياش” سنة 1893.
لكن الغرور الإسباني ازداد عقب التنازل المخزني، المشار إليه، فأخذتهم عزة الاستعمار بالتمدد في تراب الريف، خاصة بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء Algeciras)) سنة 1906. وكان الهدف الأول: احتلال مزيد من الأرض ونهب معادن جبل أُيكسان بناحية الناظور. إلا أن مقاومة الساكنة واجهته بقيادة سيدي محمد الشريف أمزيان؛ أمزيان الذي نصّبه المقاومون رئيسا عليهم لمواجهة العدوان “وأحسن التصرف في مهمته، وقام بواجبه من الإخلاص والصدق فيما يرجع للأمور الحربية”، حسب تعبير محمد بن عبد الكريم الخطابي، (مذكرات لارينيون، ص 56).
قاد الشريف محمد أمزيان، منذ 1909، معارك ومعارك ألحقت هزائم تلو هزائم بالجيش الإسباني، أهمها معركة “خندق أو واد الذئب” أو “إغزر ن ووشّن” بلسان أهل الريف، التي فقدت فيها إسبانيا 1046 قتيلا، منهم عشرات الضباط الكبار، وفي مقدمهم الجنرال بينطوس (Pintos). (إسبانيا والريف… لرشيد يشّوتي، ص 145). وقد خصصت المؤرخة الإسبانية ماريا روسا دي مدارياكا (:María Rosa de Madariaga) بحثا موسعا عن معركة خندق أو واد الذئب، صادر في كتاب 2005. وكانت تلك المعركة بمثابة كابوس أصاب مشاعر الشعب الإسباني في العمق، سجلوها في أهازيجهم وأغانيهم، وفي أشعارهم وقصصهم ورواياتهم، لا تزال تذكرهم بمشاهد المقاومة الشرسة لاستعمار بلدهم للمغرب، ولمشاعر اليأس التي أصابتهم بعد هزائمهم النهائية في كل من كوبا بأمريكا الجنوبية والفلبين في آسيا.
أما المؤرخ حسن الفكيكي فقد تناول مقاومة الشريف أمزيان من وجوهها المختلفة وأبعادها الوطنية. ولذا اختار لأحد كتبه في الموضوع عنوان “الشريف محمد أمزيان، شهيد الوعي الوطني”، مسجلا تضحياته في سبيل الوطن، ومسجلا كذلك أسبقيته في وضع منهجية الحركة الوطنية التحريرية؛ تلك الحركة التي قادها بامتياز، إلى أن استشهد في شهر مايو 1912 برصاصة خادعة أطلقها عليه مجند أهلي في الجيش الإسباني اسمه محمد حسني، حسب ما أشارت إليه جل المصادر والمراجع التاريخية.
وسيبقى الشريف أمزيان رمزا مؤسسا للحركة الوطنية التحريرية الصادقة في المغرب زمن القرن العشرين. ويُسَجل له أنه لم يقبل بأي إغراء بديل عن حرية الوطن ومقدساته وقيمه، والوفاء لتضحيات الآباء والأجداد. ولهذا لا يسعنا إلا أن نقول:
للوطنية رموز وأمجاد
وللتاريخ صناع أنداد
وللريف عنوان وأبعاد
ولأمزيان إكليل الاستشهاد
وبحرية وطنه إيمان واستعداد.
تعد المعارك التي خاضتها حركة التحرير الوطنية بقيادة الشريف أمزيان قدوة ومرجعية لملحمة أنوال بعد ذلك في 1921، التي يحيي المغاربة ذكراها المئوية الأولى هذه السنة، بشعار: ماذا حققنا، خلال مئة عام، وماذا ينتظر أجيال المغرب أن يتحقق في المئوية الثانية؟
ولذا ارتأينا أن نقدم لقرائنا، ولعموم المغاربة والناس جميعا، ملخصات من كتاب “الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي، المبتدأ والخبر”، على جريدة “بناصا” الإلكترونية، وصفحة “مئوية أنوال”. ونأمل أن يطبع الكتاب ويوزع على المكتبات، بعد أن عرف المغرب تجاوزا مهما لعراقيل جائحة كورونا على عودة الحياة الفاعلة لتنطلق من جديد. ونعد القراء بوصول الكتاب، بإذن الله، إلى صفوف المكتبات قبل نهاية الصيف.
ومن أجل تعميم الفائدة لا نرى مانعا من إعادة نشر الحلقات من قبل مختلف الجرائد والمواقع الإلكترونية.
ونستأذن القراء بإلقاء نظرة موجزة عن المقاومة المعاصرة للعدوان التي كانت بمثابة البذرة التي أنبتت ملحمة أنوال وأخواتها.
*أستاذ فلسلفة التاريخ ودبلوماسي سابق
تعليقات الزوار ( 0 )