لا بد ان نمتلك الجرأة لرؤية الحقيقة عارية ونقوم بمراجعات فكرية عميقة وبنقد ذاتي مؤلم لأنفسنا لتجاوز الفشل الملاحق لنا طيلة تاريخ تجاربنا الطويل ،بدل تمجيد الذات المشوب بكثير من البلاهة والغباء المؤدي حتما للهلاك ، وبدلا من إلقاء اللوم على العدو القوي والظروف المتواطئة مع الأقدار ،لابد من تفكيك وحفر الذات لاكتشاف العيوب والاخطاء والقيام بعملية جراحية تحدث قطيعة نهائية مع الاستبداد بنية سليمة بريئة ،وإرادة حازمة وحاسمة قوية تريد الإصلاح والخير للأمة دون هوى او شهوانية أو أغراض شخصية مصلحية نفعية ، على ان يتم القيام بالنهوض والتجاوز انطلاقا من تراثنا وبيئتنا بدل اجترار وتكرار أخطاء الماضي ووقائعه الدموية والمأساوية أو استلهام تجارب الآخرين وبدل النوم في العسل ، وان لا نخبئ رؤوسنا في الرمال مثل النعامة .ونلقي عن كواهلنا عبء السؤال والتجربة.
ان الإشكالية العويصة هي المتمثلة في السؤال التالي وهو هل يمكن الفصل بين الدين والسياسة ،وقد ارتباطا في العقل السياسي العربي والاسلامي تاريخيا ؟!! وهل يمكن الفصل بينهما بالاستبداد والقهر، ؟!! وهل ينهار الدين بفصله عن السياسة والحكم حقا أم أن ذلك ذريعة البعض للوصول إلى السلطة فقط ؟!! أم أن الدين هو فوق السياسة لأن قصده وهدفه هو توحيد الألوهية وإخراج الناس من عبادة الاوثان الى عبادة الله ؟!!
إن الدين أساسي وجوهري في بناء الذات الأنسانية وإحداث التوازن النفسي والروحي وإعطاء المعنى والغاية من الوجود، في علاقة الإنسان بربه ، فهذا مما لا شك فيه.
لكن على المستوى الزمني فإن التمييز بين مجال عمل الدين هو مجال المقدس أما مجال عمل السياسة باعتبارها تدبير الشأن العام ،فهو مجال الدنيوي المرتبط بالمدنس وعالم الواقع والفساد إلا أن هذا التمييز بين المجالين لا يمكن تصور ان يتم إلا بالتنوير ، والعقل والتفكيك ونقد التراث الفقهي والفكري والسياسي نقدا عقلانيا وليس نقدا إرادويا ، متعصبا شوڤينيا تتحكم فيه الأهواء الشخصية وإنما يجب أن يكون نقدا علميا هادئا يراعي الخصوصية المعرفية والثقافية.
إن حرق المراحل بأليات العنف والإقصاء يؤدي الى عملية نكوصية تراجعية للذات فنبدأ حينها من حيث انتهينا ، ونظل ندور في دوائر فارغة ،فنعود الى المكان الذي ارتحلنا منه.
إن حداثة الغرب هي حداتثه الناتجة عن تجربته التاريخية وتورثه الفكرية ،وليست حداثتنا نحن ، فلا بد لنا من اجتراح حداثتنا من بيئتنا الثقافية حتى تسري في ضمير الأمة وتحدث التغيير المنشود في الجموع ، التاريخ يتطور تلقائيا الى الامام، ولا يتوقف وله حتميات، يصعب تغييرها لكي ننجح في تحقيق الدولة العادلة يجب أن يسبق ذلك عصر أنوار ، وليس عصر ظلام وعسكراتية ديكتاتورية ،بمعنى أن النخبة التي تنشد التغيير يجب أن لا تترجى القوة من الظالم والربح بألية العنف والقهر ، فالتغيير يبدأ بواسطة العقل وليس بالبندقية.
تعليقات الزوار ( 0 )