كان سكان أثينا اليونانية من المزارعين والتجار يجتمعون في ساحة الأغورا ففي هذا المكان ظهر أوائل الرجال العقلانيون في التاريخ الانساني الذي انتقل من التفكير المثوسي، الخرافي الأسطوري إلى التفكير اللغوسي الذي اعتبر العقل هو المبدأ الفعال في الهيولى ، هناك ظهر الفتاغورسيون والرواقيون و الأبيقوريون والسفسطائيون فيها سأل الفيلسوفُ الكبير سقراط زوّارَ السوق سؤاله الفلسفي الشهير؛ ما معنى الحياة والوجود؟
وفيها كان ديوجانس أحد معاصري أفلاطون،يحمل الفانوس بحثا عن الحقيقة ، وفيها كان كل الشعب يدير شؤون دولة المدينة ، وفيها تولدت فكرة انتخاب ممثلي الشعب من النبلاء حتى تسهل إدارة الدولة ومنها تولدت فكرة حكم الأغلبية وفيها ظهرت افضل الأنظمة الإنسانية في التاريخ وهي الديموقراطية بعد. أن عانت البشرية من حكم الفرد المطلق والاستبدادية .
و،في حين كانت أثينا ،تشع بأنوار. الثقافة والمعرفة والفكر سيؤسس أفلاطون تلميذ سقراط شهيد الحقيقة، الأكاديمية وفيها ستظهر محاوراته حول فكرة الجمهورية ، وفيها سيظهر المعلم الأول في التاريخ أرسطو ،
وفي الوقت الذي كانت فيه اثينا ، تبني المسارح والمعابد ، والاعمدة الدائرية الضخمة المتسمة بالهيبة والجمال والجلال،فقد كان ، يشرف على مدينة أثينا القديمة . المعبد الرائع البارثينون، الذي بناه بيركليس أعظم ساسة اليونان على هضبة تسمى اكروبوليس،
في تلك الأثناء، كانت أسبرطة تدرب المحاربين الأشداء،
فانتصرت القوة على الحق والقبح على الجمال فتم القضاء على ذلك الحلم البشري الرائع ، لكن افكار واحلام تلك المدينة استمرت تكبر وتتدحرج ككرة الثلج ،
فكان لفكرة الحرية ، والديمقراطية فرصة في الاستمرار و التطور ، والبقاء باعتبارها النظام الأصلح، والأرقى .
ولذلك فإن الاعتبار في مثل هذه الاخبار ، يدفعنا الى حسن الاختيار ، ويدفعنا الى القول انه ليس هناك ألية ، ومنهحية لتسيير الدولة والحكم غير وسيلة الديموقراطية ، وإن كانت ليست مثالية ، لأنها تقصي الأقلية ، والتي تبقى على الهامش في المعارضة الشكلية غير المؤثرة ، ولكن هذه الديمقراطية خير من الأولغارشية ، والديكتاتورية ، والثيوقراطية ، هي تتيح فرصة التداول على الحكم ، فهي النظام الأقل سوءا من بين الأنظمة الاكثر سوءا ، وشرا ودموية ، إنها تتيح فرصة الاختلاف والحرية ،والعلم والعمران علي خلاف باقي الأنظمة التي عرفتها البشرية من استبدادية شمولية ووثوقية، وحكم فردي قدري وجبري مطلق.
كانت هذه الديموقراطية ، تحتفل بالعقل، والنبلاء ، والنخبة المثقفة ، وتمقت ضحالة العامة والجهل والغوغاء ،
لكن عيب الديموقراطية انها قد تعطي فرصة الحكم ، للشعبويين مستغلي الفقراء. والجهال، والعبيد ، والمتملقين ، وقد تعطي فرصة للفاسدين ،ولذلك وئدت التجربة الديمقراطية اليونانية وعادت أثينا مرة أخرى إلى نموذج الحاكم المستبد الطاغية الذي عرفه أفلاطون وارسطو ؛ بأنه شخصٌ يحكم دون اللجوء إلى القانون، مستخدما أساليب متطرفة ومتوحشة ضد كل من شعبه والآخرين. فهذا الطاغية بعد وصوله للسلطة يعدم الديموقراطية التي اوصلته للحكم ، ويصير مغتصبا للسلطة فيجعل من رعيته ضحايا أهوائه ورغباته الظالمة، والتي يحلها محل القانون .فيحل محل العدل الطغيان ، ويصير المواطنون عبيدا. ورعايا ،ولذلك غالبا ما كان الطغاة اليونانيون انتهازيون أصحاب نفوذ وصلوا إلى السلطة بتأمين ودعم فصائل فاسدة ،بوسائل دنيئة مثل الرشاوى، والمتع الشهوانية واللذائذ واحيانا بالقهر، والابتزاز. والاغتيال والأساليب غير الأخلاقية؛ .
ولذلك فإننا نكون أمام معظلة حقيقية ، هل نترك الشعب الفقير الجاهل الذي لا يحسن الاختيار ، تدمير نفسه وتدمير الديموقراطية ذاتها لتفرز حكاما فاسدين أو فاشلين ،ام أنه سيكون من اللازم المرور الى تطبيق فكرة الاستبداد المستنير او المستبد العادل كما قال الامام محمد عبده ، وهو نفس ما ذهب اليه الفيلسوف الإنجليزي، جون ستيوارت ميل، في كتابه ؛ عن الحرية وفيه قال إن الحكم المطلق المستنير ضروري لمواجهة الأفعال البربرية بفعل الجماهير.
أما الفيلسوف الفرنسي فولتير ؛ فتراءى له أن الملكية التي يحكمها ملك مستنير، يؤمن بالتسامح والحريات العقائدية، والتحرر من السلطة الثيوقراطية؛ هي السبيل الوحيد لتطوير المجتمع ليولي وجهه شطر الحضارة الإنسانية،
إن من قواعد حسن الاختيار ان يكون الذي يختار قادرا على الاختيار ، قادرا على التمييز بين الصالح والطالح ، ولن يكون ذلك ممكنا الا بشيئن وهما أن يكون جل هذا الشعب شبعان وليس في وضعية الاحتياح لأن الجوع كافر كما يقول المصريون ، ويجعل صاحبه يبيع نفسه بكسرة خبز ، ، ويجب كذلك ان يكون جل هذا الشعب متعلما حتى يعي الفرق بين الشر والخير ، وحتى لا يقع ضحية الغموض والالتباس،وحتى يعي كذب الكاذبين، ونفاق المنافقين .
ولذلك قد يظهر للبعض المستعجل لتحقيق النتائج أن المستنير العادل يمكن أن يحقق العلم والمعرفة والرفاهية كمرحلة نحو الديموقراطية ووصول الشعب للأهلية والرشد العقلي والرفاهية ،
ولكن ومع ذلك يبدو أن الإستنارة لا يمكن ان تجتمع مع الاستبداد ، ويكون الحل الأجدر هو تجريب الديموقراطية بشكل دائم ،
وبدون يأس، حتى يتعلم الشعب من أخطائه ، ويكون مسؤولا عن اختياراته..
سنحقق الديموقراطية ،إذا سادت المعرفة وقل الجاهلون ،وإذا شبع المواطنون وقل الجائعون ،إذا ساد الصالحون واختفى الفاسدون،
سنحقق الديموقراطية إذا كنا جميعا أمام القانون متساوون ،
سنحقق الديموقراطية الحقة إذا علم المنتخبون، أنهم عن أعمالهم محاسبون من الشعب ومسؤولون ،
وفي انتظار تحقق ذلك هناك دائما فرصة وأمل ، وبعد كل شدة انفراج ، فقد يجعل الله في الشر خيرا ، فلكل شر وجه من وجوه الخير ، وقد يجعل الله في باطن العذاب رحمة ،
ليس هناك من حل الا أن نمارس الديموقراطية على علاتها، حتى تطرد العملة الجيدة العملة الرديئة، من التداول . لأن الطبيعة لا تحب الفراغ رغم انها يمكن أن تأتي بالأسوأ، ولأنه ليس بالإمكان ابدع مما كان حسب قول الفلاسفة المشائين،
ليست الديموقراطية مثالية لكنها الأقل سوءا من بين الاسوأ،
وعلى الصالحين أن يملأوا المشهد ، وعلى المثقفين والمفكرين والانتليجنسيا ان لا تجلس للتنظير في برجها العاجي ، أو خطابها المتعالي ، وتلغي تناقضاتها ، التي تؤدي الى تجزيء المجزأ، وتفتيت المفتت ، وعلى من يدعون التقدمية أن لا يكونوا عدميين وعلى من يدعي التعددية أن لا يكونوا استئصاليون ، وعلى من يدعي الاعتدال أن لا يكونوا متطرفين دوغمائيوئين
يجب ان نعلي من شأن المضامين والقيم والأخلاق الفاضلة كما نعلي من شأن الشكل والاعراف والطقوس والشعائر ،
فنربي الأجيال القادمة على الصدق و عدم الكذب ، والوفاء ،والأمانة ، والشجاعة ، والانضباط، وإتقان العمل ، وعدم الغش ، والكسل والإهمال ،
إن هذا الوطن سفينة كبيرة جميلة مثل التايتنك، نركيبها جميعا يجب ان تدبر اختلافاتنا فيها وأن يتعايش فوق سطحها فيها ، الراكبون. يجب على الجميع تحقيق التسامح فيما بينهم بتفهم الآخر واختياراته ،واحترام آرائه ، وترك مساحة الاختلاف وعدم ادعاء امتلاك الحقيقة ، فلابد انها متفرقة مشتتة بين ايدي الجميع ،وعلى الجميع ان يكشف ما عنده من حقائق من أجل خير هذا الوطن ، على الجميع ان يحلم نفس الحلم ، من أجل بناء وطن متقدم وديمقراطي عادل رائع.
تعليقات الزوار ( 0 )