تمكن المغرب خلال السنوات الأخيرة من تكوين نوع من النضج العسكري سواء من خلال تصنيفه ضمن لائحة الستين الأقوى عالميا أو المرتبة السابعة عربيا أو السادسة افريقيا ليس هذا أو ذاك بل تمكن المغرب من تطوير نوع من الدهاء العسكري من خلال تنويع الأسواق العسكرية التي يقتني منها الأسلحة بل حتى وصوله إلى درجة من الرزانة العسكرية التي تسمح له بالشروع في تكوين صناعة عسكرية محلية..
من خلال شعبيته الجارفة في المجال العسكري والأمني، حصل المغرب نوعا من الثقة الكبيرة في قدراته العسكرية عبر القيام بمناورات الأسد الأفريقي على ترابه، هذا الأخير الذي يتميز بمزايا تضاريسية ومناخية فريدة تجعله أحد الأراضي الأكثر تفضيلا للقوات العسكرية الأمريكية.
تضعنا هذه المعطيات أمام مجموعة من الأسئلة التي قد تتبادر في ذهن المتتبع للشأن العسكري بالمغرب منها: ما الذي يجعل المغرب أحد القوى العسكرية عالميا وبالأخص عربيا وقاريا؟ لماذا يعتمد المغرب على استراتيجية تنويع الأسواق العسكرية ولما التركيز على السوق الأمريكية؟ هل يمتلك المغرب مقومات دولة قادرة على تصنيع أسلحة محلية أم أن الاعتماد على الشركات العالمية على القدرات المغربية فقط الكفيلة بتصنيع أسلحة محلية؟
تصنيف المغرب ضمن الأقوى قاريا وعربيا
إذا ما اعتمدنا على مؤشر كلوبل فاير باور Global Fire Power لسنة 2025، سنجد أن المغرب يتموقع في ترتيب لا بأس به عالميا وذلك ضمن نادي الستين – المرتبة 59 عالميا- من فئة 145 دولة بميزانية عسكرية سنوية تتجاوز 12.088.000.000 دولار أمريكي، هذا يعني أن المغرب أضاف ما يقرب من 5 مليارات درهم مغربي (484.7 مليون دولار) إلى ميزانيته الدفاعية، مقارنة بعام 2024، عندما قُدرت ميزانية القطاع بنحو 119.76 مليار درهم مغربي (11.6 مليار دولار).
يمتلك المغرب قوة عسكرية على المستوى الجوي والأرضي والملاحي عالية، تجعله ضمن تصنيفات متقدمة ، حيث يعزز المغرب قوته العسكرية الجوية بامتلاكه ل255 طائرة حربية و83 مقاتلة و71 متدربة و70 هلكوبتر، إذمن المتوقع أن يرفع المغرب من قدراته الجوية عن طريق ضمه لمقاتلات F35 ، كأول زبون يقتني هذه المقاتلات في منطقة مينا.
بينما على مستوى القوة العسكرية الأرضية يتوفر المغرب على 1564 دبابة و13.710 مدرعة و208 قاذفة صواريخ متحركة، فضلا على قوة عسكرية ملاحية جد متطورة ب121 أسطول بحري، و6 فرقاطات وكورفيت و22 سفينة دورية.
يصنف المغرب على المستوى العربي في المرتبة السابعة بعد كل من مصر، السعودية، الجزائر ، العراق والامارات وسوريا، بينما على المستوى القاري فيصنف سادسا بعد كل من مصر ، الجزائر، جنوب افريقيا، نيجيريا واثيوبيا.
تمكن المغرب من أن يحتل مراتب متقدمة عربيا وافريقيا حسب مؤشر كلوبال فاير باور وهذا يعود بالأساس إلى سياسته العسكرية التي تتميز بالذكاء والرزانة سواء عبر المناورات العسكرية التي يقوم باحتضانها المغرب كأقوى التمارين العسكرية في العالم كمناورات الأسد الأفريقي، أو مشاركته في العديد من المناورات في إطار التعاون الثنائي كتلك التي قام بها لثلاث سنوات على التوالي بالأراضي الباكستانية في إطار التعاون المغربي الباكستاني، أو من خلال استراتيجية تنويع الأسواق التي يقتني منها الأسلحة.
لا يمكن إلا التنويه بمستوى النضج العسكري التي وصلت إليه القوات العسكرية المغربية التي تمكنت من استغلال قدراتها العالية إلى جانب خبرة القوات العسكرية الأمريكية أو غيرها والذي يجعلها لا محال ضمن القوات الأقوى قاريا وعربيا.
تنويع الأسواق العسكرية والتركيز على السوق الأمريكية
قد سبق أن صنف تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، المغرب في المرتبة 29 من حيث استيراد الأسلحة الرئيسة سنة2022، حيث حدد التقرير الولايات المتحدة كأكبر مورد للأسلحة للدول الواقعة في شمال إفريقيا، إذ صنف المغرب ضمن لائحة الدول الأكثر استيرادا للأسلحة الامريكية.
وبذلك تكون السوق الأمريكية قد استأثرت بحصة الأسد من الأسلحة المستوردة بالنسبة للمغرب.
وبالرغم من ذلك، يعتمد المغرب على استراتيجية تنويع الأسواق التي يقوم باقتناء الأسلحة منها، بالرغم من أن حصة الأسد تذهب للسوق الأمريكية بنسبة 69 بالمائة، متبوعا بفرنسا 16 في المائة وإسرائيل ب11 في المائة حسب تقرير الصادر عن معهد ستوكهولم تحت عنوان ” الاتجاهات العالمية لعملية نقل الأسلحة”.
كما لا يعتمد المغرب فقط على هذه الدول الثلاث من أجل تعزيز ترسانته من الأسلحة بل تأتي كذلك دول مثل الصين وتركيا وباكستان وروسيا.
فمثلا أعلن كل من المغرب وتركيا منذ سنة 2013 عن رغبتهما في تطوير التعاون العسكري وبالفعل توجه المغرب إلى تركيا سنة 2021 من أجل اقتناء 13 طائرة من دون طيار من نوع بيرقدار TB2مقابل 59 مليون دولار، فضلا عن اقتنائه 200 مركبة مدرعة من طراز Cobra2 التي تصنعها شركة Otokar التركية مطلع هذه السنة.
أما فيما يخص السوق الباكستانية فقد أهدت باكستان المغرب هذه السنة مقاتلات من نوع “ثاندر”،بينما تستأثر السوق الصينية كذلك باهتمام المملكة المغربية وذلك بعد صفقات مهمة منها: صفقة نظام الصواريخ الصيني HJ-9A3، وراجمة الصواريخ الصينية WS-2DK، ونظام الدفاع الجوي الصيني FD-2000B وغيرها من الصفقات التي تهم الدفاع الجوي.
ولا يمكن غض الطرف عن السوق الروسية التي انتعشت بالواردات المغربية خاصة فيما يخص اقتناء المغرب لمنصات مضادة للسلاح الجوي S-400K ، بالرغم من أن بعض الصفقات التي كانت مرتقبة بين المغرب وروسيا مثل صفقة اقتناء غواصة وطائرات مروحية وصواريخ بحرية متطورة ضلت مجهولة المآل.
الميل نحو الصناعة العسكرية المحلية
أظهر المغرب خلال السنوات الأخيرة على عزمه في الشروع في تصنيع أسلحة عسكرية محلية عبر الدخول في صفقات مع شركات عظمى في المجال العسكري، فالمغرب يسعى لـتوطين الصناعات العسكرية على أرضه، ليصبح قوة صناعية بالمجال الحربي على غرار دول إسلامية كباكستان وتركيا.
إذ تكشف المعطيات أن المغرب يراهن على نوع خاص من التصنيع العسكري الذي يتمثل في الطائرات بدون طيار إلى جانب تطوير بعض أنواع الطائرات المقاتلة كـF35 وF16، وكذلك تصنيع صاروخ جو-جو قصير المدى.
وبذلك سيصبح المغرب أول دولة افريقية تقوم بتصنيع طائرات بدون طيار وذلك عبر شراكة مغربية إسرائيلية، حيث تم تشييد منشأة في الرباط سيشرع تشغليها قريبا لإنتاج طائرات بدون طيار، كما ستتم هذه الشراكة من خلال إتمام صفقة بين المغرب وشركة BlueBird Aero Systems وهي تابعة لشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية .
كما يعزم المغرب إنشاء منطقتين صناعيتين في مجال الدفاع للاهتمام بمعدات وآليات الأمن وأنظمة الأسلحة، إذ يهم احداث هاتين المنطقتين التسريع الصناعي للدفاع، بهدف توفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة.
بالرغم من أن هناك تساؤلات حول قدرة المملكة في بناء صناعة عسكرية محلية قوية في المدى القريب، نظرا لتعقيدات هذا المجال وحاجته للخبرات والتكنولوجيا المتقدمة. فضلا عن إمكانية مواجهة المملكة المغربية لتحديات مالية في ظل ارتفاع تكاليف الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة إلا أن المغرب قد أضحى قوة عسكرية ورقم صعب في المجال العسكري خاصة بعد نجاحه في مجال تصنيع الطائرات والسيارات فبالرغم من تعقد الصناعة العسكرية وتكلفتها الباهظة في التصنيع إلى أن المغرب قادر على رفع مستوى التحدي إلى مستويات عالية في هذا الميدان وبذلك يمكن الجزم أن المغرب وصل إلى درجة من النضج العسكري كافية لشروعه في التصنيع المحلي للأسلحة.
*دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية – جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال-
تعليقات الزوار ( 0 )