Share
  • Link copied

الدبلوماسية الجزائرية بين السلمية والنزوع العسكري

عكست مجلة “الجيش” في افتتاحيتها لشهر سبتمبر  تحت عنوان  “التسوية السلمية للأزمات” منظور الدولة بالجزائر في التعامل مع متغيرات المحيط الإقليمي سواء كان افريقيا أو مغاربيا أو عربيا. مما جعل من المهم الرصد التحليلي لما جاء في هذه الافتتاحية.

      – التسوية السلمية للأزمات الأفريقية

أكدت هذه الافتتاحية على مرتكزين أساسيين تقوم عليهما الدبلوماسية الجزائرية في تعاملها مع الأزمات التي يعرفها مجالها الافريقي : يتمثل الأول في الموقع الجيوستراتيجي الذي تحتله الجزائر والذي يجعل منها فاعلا إقليميا رئيسيا في حل الأزمات، حيث كتبت الافتاحية بهذا الصدد ما يلي : “وفي زخم هذه الأحداث والتطورات فإن الجزائر وبحكم موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط الدول المغاربية من ناحية والبحر المتوسط وعمق القارة الإفريقية من جهة ثانية، وباعتبارها امتدادا للساحل الإفريقي، تعد فاعلا لا مناص منه على المستويين الإقليمي والدولي في استتباب الأمن والاستقرار ولا سيما في دول الجوار”. أما المرتكز الثاني فيقوم على تبني “إيجاد حلول وتسوية النزاعات بطريقة سلمية” كمبدأ ثابت من مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية. وبهذا الصدد أكدت هذه الافتتاحية أنه في ظل التحديات “المعقدة والمتشابكة التي تواجهها القارة الإفريقية، خصوصا دول الساحل التي تعرف العديد من الاضطرابات” فإن الدبلوماسية الجزائرية قد واصلت مساعيها الحثيثة من أجل توحيد الجهود الإفريقية ومضاعفتها بهدف إيجاد حلول إفريقية لمشاكل القارة وتفعيل كافة آليات منع وإدارة وتسوية النزاعات سلميا بالطرق الدبلوماسية، بعيدا عن الحلول العسكرية التي أثبتت التجارب أن مآلاتها خطيرة جدا ولن تزيد الأمور إلا تعكيرا وتعقيدا.وهي مواقف تندرج في صلب العقيدة الجزائرية وتنبثق من مبادئها الراسخة التي طالما رافعت من أجلها ودافعت عنها”.وفي هذا السياق أشارت افتتاحية مجلة “الجيش” إلى مساندة الجزائر الكاملة لمسار السلام بمالي، وحث الأطراف الليبية على “الانخراط في المسار السلمي لحل الأزمة دون تدخل أجنبي، من خلال تبني الحوار الذي يفضي إلى حل سياسي وتوافقي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويعزز بناء مؤسساتها”. وهو نفس ما عبرت عنه الجزائر بخصوص الأزمة في النيجر، إذ أكدت على “ضرورة انتهاج طريق الحلول السلمية والتفاوضية، محذرة من مغبة الحل العسكري”. وبالتالي ، فقد دعت الجزائر إلى “إعطاء الأولوية القصوى للخيار السياسي التفاوضي للأزمة الدستورية الحالية، وهو ما تعمل عليه عبر نشاطها الدبلوماسي المكثف لبلورة حل سياسي يقي النيجر الشقيق من تداعيات التصعيد المحتمل للأوضاع ويجنب المنطقة بأسرها مستقبلا محفوفا بالتهديدات والمخاطر، وخاصة تجدد النشاط الإرهابي وكل أشكال الجريمة التي تعاني منها المنطقة بشدة”.ونتيجة لهذه السياسية السلمية،تحولت الجزائر ، كما تؤكد على ذلك الافتتاحية إلى”قوة استقرار وسلام في المنطقة وفق مبادئ ترتكز على جملة من الثوابت، على غرار احترام الشرعية الدولية ومساندة القضايا العادلة والتسوية السلمية للنزاعات بعيدا عن التدخلات الأجنبية ومحاولات صناعة عدم الاستقرار”

  • النزوع العسكري فيما يتعلق بدول الجوار

لكن الملفت في مضامين هذه الافتتاحية أن مبدأ “إيجاد حلول وتسوية النزاعات بطريقة سلمية” كمبدأ ثابت من مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية يتوقف عند حدود دول الجوار وعلى رأسها المغرب. فبالاضافة إلى احتضان النظام الجزائر لقوات البوليزاريو الانفصالية لأكثر من خمس عقود في تناقض تام مع اتفاقية حسن الجوار بين البلدين ، وكذا اتفاقية اتحاد المغرب العربي التي تحظر احتضان أي تنظيم عسكري يهدد وحدة واستقرار البلدان الأطراف، وعلى الرغم من سياسة اليد الممدودة المنتهجة من طرف المغرب ، فقد واصل النظام الجزائري مساندة  تنظيم البوليزاريو الانفصالي ودعم سياسة عودته لحمل السلاح في تناقض مع بنود اتفاق الهدنة الموقع في سنة 1991 بين الطرفين . بالإضافة إلى نهج النظام الجزائري سياسة التسابق  نحو التسلح  التي ارتفعت إلى 23 مليار دولار في ميزانية سنة 2023 والعمل على إغلاق الحدود الجوية الجزائرية إلى جانب الردود السلبية من مساندة بعض الشركاء الاوربيين لمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لحل النزاع المفتعل حول استرجاعه لاقاليمه الصحراوية المستعمرة سابقا من طرف اسبانيا. ولعل الرد العنيف للبحرية الجزائرية على الحدود الاقليمية بين البلدين ليعكس بشكل جلي هذا النزوع العسكري للنظام الجزائري  في مواجهة جاره المغربي . ولعل هذا ما عكسته افتتاحية  الجيش الجزائري ، حيث كتبت أنه  ” بالموازاة مع هذه السياسة الحكيمة والرصينة التي تنتهجها بلادنا على الصعيد الخارجي فإن الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، الذي تعمل قيادته العليا دون هوادة على بلوغه أعلى درجات القوة والجاهزية، يواصل بنفس العزيمة والإصرار وبنفس الوعي والحس الرفيع بالواجب الوطني، أداء مهامه بكل احترافية وفعالية في مجال تأمين حدودنا الوطنية ومكافحة بقايا الإرهاب وتجفيف منابع تمويله المرتبطة بالجريمة المنظمة على غرار التهريب والاتجار بالمخدرات وبالبشر وبالأسلحة. ويتم ذلك وفق استراتيجية أمنية فعالة ترتكز على الانتشار المدروس لوحداته والتنسيق المحكم بينها والسيطرة على كل المنافذ الحدودية ومراقبتها، وهي جهود تؤكد الاحترافية والمهنية واليقظة التي تتمتع بها قواتنا المسلحة، التي تبقى دوما عاقدة العزم على العمل بحزم لردع وإحباط أي محاولة لتهديد أمن الوطن وسكينة المواطن، وعلى أهبة الاستعداد دائما وأبدا للدفاع عن المصالح العليا للوطن، فداء للجزائر وإخلاصا لشعبها ووفاء لقيم نوفمبر ولرسالته الخالدة”.

   وبالتالي ، يظهر من خلال مضامين هذه الافتتاحية بأن الدبلوماسية الجزاءرية في تعاملها مع محيطها الخارجي تعاني من ازدواجية قاتلة ، حيث أنها تنادي بتبني الحلول السلمية لجزء من محيطها الإقليمي كدول الساحل الذي تنخرط في تأجيج أزماته دول وقوى من خارج المنطقة الافريقية في الوقت الذي تتبنى سياسة الحسم العسكري من تصعيد وتسابق نحو التسلح مع محيطها الأقرب لها جغرافيا وافريقيا وعربيا حيث تساهم في تأجيج توتراته بشكل مباشر ومعلن مع رفض لليد الممدودة المغربية ورفض لأي وساطة بما فيها الوساطة السعودية. ولعل مرد هذه الازدواجية في الدبلوماسية الجزائرية قد يرجع في عمقه إلى هذا التداخل بين المدني والعسكري في رسم السياسة الخارجية والتي يرجع فيها الحسم في أخر المطاف للجانب العسكري. ولعل ما يعكس ذلك ما أشارت إليه هذه الافتتاحية عندما تطرقت،  فيما يتعلق برسم السياسة الخارجية للجزائر ،  إلى ما “أكده رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال كلمته حول السلم والأمن في إفريقيا بمناسبة الدورة 36 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المنعقد بأديس ابابا شهر فيفري 2023 “إنني على يقين بأن حل الأزمات في قارتنا يجب أن يقوم على الحل السلمي والحوار الشامل والمصالحة الوطنية دون أي تدخل أجنبي وقد سعت الجزائر دوما ومن خلال جهودها الدبلوماسية الحثيثة إلى حلحلة مختلف القضايا الشائكة وأيضا عبر تقديم المساعدات للدول الشقيقة والصديقة تكريسا لمبدأ حسن الجوار، وتجسيدا لمقاربة شاملة تزاوج بين الأمن والتنمية”.لتردف ذلك “بما أكده رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، خلال تدخله عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد في الندوة 11 للأمن الدولي، المنعقدة بموسكو منتصف أوت، إذ قال “تؤمن الجزائر بأن الوقت قد حان بالنسبة للمجتمع الدولي لأن يعي أهمية الحفاظ على الأمن الدولي من خلال التكفل الجاد بالأسباب المنتجة للأزمات والمغذية لعدم الاستقرار والمتسببة في اللاأمن الدولي والجهوي، ولن يتم تحقيق ذلك إلا عبر الالتزام التام بالشرعية الدولية ومساعدة ودعم الدول الإفريقية لتمكينها من تطوير حلول ذاتية وشاملة من أجل التكفل السيادي بمشاكل القارة بعيدا عن التدخلات الأجنبية ومحاولات صناعة عدم الاستقرار”.

من هنا ، يظهر أن الدبلوماسية الجزاءرية تعاني من غياب وحدة القرار الدبلوماسي  بسبب ازدواجية الفاعلين وتباين تصوراتهم مما انعكس في بعض الأحيان في تسابق كل من الرئيس تبون الفريق شنقريحة إلى زيارة بعض العواصم كموسكو أو باريس أو في الانضمام إلى بعض التجمعات الإقليمية كبريكس.بل يمكن التكهن بأن حادث السعيدية قد يكون وليد هذه الازدواجية التي قد تكون أرخت بظلالها على رسم معالم أي تسوية مقبلة سلمية مع الجار المغربي. ولعل ما يؤكد ذلك هو أن تصدر هذه الافتتاحية التي ترسم معالم السياسة الخارجية من طرف مجلة المؤسسة العسكرية المتحكمة في صنع القرار الدبلوماسي بالجزائر بخلاف الدول المجاورة التي عادة ما ترسم هذه السياسة من طرف مؤسسات سياسية ومدنية.

Share
  • Link copied
المقال التالي