رغم التسمية التي تتميز بها مدينة الدار البيضاء، فلم يتبق لها من هذا اللون إلا الاسم . إذ يكفي أن يجول “البيضاوي” بناظريه على البنايات العمومية والعمارات والشقق والإقامات المشتركة ، أو إلقاء نظرة على جدران البيوت والمنازل سواء بالأحياء العصرية أو الشعبية ، أو على مقرات الشركات والمعامل والمحلات ليلاحظ تمايز ألوان هذه البنايات . حيث أن كل بناية تتميز بلون خاص بعدما تقاعست السلطات المحلية عن فرض لون موحد لواجهة بنايات المدينة المتجسد في اللون الأبيض المشوب باللون الأزرق الذي كان يحافظ للمدينة ، كغيرها من المدن الساحلية المغربية الأخرى ، على طابعها وهويتها كمدينة ساحلية ومنفتحة .أما فيما يتعلق بواجهة البنايات فغالبا ما يلاحظ الاختلاف الكبير بين ألوانها ، فهناك بنايات مصبوغة ، تجاورها بنايات أخرى فقدت لونها بسبب التلوث وهطول الأمطار والغبار ، والدخان المنبعث من محركات السيارات . فباستثناء بعض البنايات المتواجدة ببعض الشوارع الرئيسية التي يتم الاهتمام بصباغتها وتبييضها خاصة خلال الزيارات الملكية للمدينة فهناك العديد من الواجهات البنايات التي عراها الشحوب بسبب الإهمال وتداعيات الرطوبة. ومما زاد أيضا في تفاقم هذه الظاهرة ، هو لجوء العديد من الشباب البيضاوي في الآونة الأخيرة إلى تلطيخ الجدران والواجهات الأمامية بكتابات وشعارات رياضية وغيرها من خلال رش أصباغ عادة ما يصعب محوها مما يذكر بجدران أحياء هارليم و البرونكس ، ونيو جرسي وباقي الكيتوهات الأمريكية والبريطانية والفرنسية الأخرى.
-إعادة طلاء المباني وواجهات المدينة
أولت عمدة الدار البيضاء، السيدة نبيلة الرميلي، بمجرد انتخابها اهتماما خاصا لإعادة طلاء مباني هذه المدينة وصباغة واجهاتها الأمامية. فقد أدركت بأن أي تغيير ينبغي أن يلمس من طرف البيضاويين ليس فقط في استكمال بعض الأوراش وفتحها للساكنة كفتح نفق الموحدين والممر الأرضي لساحة الأمم المتحدة وكذا فضاء حديقة الجامعة العربية… بل أيضا في تعميم طلاء وصباغة مباني الدار البيضاء. وفي هذا السياق أطلقت رئيسة المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، في بداية ولايتها، حملة محلية من أجل إعادة واجهات المدينة إلى لونها الأصلي، كاشفة عن أن الحملة أسفرت عن طلاء 1400 بناية باللون الأبيض. كما وجهت عمدة المدينة مراسلة إلى رؤساء المقاطعات تحثهم فيها على تتبع هذا الملف ودفع السكان إلى طلاء منازلهم وإقاماتهم السكنية. وقد استجاب رؤساء بعض هذه المقاطعات لمضمون هذه المراسلة، كان من أبرزهم السيد عبد الصادق مرشد، رئيس مقاطعة المعاريف وكاتب المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، الذي أكد على أن “السلطات المحلية قامت بحملة تواصلية كبيرة خلال الأشهر الماضية لإقناع سكان هذه المقاطعة بأهمية طلاء واجهات العمارات الكبرى، حيث حصل تجاوب كبير من طرف أصحاب العمارات السكنية بمختلف أحياء مقاطعة المعاريف، الشيء الذي أدى إلى تقدم كبير في تنفيذ هذا الورش، حيث استهدفت المباني التي تدهورت واجهاتها الخارجية؛ وهو ما ساهم في تحسين جاذبية الأحياء السكنية بمختلف أصنافها”. كما أشار رئيس مقاطعة المعاريف إلى أن السلطات المحلية شرعت في إعادة صباغة المقرات الإدارية التي تتواجد بتراب هذه المقاطعة مواكبة منها للعاصمة الاقتصادية ومقامه بها ، الاسراع بإعادة صباغة عمارات العنق التي لم تصبغ منذ عدة سنوات.
وبالتالي، يبدو أنه على الرغم من نجاح عملية التبييض في بعض المقاطعات، فقد فشلت جماعة الدار البيضاء لحد الآن في استكمال المشروع المتعلق بإلزام المواطنين بصباغة المباني بالأبيض حفاظا على رونق العاصمة الاقتصادية للمملكة وجماليتها، والذي كانت قد أعلنت عنه منذ شهور. كما عجزت المصالح المختصة بجماعة الدار البيضاء عن مواصلة المشروع الخاص بطلاء واجهات المباني البيضاوية. إذ بعدما كانت قد شرعت في حملة أسفرت عن طلاء 1400 بناية باللون الأبيض، وبعدما قامت مصالح الشرطة الإدارية بإحصاء البنايات التي تتطلب إعادة صباغة واجهاتها وطلائها، وتبليغ السكان وكذا “السانديك” بضرورة الاستجابة لهذه التوجيهات، تحت طائلة تعريضهم لغرامات مالية، ما زالت العديد من البنايات، خاصة القديمة منها، في وضعيتها بدون طلاء وذلك لعدة أسباب من بينها تواجد العديد من محلات السكنى مهملة وخالية، بما فيها تلك التي تتواجد في شوارع رئيسية كشارع أنفا، وشارع عبد المومن …أو لعدم اتفاق ساكنة العديد من الإقامات على صباغة الواجهات الأمامية لإقاماتهم نظرا لتكاليف عملية الصباغة، بالإضافة إلى أعمال البناء المتواصلة في مختلف أنحاء هذه المدينة، وكذا لغياب التنسيق بين مختلف الإدارات والمقاطعات لصباغة مقراتها الإدارية وطلاء مقرات باقي المصالح المتواجدة في مجال ترابها.وبالتالي يبدو أنه أصبح من اللازم تغيير هذه المقاربة التقليدية في صباغة وإعادة طلاء مدينة كبرى كمدينة الدار البيضاء، التي تتوسع باستمرار سكنيا وعمرانيا واقتصاديا واجتماعيا، وتعويضها بمقاربة تقوم على المرتكزات التالية:
– وضع ترسانة قانونية محلية تفرض إعادة تعميم اللون الأبيض على كل مباني الدار البيضاء السكنية والإدارية،
– تكليف مجلس المدينة لشركات متخصصة بصباغة وتبييض بنايات المدينة وواجهاتها الخارجية بشكل منتظم ودوري، بينما يشرف مجلس المدينة على مراقبة هذه العملية، واتخاذ التدابير اللازمة في حالة تسجيل أي نقص أو تقاعس أو تشويه من طرف الشركات المكلفة وذلك على غرار التعاقد مع الشركات الخاصة التي تقوم بتظيف وجمع نفايات وأزبال مقاطعات المدينة .إذ أن هذه العملية ستخلق بلا شك رواجا خاصا داخل المدينة من خلال تأمين آلاف من فرص العمل ، كما ستهيأ المدينة لاستقبال تنظيم كأس العالم لسنة 2030 . أما الموارد المخصصة لهذه العملية فيمكن أن تستخلص من ضريبة النظافة المفروضة على الساكنة البيضاوية.
– إبرام شراكات مع جمعيات الدروب والأحياء الشعبية، التي تتكلف بالسهر على نظافة وصباغة هذه الأحياء ودعمها ماليا ولوجيستكيا، من خلال خلق روح التنافس بينها بتخصيص جوائز مالية سنوية لأنظف حي على صعيد ولاية الدار البيضاء الكبرى وأنظف درب على صعيد كل مقاطعة حضرية.
وبالتوازي مع ذلك ينبغي للمجلس الجماعي للعاصمة الاقتصادية أن يعيد النظر في القرار المتخذ من طرف المجلس الجماعي السابق بتبليط بعض شوارع هذه المدينة الساحلية المطلة على زرقة مياه المحيط الأطلسي والممتدة تحت زرقة السماء ببلاط أسود يشبه إلى حد ما لون الزفت الذي يبلط وسط شوارعها، حيث تم القيام في عنجهية شعواء باقتلاع مختلف الزليج الذي كان يزين طوارات هذه الشوارع بصفائح سوداء تضفي الكآبة على سكان المدينة بما في ذلك فضاء متنفسها الترفيهي عين الذئاب، حيث لم يسلم حتى هذا الفضاء من هذا التبليط الأسود، إذ تم انتزاع كل زليجه المتنوع والمبهج لتعويضه بهذه الصفائح السوداء التي لا تتلاءم مع جمالية المدينة ولا مع طبيعة هذا الفضاء. فهذا النوع من التبليط الذي انضاف إلى زرع أعداد النخيل يتناقض مع جمالية مدينة بيضاء مفتوحة على المحيط الأطلسي.
-إعادة تنوير الفضاءات العمومية
إن كل من يتجول بشوارع الدار البيضاء مساء أو ليلا لا بد أن يسترعي انتباهه وجود إضاءة عمومية بدون نور،أو بإضاءة خافتة تقترب من الشحوب والاصفرار. إذ أن كل أعمدة الكهرباء الممتدة على طول هذه الشوارع تحس بأنها عبارة عن شموع أكثر من مصابيح مضيئة. فترى الشوارع على مرمى النظر كأنها مظلمة وتزداد ظلمة كلما كان الجو شتويا وغير صحو. الشيء الذي يجعل التساؤل مطروحا ومشروعا حول ما فائدة إنارة لا تنير ومصابيح توجد في علو شاهق وبنوع تقليدي لا يكفي لكي يخلق إضاءة مشعة حتى بوسط المدينة وأطرافها.
من هنا تطرح ضرورة العمل على تجديد الإنارة العمومية لشوارع ودروب وأحياء وأزقة العاصمة الاقتصادية بشكل يتلاءم والطبيعة العمرانية والهندسية والوظيفية لهذه المدينة الكبرى خاصة وهي بصدد الاستعداد لتظاهرات رياضية واقتصادية عالمية . وبالتالي يجب الإسراع في البداية بتجهيز وسط المدينة بإنارة عمومية ذات مواصفات خاصة تعتمد على إضاءة جيدة وكاشفة تساهم في ضمان أمن مكونات هذا الفضاء، وفي نفس الوقت تضفي عليه جمالية خاصة. إذ ما الذي يمنع من أن يزين الممر الأرضي لوسط المدينة أو ما ينعته البيضاويون بالكرة الأرضية بعدما تم ترميمه بمصابيح بمختلف الألوان تضيء الفضاء وتضفي جمالية على جنباته خاصة بالليل بشكل يشبه تلك الإضاءة التي تميز برج إيفل بباريس حتى سميت بمدينة الأنوار أو تلك الإضاءة التي تميز مدينة شنغاي….. فإذا ما تم تزيين كل المرافق الإدارية والخدماتية المتواجدة بوسط المدينة بإضاءة تنضاف إلى الإضاءة التي أصبحت تميز مقر ولاية الدار البيضاء بنافورتها ومقرات كل من مبنى البريد والبنك المركزي ومجلس المدينة، بالإضافة إلى إضاءة فضاء حديقة الجامعة العربية… فقد يضفي هذا بلا شك جمالية كبرى تجعل من وسط المدينة فضاء يتلألأ كل ليلة من ليالي الدار البيضاء التي لا تهدأ.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتم تعميم تجربة مقاطعة “الفداء-درب السلطان” التي باشرت فيها مصلحة الانارة العمومية بالمندوبية الإقليمية “الفداء مرس السلطان” لشركة “ليدك” عملية تغيير مصابيح الانارة العمومية القديمة. والأمر يتعلق بتلك المتواجدة بشارع “أحمد الصباغ” بمقاطعة “مرس السلطان”. وخلال هاته العملية سيتم استبدال المصابيح الصفراء المستعملة حاليا بمصابيح جديدة من نوع “LED “بيضاء اللون. حيث ستمكن هاته العملية من اقتصاد الطاقة الكهربائية، وأيضا تجويد المشهد الليلي بذات الشارع. وقد التزمت شركة “ليدك” بتغيير جميع المصابيح المستعملة حاليا وتعويضها بأخرى بيضاء. حيث ستشمل هذه العملية عددا من أزقة وشوارع مقاطعة “مرس السلطان”. وذلك وفق برنامج مسطر يهدف لتعميم الانارة البيضاء في أفق ستة 2025. حيث ستمكن هاته الخطوة من الاستفادة من إنارة قوية ذات جودة عالية، وهو ما سيمكن من الحفاظ على أمن وسلامة ساكنة تراب المقاطعة.فإذا تم الاتفاق على تعميم هذه التجربة باستبدال مصابيح كل شوارع الدارالبيضاء وفضاءاتها العامة القديمة بمصابيح جديدة من نوع LED ” ” بيضاء اللون مع استخدام الطاقة الشمسية فأكيد أن المظهر الجمالي للعاصمة الاقتصادية سيكتسي إشعاعا ورونقا يمتزج فيه طلاء المباني والواجهات الامامية مع إضاءة بيضاء ومشعة لشوارع أعرق وأكبر وأوسع وأجمل مدينة بالمملكة.
تعليقات الزوار ( 0 )