Share
  • Link copied

الخمسي يكتب: الحوار سبيل العقلاء في فرنسا.. سعة العقول تنتج سعة الحلول

ليس من خيار أو طريق لبناء الثقة و تحقيق الاحترام والمساهمة في السلام غير الحوار بين الجمهورية الفرنسية والمسلمين، سواء كانوا مواطنيها أو مقيمين بشكل قانوني على ارضها، وذلك أن الحوار تفرضه الحقائق أو المسلمات الاربع:

1 ـ الحوار هو الطريق من أجل اكتشاف الحقائق وهي متعددة ونسبية مع تعدد الطرق الموصلة إليها لاننا في العلوم الانسانية، ولسنا أمام قوانين الفيزياء وحتى هذه لم تعد حقيقة واحدة، غير أن تعدد هذه الحقائق جميعها تمر بالانصات المتبادل، و بإلقاء القول المتبادل و ببسط الحجج المتبادلة، وبالتالي فالتوسل بالحوار ليس ضعفا، أو تغول طرف على طرف فذلك ليس حوارا وإنما هي ثقافة قهرية استعلائية، ومن العقل اعتبار الحق مهما كان فهو يستبطن وجهة نظر.

2 – ان كل حوار جاد ومسؤول يفضى ومن ثماره تقلص الشقة والخلاف، حيث تبدأ مقارعة الحجة بالحجة ، ويقع الاهتمام لوجهات النظر المختلفة، وهنا لا يد أن تتوفر الاداة التي تتمثل في الثقة، وتضعف أخرى الممثلة في الشك والريبة، فيصبح الحوار علاجا للاختلاف ودواء للصراع

3- تبادل المنافع وتحقيق الاستفادة، فلم يثبت في التاريخ أن كان الحوار غير ذي فائدة، والمصالح والمنافع تكتشف بين الطرفين، بل يكتشفون كلفة الصراع و تعدد الألم و الخسائر في غياب الحوار.

4- الحوار هو أحد مفاتيح توسيع النظر وتطوير إمكانات العقل الذي هو ميزة الإنسانية جمعاء، فتعدد وجهات النظر هو الغنى نفسه للبشرية جمعاء، وهو المعبر عنه قرءانيا بالتعارف

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)” سورة الحجرات

حيث تزداد سعة الحلول بسعة العقول.

لاشك أن الساحة السياسية الفرنسية تعاني الآن من غياب رجالات في حجم ديغول ، الذي كانت له دراية بالعالم العربي خصوصا والعالم الإسلامي عموما، ولاشك أيضا أن اليمين المتطرف يدق أبواب الاليزي، بسبب تعثر المخيال السياسي لدى الأحزاب التقليدية الفرنسية، وفي ظل تقهقر اقتصادي واضح للصناعات الفرنسية، مع دخول الصين وتركيا المنافسة في البحر المتوسط وإفريقيا، هو ما جعل هامش المناورات السياسية صعبا، كما أنه أصبح أمرا شبه موسمي، فكلما اقتربت الانتخابات في فرنسا إلا وأصبحت ورقة الإسلام على طاولة الحملة الانتخابية، وأصبحت المزايدات السياسية حاضرة، وهذا لا ينكره احد، غير أنه ومن الانصاف تعبت فرنسا واوريا من كثير من العناوين والتنظيمات الإسلامية ذات خلفيات ثلاثة:

1 ـ هيمنة فكرة الاستعلاء و استبطان فكرة خلق مجتمع داخل المجتمع، وهذا الأمر هو مشروع حرب أهلية في المستقبل، لن تقبل به اي دولة مهما بلغت من الغباء السياسي، ففكرة أسلمة فرنسا يعبر عنها بعشرات الطرق والأساليب وهذا أمر مخيف للمجتمع الفرنسي، وخاصة نخبه ومثقفوه وسياسيون من كل طيف.

2- بناء مشروع أيديولوجي لا يعتمد على فكرة التداول الديمقراطي داخل فرنسا، وإنما أدوات لدول مثل إيران أو بعض دول الخليج، ويمر ذلك بآليات معقدة ومتعددة تملك من المال والوسائل الأمر الذي أصبحت بعض الدول الأوروبية تخشى الاختراق والتهديد لديمقراطيتها مستقبلا.

3 ـاختلاط الدعوة بالمخدرات و التهريب، حيث كثير من الدول الغربية اكتشفت و تكتشف تقلص المسافة بين بعض التنظيمات الدينية ” الإسلامية ” ، و المافيا أو الجريمة المنظمة، وهنا تكمن الخطورة مرتين، فالفكرة المتطرفة والوسيلة القوية لتنفيذها تنهي مجتمعات بانوراما لتنظيم نفسها وامتلاك حريتها.

إن المسلمين في جسمهم العام الكبير ينتمون إلى إلى المجتمع الغربي بالمعنى الوطني و ينتمون للعالم الإسلامي بالمعنى الروحي، و بالتالي هم نموذج غنى وإثراء لروح الجماعة الصالحة، اي التي تجمع بين صفاء الروح، وقوة الاخلاق و تمكن العقل والفهم في بعد متميز عبر عنه الفيلسوف طه عبد الرحمان ” لا تحتاج إلى شيئ احتياجنا إلى هاتين الروحين المتكاملين الروح العقلانية النافعة والروح الجماعية الصالحة.

كما يعلمنا التاريخ أن بعد كل أزمة ثقة ، وصراع يشرق فجر جديد للتعارف والتقارب، فقد تكون المحنة التي يمر منها 99 في المئة من المسلمين في فرنسا فرصة لتحقيق أربعة اهداف:

1ـ النظام والانتظام لجهودهم و مؤسساتهم و التعبير عن كينونتهم وحماية مصالحهم التي يضمنها القانون وتحميلها الدساتير وتدعمها الديمقراطيات، منوخلال آليات ومنظمات وجمعيات شفافة واضحة وصريحة يستوي باطنها بعلانيتها.

2 ـ بناء جسور الثقة والمحبة بين المجتمع الفرنسي وبينهم، ففيةاخر المطاف يمر السياسيون ويبقى المجتمع

3 ـ البحث والتواجد في مواقع القرار من خلال مشاركة سياسية وحضور متميز

4ـ الاهتمام والإجابة على التحديات التي يعيشونها ، و يحملونها من خلال سلم الأولويات، فمعركتهم معركة أجيال، و تحتاج نفسا طويلا، تكاد تشبه في بعض جوانبها معركة البروتيستانت في تاريخ أوروبا.

*استاذ التعليم العالي – فاس

Share
  • Link copied
المقال التالي