ويتضمن كتاب “رحلة في أسرار بلاد المغرب” للرحالة إتيان ريشي(1873-1929) Etienne Richet وصفا أدبيا رائعا للمغرب، مما جعله من أهم الوثائق في تاريخ البلاد في مطلع القرن العشرين، خاصة أن الرحالة وهو صحفي ومستكشف ودبلوماسي فرنسي، زار المغرب في مهمة سرية سنة 1905، أي أثناء الأزمة المغربية، أو ما يعرف بـ”المسألة المغربية” لاستكمال تحقيقه حول قضايا ومجال الجار الغربي للجزائر المحتلة من طرف فرنسا.
وزار الرحالة العديد من المدن الساحلية كتطوان، طنجة، آسفي، موكادور وأيضا مدنا داخلية كوزان وفاس ومكناس ومراكش. كما التقى شخصيات عديدة وفاعلة في تلك الفترة كالسلطان مولاي عبد العزيز(1894-1908) وخليفته مولاي عبد الحفيظ(1908-1912) وأيضا القائد “هاري ماك لين” الذي جمع بين وظيفتي مستشار للسلطان عبد العزيز وأيضا مندوب وزارة الخارجية البريطانية للمغرب والتقى أيضا المتمرد الريسوني.
ويعتقد إتيان ريشي أن المملكة الشريفة “تبقى أكثر البلدان الإسلامية غموضا مهما كانت قريبة من أوربا”.
كما يظل المغرب، ظاهريا على الأقل، “البلد الأكثر سكينة واطمئنانا” حسب وصف الكاتب. لكنه يعود ليذكر القارئ أن “المجتمعات المتخلفة لاتعرف الهدوء الحقيقي أبدا وحالها هي دوام الاضطرابات”.
لا يخفي الكاتب نواياه الاستعمارية فهو يدعو بلده فرنسا صراحة إلى التدخل بالمغرب، تحت مبررات كثيرة لعل أهمها مبرر “الفوضى” و”الوضع السيء” للبلد، قائلا “فمع حالة الفوضى السائدة في المغرب المعتم الذي أشهد الآن بعيني وضعه الذي يرثى له، من الضروري أن يحكم هذا البلد من قبل شعب متحضر وقوي كفاية ليكسر، دون تأخير، مقاومة الطبقات الحاكمة…لإنجاح هذا المشروع المكتنف بالصعوبات والمحفوف بالعراقيل، تبقى فرنسا هي المؤهلة طبيعيا للاطلاع بذلك بحكم حدودها المتاخمة له وأيضا بحكم حقوقها التاريخية”.
ولقد سعى الكاتب إلى إظهار سيء الأخلاق عند المغاربة، عندما قال في المغرب الكل يسرق، الأبناء يسرقون آباءهم، البنات يسرقن أمهاتهن، الزوج يسرق زوجته، والقبائل تسرق بعضها البعض…”لكنه ظل طيلة تنقله بين مدن المغرب معجبا بمناظره وطبيعته، وقد ساعده أسلوبه الأدبي في جميل الوصف، وخاصة عندما زار مدينة تطوان.
مدينة تطوان مدينة كبيرة رائعة من المغرب الشمالي، حاضرة اللذة والضوء، لم يدنسها كثيرا حضور الزوار كما هي حال طنجة. إنها قريبة وبعيدة، حديثة ومتوحشة، جديدة وقديمة، مركبة بغرابة، من أحياء ثلاثة، حيت توجد متجاورة ثلاثة أعراق تتلاقى في السوق. إنها “سنية بهية سحرت السماء نفسها”.
وفي ليل تطوان تتحلى المنازل مظاهر الأشباح، وتصادف أحيانا بعض” المحبطات الخائبات”… في بياض وجوههن شفاههن حمراء وقوس الحاجب مرسوم بجرأة…تنطلق أحيانا أشعة متوهجة تنفذ أحيانا حتى أعماق النفوس” يسمع في الشارع من هنا وهناك تارة موسيقي يبكي آلته، وتارة مغني يخرج من حنجرته نوطات حادة.
ويصف الكاتب عيش اليهود فيقول يعيشون في جميع مدن المغرب، إلا طنجة، محصورون داخل أحياء خاصة. ويتمتعون بأوصاف وأخلاق عديدة فهم “يقظون وسريعو الفهم وماكرون تجدهم يتسللون إلى كل مكان بخنوع وتملق وثرثرة” يجلس النساء اليهوديات في مساءات الصيف على عتبات الأبواب، وتبدو كثيرات منهم جميلات. لكن هذا الجمال يفتقد ما إن يجتزن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمرهن، “لأن شكلهن يتغير”، فيصبحن “نساء كبيرات وازنات ومترهلات”. أما الرجال فيهملون اللحى ويعتمرون طرابيش قاتمة، ويتكلمون لغات متعددة كالعربية والإسبانية والإنجليزية وغالبا الفرنسية. “إنهم ينتقمون من الاحتقار الجماعي ببيع ما هو قابل للبيع وما ليس قابل للبيع”. لهم قدرة كبيرة على التعرف على الإنسان الغريب عن السوق، إنهم “يشتمون رائحة الفريسة”.
ظل الكاتب متشوقا لتطوان متأسفا وهو يستعد لمغادرتها، لأنه أحب صباحاتها ولياليها الساحرة. لكنه من خلالها وصف المغرب بأنه بلد متعب ويغيب فيه التقدم ويحافظ على الطابع المادي للقرون البائدة.
كاتب صحافي
المرجع :
إتيان ريشي : رحلة في أسرار بلاد المغرب، ترجمة بوشعيب الساوري، أفريقيا الشرق، 2016.
تعليقات الزوار ( 0 )